كاتب بريطاني: الولايات المتحدة لا تعتزم مغادرة العراق وإنما تعيد تسمية احتلالها له

الخميس أغسطس 5 2010
الولايات المتحدة لا تعتزم مغادرة العراق وإنما تعيد تسمية احتلالها له iraq_2.jpg
الاحتلال الاميركي للعراق: انسحاب ام اعادة انتشار؟!

لندن - الولايات المتحدة لا تعتزم مغادرة العراق وإنما تعيد تسمية احتلالها له alqudslogo2.gif -
نشرت صحيفة "ذي غارديان" البريطانية مقالا للكاتب شيموس ميلن يقول فيه انه بالرغم من قول الرئيس الاميركي باراك اوباما ان انسحاب القوات الاميركية من العراق سيتم في الموعد المحدد له،
فان اعادة تسمية القوات الاميركية المقاتلة لن تعيد للعراقين بلدهم. واشار الى اعلان الحكومة العراقية ان 535 عراقياً قتلوا الشهر الماضي وحده قائلاً ان هذا الرقم يفوق الخسائر في صفوف المدنيين في افغانستان.

وكتي ميلن: "بالنسبة الى معظم الناس في بريطانيا والولايات المتحدة، أصبح العراق شيئا من التاريخ.
وقد أخذت أفغانستان حصة الأسد من انتباه وسائل الإعلام بينما ترتفع لا محالة حصيلة القتلى في صفوف قوات حلف شمال الأطلسي. والآن يتركز الجدل بشأن العراق على القرار الأصلي بالغزو: اما ما يحدث هناك في 2010 فلا يكاد يذكر.

ولا بد ان يكون هذا قد تعزز من خلال إعلان الرئيس اوباما هذا الأسبوع أن القوات الأميركية المقاتلة في العراق ستسحب في نهاية هذا الشهر "كما وعدنا ووفقا للبرنامج".
وبالنسبة الى قسم كبير من الصحافة الأميركية والبريطانية، كان هذا هو الامر الحقيق: اذ هللت العناوين لـ"نهاية" الحرب وقالت "القوات الأميركية تغادر العراق".

ولا يمكن ان يكون هناك شيء أبعد من ذلك عن الحقيقة. ان الولايات المتحدة لا تنسحب من العراق على الإطلاق- إنها تعيد تسمية الاحتلال.
وبالضبط كما تم تغيير عنوان حرب جورج بوش "على الإرهاب" إلى "عمليات الطوارئ في الخارج" عندما أصبح أوباما رئيسا، سيتم تغيير اسم "العمليات القتالية" الاميركية إلى "عمليات الاستقرار".

وبينما أخبر الناطق باسم الجيش الأميركي في العراق الجنرال ستيفن لانزا صحيفة "نيويورك تايمز" بأنه: "بصفة عملية، لن يتغير شيء"،
فبعد الانسحاب الذي سيتم هذا الشهر سيكون هناك 50 ألف جندي أميركي في 94 قاعدة عسكرية، من أجل تقديم "الاستشارة" وتدريب الجيش العراقي، و"توفير الأمن"، وتنفيذ المهمات "المضادة للإرهاب".
أي أن ذلك، بالنسبة الى الجيش الأميركي، يغطي بشكل جيد كل ما قد يرغبون بفعله.

صحيح أن 50 ألفا هو خفض كبير لعدد القوات في العراق قبل عام. لكن ما سماه أوباما ذات مرة "الحرب الغبية" هي حرب مستمرة بلا رحمة في الواقع.
العنف يتزايد بينما الفصائل العراقية عالقة للشهر الخامس على التوالي في المنطقة الخضراء.
المدنيون الذين يقتلون في العراق يزيد عددهم عن الذين يقتلون في افغانستان: 535 في الشهر الماضي فقط، وفقا للحكومة العراقية- وهو الرقم الاسوأ منذ عامين.

وحتى إن كان من النادر رؤية الجنود الأميركيين في الشوارع، فإنهم ما زالوا يموتون بمعدل ستة كل شهر،
ويتم قصف قواعدهم بانتظام من جانب جماعات المقاومة، بينما يُقتل الجنود العراقيون والعسكريون المدعومون من قبل الولايات المتحدة بأعداد أكبر بكثير وقد عادت "القاعدة هدية بوش إلى العراق- إلى العمل عبر مناطق عديدة من البلاد.
وبينما لا تتم الإشارة إلى ذلك في بريطانيا إلا نادرا، فهناك 150 جنديا بريطانيا يدعمون الولايات المتحدة في العراق.

في غضون ذلك، فإن الحكومة الأميركية لا تعيد تسمية الاحتلال فحسب، بل إنها تخصخصه أيضا.
هناك نحو 100 ألف متعاقد من القطاع الخاص يعملون مع القوات المحتلة، ومنهم أكثر من 11 ألفا من القوات المرتزقة المسلحة، ومعظمهم "من مواطني دولة ثالثة"، عادة من الدول النامية.
وقد قتل مقاول أمني بيروفي وآخران من أوغندا بهجود صاروخي على المنطقة الخضراء قبل أسبوعين.

الولايات المتحدة لا تعتزم مغادرة العراق وإنما تعيد تسمية احتلالها له 20100803T184220-1280
آليات عسكرية اميركية في العراق

الولايات المتحدة تريد الآن توسيع أرقامها كثيرا في ما سماه جيريمي سكاهيل،
الذي ساهم في كشف الدور الذي قامت به شركة "بلاكووتر" الأمنية، "التدفق القادم" من المتعاقدين في العراق.
تريد هيلاري كلينتون أن تزيد أعداد المتعاقدين العسكريين العاملين لوزراة الخارجية وحدها من 2700 إلى 7000، لتركيزهم في خمسة "مراكز توظيف دائمة" في العراق.

ميزة الاحتلال ذي المصادر الأجنبية هو أن يتحمل آخرون الموت من أجل الحفاظ على السيطرة في العراق.
كما يساعد ذلك في الالتفاف على الالتزام الذي قطع قبل مغادرة بوش منصبه بقليل، بسحب كامل القوات الأميركية من العراق بحلول نهاية 2011.
اما المخرج الآخر، وهو المتوقع لدى جميع الأطراف، فهو الطلب العراقي الجديد من الولايات المتحدة بالبقاء لمدة اطول - بمجرد تشكيل حكومة مناسبة يمكنها أن تتفق على تقديم هذا الطلب.

والواضح إلى حد كبير هو أن الولايات المتحدة، التي يعدل حجم سفارتها في بغداد الآن جم حاضرة الفاتيكان، ليس لديها نية السماح بانفكاك العراق في أي وقت قريب.
ويمكن العثور على أحد اسباب ذلك في العقود الاثني عشر التي مدتها 20 عاما لتشغيل أكبر حقول النفط العراقية التي سُلمت العام الماضي لشركات أجنبية،
وبينها ثلاث شركات أميركية- انجليزية كبرى استغلت النفط العراقي خلال عهد الاستعمار البريطاني قبل العام 1958.

وادت الشرعية المشكوك فيها لتلك العقود إلى امتناع عدد من الشركات الأميركية،
ولكن كما يعتقد غريغ موتيت، مؤلف كتاب سيصدر عن الموضوع، فإن الجائزة للولايات المتحدة هي أكبر من العقود ذاتها،
والتي تضع 60% من الاحتياطي العراقي تحت سيطرة الشركات الأجنبية لأجل طويل.
ولكن إذا امكن تعزيز الانتاج ليرتفع ارتفاعاً حاداً كما هو مخطط له، فإن السعر العالمي للبترول سينخفض، كما أن قبضة دول منظمة "اوبك" المشاكسة سيتم تحطيمها.

الثمن الباهظ للحرب على الشعب العراقي، من جهة اخرى، والخوف المستمر وبؤس الحياة اليومية يجعل الادعاء بأن تعزيز عديد القوات الأميركية عام 2007 "كان فعالا" وأن أحوال العراق تحسنت رغم كل شيء ادعاءً مثيراً للسخرية.

ولا يتعلق الامر بمئات الآلاف من القتلى و4 ملايين من اللاجئين وحسب.
فبعد 7 سنوات على الاحتلال الأميركي (والبريطاني)، ما زال عشرات الآلاف يتعرضون للتعذيب ويُسجنون من دون محاكمة،
كما تدهورت الاحوال الصحية والتعليمية إلى حد مأساوي، وتراجع إلى الوراء وضع المرأة بشكل مخيف، وحُظرت النقابات العمالية فعليا، وبغداد مقسمة من خلال 1،500 حاجز تفتيش وجدران عالية، وامدادات الكهرباء انقطعت تقريبا ويدفع الناس حياتهم إذا خرجوا عن صمتهم.

وحتى من دون مهزلة انتخابات آذار (مارس)، فإن منع المرشحين والناشطين وقتلهم،
وما تبع ذلك من الشلل السياسي، والإدعاء- كما فعلت صحيفة "ذي تايمز" امس- بان "العراق هو ديموقراطية" هي أمور بشعة. إويمكن ان تنهار ادارة المنطقة الخضراء بعد وقت قصير من دون حماية من القوات الأميركية والمتعهدين الأمنيين.
ولا عجب أن هناك تكهنات بين العراقيين وبعض المسؤولين الأميركيين بحتمية وقوع انقلاب عسكري.

لقد كانت الحرب على العراق فشلا سياسيا واستراتيجيا للولايات المتحدة. ذلك انها لم تتمكن من فرض حل عسكري، ناهيك عن تحويل البلاد إلى منارة للقيم الغربية أو شرطي للمنطقة.
ولكن من خلال لعب أوراق طائفية وعرقية، فقد حالت كذلك دون ظهور حركة مقاومة وطنية وانسحاب مذلّ على نمط فيتنام. وهناك دلائل على أن أميركا تسعى لإيجاد شكل جديد من أشكال النظام شبه الاستعماري بالوكالة للحفاظ على قبضتها على العراق والمنطقة.
وما زال النضال من أجل استعادة استقلال العراق في بدايته.