د.باسل حسين يشيع في الموروث الثقافي العراقي استخدام لفظة الحايف، والْحَيْفُ لغة هو : الْجَوْرُ والظُّلْمُ وقد حَافَ عليه يَحِيفُ : أَي جَارَ كما في الصِّحاحِ وقيل : هو المَيْلُ في الحُكْمِ وهو حَائِفٌ. اما في الموروث العراقي والعربي لاسيما في الشرق منه فالحايف هو اللص او السارق الذي يسرق ليلا وخلسة، وكان الناس ينظرون الى الحايف في القبيلة او العشيرة على انه شجاع لا يهاب المخاطر، ويأتي بقوته من قوته، وبالتالي وجود هكذا إنموذج هو قوة وهيبة لها. لذا كان الرواة يروجون للحايف ويمجدون به امام مسامع الجميع شيبة وشبانا ويصورونه على أنه رجل مقدام شجاع ومغامرٌ فذ لا يخشى المخاطر والأهوال، مع تجاهل أية دلالة إلى خطأ الفعل ومدى فداحته وتعارضه مع الاخلاق والشرائع السماوية. وكانت أحد مسوغات هذا العمل هو صعوبة الحصول على المتطلبات الدنيا لادامة الحياة، وساهم في انتشار هذه الثقافة شظف العيش وصعوبة الحصول على الموارد، وكانت هنالك عمليات كر وفر بين الحايف والمحيوفين، ورصد وحذر لكن في غالب الاحيان يستطيع الحايف من الوصول الى هدفه في نهاية الامر. بيد انه بالرغم من ذلك، فان هؤلاء لديهم محددات واضحة ومحكومون بسلوكيات وتقاليد وعادات وقيم لا ينبغي معها لـ”الحايف” أن يسرق اقربائه أو جيرانه أو معارفه أو من أمنه، وإلاّ عدت فضيحة ووصمة عارٍ تلازمه طول عمره وربما يعاقب ويرفض من داخل المجتمع المحلي الذي يوجد به. وقد غادرت مفردة الحايف عن اغلب الأحاديث اليومية ، وأصبحت مجرد موروث ثقافي يستخدم للتذكير بسلوكيات مرفوضة او مدانة عرفا وشرعا، وبانها لا تنسجم مع ولادة الدولة الريعية، وتحسن ظروف الفرد الاقتصادية وزيادة الوعي الديني والثقافي والاستقرار والانتقال الى مجتمعات مدنية او شبه مدنية. بيد انه ظاهرة الحايف قد اعادت نفسها بطريقة اخرى لاسيما بعد الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003 ،إذ مع ضعف بنى الدولة المركزية، اصبحت موارد العراق متاحة للسرقة باساليب شتى وادوات مختلفة، واصبحت سرقة المال العام مسالة يشترك بها الجميع، لاسيما من المسؤولين، وباتت مقولة ابن خلدون الخالدة ” المنصب من اجل الريع” تجسد على نحو فاضح في سلوكيات هؤلاء المسؤولين، وتم بناء قاعدة هرمية من التوقعات تشمل اعلى مسؤول إلى أدني بانه من الممكن الاستيلاء على المال العام والافلات من العقاب. وإذا كان حايف الامس يراعي بعض القيم التي تم ذكرها، ولايسرق الا لضغط الحاجة فحايف اليوم لا يمتلك اي قيم ولا خطوط حمراء، وهو يسعى الى ذلك السلوك ليس لغرض تلبية الحجات الاساسية وانما لتكوين ثروات هائلة، فاغلب الوزراء هم فاسدون وكذلك وكلائهم والجهاز الإداري بحيث أصبحنا في مقدمة الدول الفاسدة حسب المؤشرات والارقام التي بينتها المؤسسات الدولية المختصة. ومن المفارقة ان نتائج الانتخابات الاولية اظهرت تقدما واضحا لجميع هؤلاء الفاسدين من المسؤولين، والذي يعكس من بين ما يعكسه، عودة الاحترام والتقديس لثقافة ” الحايف” والا ماذا يمكن ان نفسر تلك النتائج المبهرة لهؤلاء في هذه الانتخابات الاخيرة، نحن مجتمع بحاجة الى مراجعة مع الذات والضمير، وان نحاسب أنفسنا دون نفاق ودون ازدواجية وان لا نكون بوجهين بل أكثر من وجه، نعم نحن نستحق ما يحصل لنا مجتمع بات يقدس” الحايف”.  

أكثر...