جاء شهر رمضان بطبيعته الخاصة فى نهاره وليله، ففى نهاره صيام عن مسببات متاعب الجسد من طعام وشراب، ومتاعب النفس من الانغماس فى الشهوات والأهواء.

وكما أنه فرصة عظيمة للأسوياء فى السمو بالروح إلى عالم الصفاء والترقى، فهو فرصة عظيمة أيضاً لغير الأسوياء من المدمنين للتعافى والشفاء من إدمانهم خلال هذا الشهر العظيم، فكيف يتم ذلك؟.

هذا ما أجاب عنه الدكتور أحمد هارون، استشارى العلاج النفسى وعلاج الإدمان، مؤكدا أنه فى هذا الشهر فرصة علمية لعلاج حالات الإدمان دون الحاجة إلى دخول مصحة نفسية كما جرت العادة فى علاج حالات الإدمان المستعصية، وذلك من خلال التركيز على مفهوم الإرادة فى الصوم، والذى يحقق ثقة كبيرة بالنفس لدى المتعاطى للمواد المخدرة إن نجح فيه.

وأضاف "هارون"، المتعاطى للمواد المخدرة كالحشيش والأفيون والهيروين والكوكايين يعانى من النبذ والرفض الاجتماعى، وذلك ما يجعله أكثر عرضة للانتكاس كلما حاول الإقلاع عن المخدر من نفسه، وفى شهر رمضان تزداد بطبيعة الحال المشاركة الاجتماعية والوجدانية بين الأسر وبعضها وبين المجتمعات وبعضها، وذلك من شأنه أن يثير الدافعية فى نفوس المرضى بالإدمان ويخلق فيهم روح التحدى والمثابرة.

وعن تقديم برنامج علمى للتخلص من الإدمان والتعاطى خلال الشهر، أشار هارون إلى أن تقوم الأسرة بدور المصحة النفسية فى ظل هذه الأجواء الرمضانية التى تزدحم فيها البيوت نهارا بأشخاص عادة لا يدخلوها إلا ليلا فى نهاية يوم عمل طويل، على أن يتم الآتى:

أولا، المتابعة الطبية مع أحد الأطباء النفسيين بوضع خطة عمل دوائى يساعد المريض فى التخلص من آلامه الجسدية بأقل قدر من المعاناة.
ثانيا، المتابعة مع أحد المعالجين النفسيين لوضع برنامج تأصيلى للمريض داخل المنزل برعاية أسرته، أى أنه سيكون للمريض على الأقل ثلاثة معالجين داخل الأسرة (أب/ أم/ أخ/ أخت) ومعالج رابع (هو المعالج النفسى) والذى يشرف على تنفيذ هذا البرنامج.
ثالثاً: يحدد المعالج النفسى البرنامج المقترح لعلاج المدمن داخل أسرته فى شهر رمضان وفقاً للمحاور التالية:

وهو أن يمتلك المدمن إرادة ذاتية نابعة من نفسه وقدرة على التعاون، واستعدادا للشفاء مع الالتزام بعدم الخروج خارج المنزل طيلة شهر رمضان، إلا بصحبة الأسرة وفى أماكن محددة سلفاً مع المعالج النفسى.

الحرص على النزول لأقرب المساجد وأداء الصلوات الخمس فى جماعة بصحبة أحد أفراد الأسرة، وليس منفردا.

الانخراط فى ممارسة الشعائر الدينية الروحانية مثل قراءة القرآن فى مقرأة جماعية، والتسبيح والاستغفار وغيرها من العبادات.

يكون الصوم شرطا أساسيا من شروط نجاح برنامج العلاج، وتتم المتابعة العلاجية مع المعالج النفسى مرة أسبوعياً خلال شهر رمضان، بواقع أربع مرات فى الشهر لتوجيه الأسرة (المعالجين المعاونين) وتصحيح مسار خطة العلاج.

كما أكد "هارون" على مدى فاعلية هذه الطريقة للعلاج من خلال عدة نقاط، فهى تعمل على تحفيز الطاقة النفسية والإرادة النفسية الكامنة لدى الشخص المتعاطى، للخروج من بئر التعاطى والإدمان إلى حيز الشفاء الفعلى.

الاعتماد على العامل الروحانى فى حياة الشخص المتعاطى، واعتباره سبيلا من سبل التعافى والشفاء.

تنمية العامل الأسرى والمشاركة الاجتماعية والوجدانية بين أفراد الأسرة الواحدة لكسر الفتور والنفور بينهم.

الانتهاء من كارثة الإدمان دون الدخول فى مصاريف باهظة للمصحات النفسية أو الإصابة ببعض المشاكل الاجتماعية الناتجة عن ذلك.

ولا تنحصر مكاسب البرنامج فى التعافى من الإدمان وحسب، وإنما فى إعادة تهيئة إنسان أصابه الاضطراب النفسى، وإعادة دمجه اجتماعياً بين أفراد أسرته ومجتمعه.



أكثر...