رياض هاني بهار وفي العراق الذي يعج بالأجهزة الأمنية والعسكرية والاستخبارية كما كانت بالنظام السابق بل واكثر ، فهي تمثل إحدى البؤر التي تتمثل فيها أزمة الديمقراطية وحكم القانون بالعراق ، بحيث تتقاطع في عمله الاختلالات الجوهرية في عمل وعلاقات سلطات الدولة مع بعضها البعض ، لقد شكلت ظاهرة تعدد الأجهزة وعدم وضوح صلاحيات كلا منها وغياب قيادة مؤسساتية تشكل مرجعية لها بالترافق مع غياب قانون واضح منظم لإعمالها واستمرار بقاء نفس الأشخاص على قمة هرم كل منها، كل ذلك ساهم في تحويل هذه الأجهزة إلى إقطاعيات لمسؤوليها ومركز نفوذ لقادتها، مما افقدها مصداقيتها على ضوء هذه الحقيقة وهدد السلم الاجتماعي في غياب الشعور بالامن والأمان بالرغم من الكلفة المالية المهولة لتغطية نفقات هذه الأجهزة ، مما يتطلب من الحكومة القادمة ان تضع نصب اعينها الإصلاح الجوهري في الهيكل الدستوري والقانوني والإداري للامن العراقي . عند تناول إصلاح الامن العراقي يلزمنا الكثير من البحث المفصل والموضوعي والجريء في ذات الوقت، ونتناولها هنا كعناوين عريضة ما هو إلا فاتحة ومدخل لذلك ، من أين يبدأ الإصلاح الامني ؟ ليس هناك ترياق جاهز للإصلاح، إنما الإصلاح عبارة عن حالة تتكون في لحظة تاريخية متميزة تسود فيها إرادة سياسية جماعية للإصلاح ومستوىً من الأخلاقيات التي ترقى إلى أهمية تلك اللحظة ، وكما أن أسباب الخلل هي حصيلة تراكم فساد ومصالح اختلطت باجتهادات تكونت واستقرت عبر مراحل طويلة من الزمن، فقد يكون للإصلاح استحقاقاته ووقته ، وبطبيعة الحال، فإن أسباب الخلل قد انعكست من خلال الدستور والقوانين والأنظمة ، أن أزمة القطاع الأمني في العراق إنما هي أزمة ديمقراطية وضعف في حكم القانون، لكون المؤسسة الأمنية العراقية بأشكالها وأنواعها المختلفة وقياداتها لم تكن محايدة إزاء الموقف من الشأن العام في مختلف الحقب التاريخية المعاصرة التي مر فيها العراق، بل شكلت عنصرا هاماً في شبكة السلطة التنفيذية الرسمية وعملت دائماً على حمايتها وتنفيذ قرارتها الخاطئة وأضعفت من فكرة فصل السلطات المتوازن  ، فالحديث عن إصلاح الامن العراقي يقتضي النظر إلى العلة، والعلة في فساد الجهاز الأمني، بتغوّل السلطة التنفيذية على السلطات الأخرى وضعف أوغياب الرقابة عليها، وبما أن الرقابة هي المهمة الرئيسية التي يمارسها القضاء ومجلس النواب على السلطة التنفيذية،  فمحاور الأزمة والإصلاح فيه هي ذاتها ، فاختلال العلاقة فيما بين سلطات الدولة واستئثار السلطة التنفيذية بالحكم وتغوّلها على القضاء والبرلمان هو أساس معظم الاختلالات والأزمات، ، وما يتفرع عنها من مواضيع. هناك ثلاثة نقاط اساسية تضع نصب الاعين عند التفكير بالإصلاح الأمني:اولا هو إذا كانت السلطة التنفيذية قابلة للمحاسبة والمساءلة، وثانيا إذا كان القضاء مستقلاً وقادراً على بسط رقابته الدستورية، وثالثا معرفة فيما إذا ما كانت السلطة التشريعية قادرة على ممارسة رقابتها على السلطة التنفيذية ، وفي باب إصلاح الإطار القانوني للامن، ينبغي التركيز على أن المطلوب في هذا المجال هو النص الدستوري الواضح والصريح على وجوب مهنية هذه الأجهزة والعاملين فيها وحيادها ووضعها تحت مسؤولية السلطة السياسية، واخضاعها للمراقبة والمساءلة والقانون كبقية مؤسسات الدولة الأخرى، وتوضيح صلاحياتها ،  وتنظيم هياكلها وتحديد اعددها ، وفقاً للحاجة الفعلية، والغاء حالات الاستنفار التي توفر الغطاء لتعسفها واستخدامها للصلاحيات الواسعة غير المبررة ، وفي جانب التعبئة والتثقيف والتوجيه ، من الضروري مراجعة مضمون العقيدة التي يتم بموجبها بناء منظومة القيم التي يعبأ بها الكادر، بحيث يتم الولاء للوطن، حيث أن المؤشرات وطريقة تصرف الكادر الأمني تشير أن العقيدة الأساس التي يجري شحن الكادر بها تركز على الولاء للاشخاص وليس للوطن ، وهذا واضح من الشعارات الموجودة على مداخل المعسكرات ونقاط التفتيش وفي مداخل المدن التي تمجد الولاء لرئيس الوزراء . وخلاصة القول إن الخلل في الامن العراقي ما هو إلا نتاج طبيعي لمعادلة الوضع السائد المختل فيها توازن السلطات بشكل فاضح ، والإصلاح يبدأ إذا ما توافرت إرادة سياسية جماعية للإصلاح لدى كافة أطراف المعادلة أو لدى الأطراف القادرين على ترجيح كفة الإصلاح، وعلى الجميع أن يدرك أن المؤسسات الأمنية يجب أن تخضع كغيرها إلى حكم القانون، وهو ما لا يتيسر إلا بتمكين سلطتي القضاء والتشريع من بسط رقابتهما الدستورية الواجبة، وبخلاف ذلك، فإن وضع القطاع الأمني بالعراق سوف يبقى على ما هوعليه  في خدمة معادلة الأمر الواقع ودفاعاً عن استئثار السلطة التنفيذية بالسلطة واحتكارها riadhbahar@yahoo.com

أكثر...