لماذا ينتابنا شعور سيئ ومزعج عندما نسمع ما يخالف الإرث الفكرى الذى تربينا عليه، أو طريقة إلقاء لوجهة نظر تنسف كل معارفنا؟ سؤال يطرحه الكثيرون على أنفسهم ولا يعرفون الإجابة، فالحالة الجسدية والنفسية والصحية التى تتحول فجأة إلى سيئة للغاية بمجرد شعورك بالضيق بسبب تعرفك على معتقدات غيرك، والتى لا تتفق معها، هو أمر طبيعى ولكن لماذا؟

يوضح الأخصائى النفسى الدكتور مصطفى محمود، قائلا إن الإجابة تكمن فى العقل والنفسية، فالشخص يشعر بالهزيمة والاهتزاز ويخاف من التعرض للسقوط النفسى والعقلى، فهو يشعر فجأة أنه فى حرب فكرية وهى أقصى أنواع الحروب، فيشعر بأنه عرضة للهجوم بعد مكوثه فى حالة من السلم فترة طويلة، فيبدأ جسمه وعقله وفكره بالتأهب لمواجهة هذه الفيروسات –من وجهة نظره- التى تهدد معتقده وقد تغير فكره.

وأضاف أن الإنسان "يخاف من عقله"، هذه هى الحقيقة المزعجة عندما يسمع الشخص ما لا يرضيه وما لا يعبر عنه، ينتابه شعور بالقلق النفسى والخوف الشديد، والرهبة من زعزعة ثقته الفكرية التى ظل يبنى فيها طويلا، والخوف من اهتزاز ميراثه الفكرى هباء بجملة قد يسمعها من يره، فهو "يخاف من عقله" ويخشى أن يغلبه بحججه المنطقية فى التفكير لذا يشعر بالاهتزاز والقلق.

وأضاف "مصطفى" أن خوف الإنسان من فكره هو أمر طبيعى متأصل فى الإنسان، لأن العقل له هيبته وقدره لدى الإنسان حتى وإن كان لا يعى ذلك، فالعقل له طرقه فى "منطقة" الأمور وجعلها مجردة يبحث فيها عن الحقائق فقط دون تدخل عاطفى على الإطلاق.

وأشار إلى أن هذا تجسيد حقيقى لما يحدث الآن من خلافات على المستوى السياسى والفكرى فى الآونة الأخيرة، فتجد الأشخاص يدافعون عن فكرهم وانتماءاتهم بهجوم بحت على الغير، وهو تجسيد حقيقى للخوف العقلى الكامن لديهم من عقولهم التى يمكن أن تفكر، فتدرك، فتتحقق، فتتزعزع لانتماءات السياسية والميراث الفكرى الذى طالما كونوه عبر فترات طويلة.

وفى السياق ذاته، أشار الأخصائى النفسى حسن محمد إلى أن الإنسان يخاف التغيير الفجائى، ويعشق فكرة "الاستقرار" وتسيطر عليه، وتبلور حياته، ويحب أن يكون فى حال مستقر آمن لأطول فترة من الوقت نتيجة شعوره بعدم الأمان المستمر والملازم له.

وأضاف الأخصائى النفسى "أن الإنسان يحب أن يثبت لنفسه على الدوام أنه غير مخطئ إطلاقا، وأن الخطأ ناتج من الغير ويأتى من الخارج، لا من داخل النفس لذا لا يبذل مجهودا فى المعرفة والتحقق خوفا من اكتشاف جهله بمعارف معينة، وهذه عوامل تزيد من خوف الإنسان من عقله، ويتجسد ذلك فى خوف الإنسان من مواجهة عقله فى مواقفه السياسية والفكرية".



أكثر...