داخل أسوار كليات القمة قضوا سنوات تعليمهم بالكامل، عبروا أسفل لافتات كليات الطب والصيدلة والإعلام التى يحيطها المجتمع بأسوار التبجيل والاحترام بينما كانت للقمة فى عقولهم معنى آخر ترسمه بوضوح خيوط أحلامهم والمهن التى لطالما قرروا أن يعملوا فيها حتى لو لم يكن لها وجود على قائمة الجامعات، ولا يندرج اسمها فى قوائم التنسيق المزدحمة دائما، وضعوا سباق الدرجات و"نصائح" الأهل التى تتسابق إلى آذانهم على الهامش، وبدأوا بثقة يمحوا عبارة "بلد شهادات" من قاموسهم ويتحولون وظيفيًا نحو مجال العمل الذى اختاروه.

فبعد سنوات فى دراسة الصيدلة، حصل "أحمد أنس" أخيرًا على شهادة تخرجه التى كانت بمثابة شهادة السماح له ببداية الحياة التى يتمناها، حيث سلمها لأهله ليرضى حلمهم، والتقط هو كاميرته ويعمل إلى الآن كمصور حر يحمل عدساته ويتنقل على أرض المحروسة، ويطلق مشاريع التصوير المختلفة من الموضة إلى المناطق الطبيعية وحتى الحيوانات، يتسلم الجوائز وحتى يعلم الآخرين، وحتى حينما تأتيه عروض العمل من الشركات الخاصة والجرائد يرفض، فقط يصور ما يريد، فى الوقت الذى يريده.

ويقول أنس: صعب فى مصر أهلك يقبلوا إنك ما يكونش معاك شهادة، لكن رضوا صعب إنت تقبل حاجة غير حلمك، ولأنى طول عمرى نفسى أكون مصور، اتعلمت ودرست ومارست التصوير طول سنين دراستى فى كلية الصيدلة، ودلوقتى بقيت مصور محترف وبعلم شباب كتير قوى التصوير.

ولـ"أحمد ماهر" قصة مشابهة، باسمه الغائب دائمًا فى كشف الحضور بكلية الطب، بينما انشغل بتسجيل اسمه على مناطق جديدة فى أرض المحروسة، يحزم حقيبة صغيرة، ويجمع أعضاء فريق كامل أطلق عليه "ترحال" ليتنقلوا من سحر رمال الصحراء إلى بلاد النوبة ومياه البحر الأحمر البعيدة عن المناطق السياحية الكبيرة والمعروفة، يقول أحمد "حلم حياتى هو السفر، دخلت طب جامعة عين شمس عشان أرضى أهلى، لكن الأهم بالنسبة لى كان الترحال، بدأت فى 2011 وعلمت أول رحلة لسانت كاترين وكانت أول صور تنتشر على الشبكات الاجتماعية من كاترين والثلج اللى فيه، وبعدها شباب كتير قوى بدأوا يتجهوا للمنطقة".

ويتابع: بعد عشر سنين أن شاء الله هكون بلف بمجموعة ترحال بس فى كل العالم، وهكون بعلم الناس إزاى يعملوا غوص فى السماء، ودى فعلا مهنة أحلامى اللى هوصل لها قريب.

ومن رحلات "أحمد" إلى "مصطفى بكرى" الذى يعمل فى هندسة البترول رغم تخرجه فى كلية الإعلام، ويقول "أنا دخلت إعلام عشان المجموع مجابش هندسة بس".

مصطفى بكرى الآن فى مهمة عمل سريعة إلى العراق كمهندس بترول فى قطاع "الأمان"، عقب التخرج اتجه على الفور إلى "كورسات" الهندسة، عام ونصف تقريبا قضاهم بعيدا عن كل من يعرفهم، فقط الدراسة والتعلم ودخول المهنة التى لطالما كان يحلم بها.

يقول: مافيش حاجة ممكن توقف حد عن حلمه، حلمى طول عمرى كان أنى أبقى مهندس بترول، ورغم أن المجموع منفعش يدخلنى هندسة لكن أنا قررت أحققه بطريقة تانية، ودورت على الكورسات وخدتها وبقيت مهندس معتمد وفى النهاية الشركة عايزة أفضل موظف وده اللى دايما بحاول أكونه.



أكثر...