شاهدت فيلم سبايدر مان الذى بدأ عرضه عالميا متزامنا مع العرض فى مصر بين عدد كبير من الصغار، وأقل من الكبار، وفى مشاهد كثيرة كان المشاهدون الصغار يصفقون فى لحظات انتصار الرجل العنكبوت، ويصرخون إذا ما أصابه ضرر قليل، كجرح فى الجهاز الذى يوجد بيديه ليكبل أعداءه بخيوط العنكبوت.. هؤلاء المشاهدون الصغار يشعرون أن سبايدر مان يخصهم كجيل، فهو بطلهم فى السينما، وفى الألعاب المختلفة التى يلعبونها على الكمبيوتر، ومن المؤكد أنهم لا يدرون أن سبايدر مان فى الحقيقة تجاوز الخمسين، وأنه بطل لجدودهم كما كان بطلا لآبائهم، فسبايدر مان ليس مجرد فيلم، لكنه تاريخ صار يخص الإنسانية جميعا.

100 مليون دولار هو الإيراد الذى استطاع حتى الآن أن يحققه فيلم سبايدر مان من العرض داخل الولايات المتحدة الأمريكية، هذا غير الإيرادات من عرضه عالميا، The Amazing Spider Man 2 ليس مجرد فيلم يحقق إيرادات بالملايين، ولا هو مجرد شخصية خيالية تطير وتلتصق بالحوائط بالنسبة للأطفال والكبار، لكنه حكاية عمرها يزيد على النصف قرن، ويالها من حكاية تستحق أن نحكيها أكثر مما نحكى عن مجرد فيلم.

فى عام 1962 قام رئيس تحرير دار مارفل الأمريكية للنشر آنذاك، ستان لى، بالتعاون مع ستيف ديتكو بابتكار شخصية خيالية لمجلتهم، وأطلقوا عليها سبايدر مان أو الرجل العنكبوت، وقد عملوا عليها لبعض الوقت، ورسموا ملامحها كغلام صغير يتيم فى المدرسة، قام بتربيته عمه وزوجته، ويكتشف فجأة أنه يملك قدرات خارقة يستغلها فى محاربة الشر، ونجحت الشخصية حين نشروها فى قصص مصورة نجاحا غير مسبوق، وعاما بعد عام تطورت الشخصية وكبرت مع الأطفال، فصار سبايدر مان طالبا فى الجامعة، ثم كبر وعمل مصورا فوتوغرافيا، وكأنه حقيقة ترتبط بالزمن، غير أن زمنه أبطأ من زمننا نحن، فمازال سبايدر مان شابا صغيرا حتى رغم مرور نصف قرن من عمره.

صارت شخصية سبايدر مان شخصية من أهم الشخصيات التى تؤثر فى العالم والشباب على الأخص، ففى أحد الاستفتاءات فى الجامعات والمدارس الأمريكية كان سباير مان هو أكثر الشخصيات تأثيرا فى الطلبة، فأحد الطلبة قال عنه نصا فى إجابته «إن سبايدر مان واحد مننا حتى لو كان خارقا».

سبايدر مان أو الرجل العنكبوت تأثر بالسياسة والحرب الباردة فى الستينيات بين أمريكا وروسيا، وحتى تأثر كذلك بالصراع الأمريكى الأمريكى بين اليسار المتطرف واليمين المتطرف الذى صاحبته مظاهرات فى الجامعات الأمريكية. فى عام 1970 فى فترة حكم الرئيس نيكسون طلبت الإدارة الأمريكية من ستان لى، مبتدع الشخصية، أن يستغل تأثيرها فى الحرب على المخدرات، لكن قوانين الكونجرس كانت تمنع ظهور أى إشارة للعنف أو المخدرات فى أعمال فنية تقدم للنشء، وخاضت «مارفل» حربا إعلامية وقانونية من أجل ذلك، حتى تم تغيير القوانين فى حالة ما إذا كان الهدف من الإشارة للمخدرات أو العنف هو منعها.

فى عام 1991 فى صدر الصفحة الأولى لجريدة «وول ستريت» الشهيرة عنوان يقول «سبايدر مان يصل وول ستريت»، حيث صارت شركة «مارفل» للنشر، صاحبة شخصية سبايدر مان، أول مؤسسة للنشر تدخل قائمة بورصة نيويورك بفضل مكاسبها من الرجل العنكبوت الذى صار يدر عليها أرباحا بالملايين، فقد صار منتجا ثقافيا واقتصاديا.

قُدمت شخصية سبايدر مان فى عشرات من الأعمال الفنية كدراما تليفزيونية، وكارتون، ومسرح، وسينما، فقدمها مثلاً «برودواى» عام 2011 فى مسرحية موسيقية كانت الأعلى كلفة فى تاريخ برودواى، حيث تكلف إنتاجها 70 مليون دولار.

صار سبايدر مان إرثا عالميا لا يخص أمريكا وحدها، فقدمت الهند سبايدر مان الهندى، وكذلك اليابان، وكثير من دول أمريكا الجنوبية، لذا فمهما قيمنا الفيلم الذى أخرجه مارك ويب، وقام ببطولته للمرة الثانية الشاب أندرو جارفيلد، وإيما ستون، وجامى فوكس، وسالى فيلد، فإن سبايدر مان الرائع سيظل موجودا وحاضرا فى عقل وقلب الأجداد والأبناء والأحفاد، ويعلم الله عند أى جيل سيتوقف تأثيره، لأن كما قال الشاب الأمريكى «هو واحد مننا» رغم كونه عنكبوتا، فمتى نبدع واحد مننا يتأثرون به ويصير إرثا لينا كلنا.



أكثر...