د.باسل حسين   من يتذكر مسار التحالفات السياسية العراقية  بعد الانتخابات التشريعية عام 2010 لا بد أن يطرأ في ذهنه المارثون الطويل في تشكيل الحكومة الذي ما كان ان يتم من دون ابتداع ما اطلق عليه بالجلسة المفتوحة الذي عد جلسة البرلمان الاولى جلسة مفتوحة دامت قرابة تسعة اشهر الى حين تم الاتفاق ما بين القوى السياسية على وثيقةاربيل. وينص الدستور العراقي في المادة (55) منه “ينتخب مجلس النواب في أول جلسةٍ له رئيساً، ثم نائباً أول ونائباً ثانياً، بالاغلبية المطلقة لعدد اعضاء المجلس، بالانتخاب السري المباشر.“فيما تشير المادة (72) ب ـ يستمر رئيس الجمهورية بممارسة مهماته الى ما بعد انتهاء انتخابات مجلس النواب الجديد واجتماعه، على ان يتم انتخاب رئيسٍ جديدٍ للجمهورية خلال ثلاثين يوماً من تاريخ أول انعقادٍ للمجلس.في حين تشير المادة (76)  اولاً :ـ يكلف رئيس الجمهورية، مرشح الكتلة النيابية الاكثر عدداً، بتشكيل مجلس الوزراء، خلال خمسة عشرَ يوماً من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية. وتفرض المادة (54) على المجلس ان يعقد جلسته الاولى خلال (15) يوما من تاريخ المصادقة فهي تنص على الاتي “يدعو رئيس الجمهورية مجلس النواب للانعقاد بمرسومٍ جمهوري، خلال خمسة عشرَ يوماً من تاريخ المصادقة على نتائج الانتخابات العامة، وتعقد الجلسة برئاسة اكبر الاعضاء سناً لانتخاب رئيس المجلس ونائبيه، ولا يجوز التمديد لاكثر من المدة المذكورة آنفاً“. وإذا ما علمنا ان الرئاسات الثلاث (رئيس البرلمان ، رئيس الجمهورية، رئيس الوزراء) تتم وفقا لصفقة سياسية واحدة ، بمعنى انه لا يمكن التصور بإمكانية التفاهم على كل منصب على حدة، بل تاتي ضمن اتفاق عام على شخوص الرئاسات الثلاثة، ادركنا سبب ابتداع الجسلة المفتوحة بغية إفساح المجال امام الكتل السياسية لاجراء عمليات التفاوض والمساومة. بيد  ان استنساخ تجربة عام 2010 غير ممكنة الان نتيجة اعتماد المحكمة الاتحادية القرار المرقم (55) ، في 24/10/2010 بناءا على الدعوة التي اقيمت من قبل “هناء ادور وسامي شاتي عبيد وشذى ناجي حسين” على فؤاد معصوم الذي كان يشغل منصب رئيس البرلمان بصفته اكبر الاعضاء سنا،  والذي  عد الجلسة المفتوحة امرا غير دستوري وبالتالي غلق الباب نهائيا امام اي تفكير بامكانية عقد الجلسة المفتوحة مستقبلا، أذ اشار القرار (55) “ان القرار الذي اتخذه مجلس النواب في جلسته الاولى بجعلها مفتوحة والى زمن غير محدد ودون سند من الدستور قد شكل خرقا لاحكامه، وصادر مفهوم الجلسة الاولى ومراميها التي قصدتها المادة ( 55) منه، وبناءا عليه ولعدم دستورية القرار المتخذ بجعل الجلسة الاولى لمجلس النواب في دورته لسنة 2010 (مفتوحة) قررت المحكمة الاتحادية العليا الغاء هذا القرار والزام المدعى عليه ( فؤاد معصوم )  بدعوة المجلس للانعقاد واستئناف اعمال الجلسة الاولى المنصوص عليها في المادة(55) من الدستور والمهام الدستورية الاخرى. واعادت المحكمة التاكيد على هذا الامر في القرار المرقم (56) بتاريخ 24/10/2010  بناءا على الدعوة التي اقيمت من قبل اسماعيل عبود التميمي على فؤاد معصوم رئيس السن لمجلس النواب. والسؤال المطروح هنا، ما هي الابواب الاخرى التي يمكن ان تلجأ اليها القوى السياسية للالتفاف على هذا القرار من اجل اعطاء مساحة من الوقت لها لعقد الصفقة السياسية المطلوبة على الرئاسات الثلاث، والجواب هو انها امام احتمالين : الاول : ان تأخذ الهيئة القضائية الانتخابية وقتا طويلا بالنظر في الطعون المقدمة اليها من قبل الكتل والائتلافات السياسية بشان نتائج الانتخابات، وهي (893) طعن كما اعلنتها مفوضية الانتخابات، وبالتالي لن تتم عملية المصادقة الا بعد الوصول الى الاتفاق السياسي، ومما يعزز هذا الاعتقاد ان المفوضية اعلنت على لسان احد اعضائها وائل الوائلي بتاريخ 1/6/2010 ان عدد الطعون المقدمة اليها هو (600) ،ليتم الاعلان بعد يومين ان عدد الطعون بلغ (893) أي بزيادة (293) وهو رقم كبير يستدعي النقاش . الثاني : ان تتخذ من غياب رئيس الجمهورية ذريعة للقول ان نائب رئيس الجمهورية لايمتلك الصلاحية لدعوة المجلس للانعقاد كما تنص المادة (54) ” يدعو رئيس الجمهورية مجلس النواب للانعقاد بمرسومٍ جمهوري، خلال خمسة عشرَ يوماً من تاريخ المصادقة على نتائج الانتخابات العامة، وتعقد الجلسة برئاسة اكبر الاعضاء سناً لانتخاب رئيس المجلس ونائبيه، ولا يجوز التمديد لاكثر من المدة المذكورة آنفاً“. ومن ثم فان نائب رئيس الجمهورية خضير الخزاعي لايتملك صلاحية دعوة المجلس للانعقاد من دون الذهاب الى رأي المحكمة الاتحادية، ولاشك ان المحكمة الاتحادية لن تاخذ قرارها الا بعد فترة طويلة متيحة الفرصة للقوى السياسية لعقد الاتفاق السياسي. ان هذين الاحتمالين ليسا بعدين طالما عرفنا ذهنية الطبقة السياسية وطريقة تفكيرها. قد تكون هذه الاشارة الاولى لتلك الاشكالية، نتيجة الانشغال بسيناريوهات التحافات السياسية المستقبلية، لكنها بالتأكيد لن تكون الاخيرة، واضمن لكم انها سوف تثار مستقبلا في النقاشات والتحليلات السياسية والقانونية وفي اورقة التفاوض ما بين الكتل السياسية. dr.basily@yahoo.com

أكثر...