أرسلت (..) إلى افتح قلبك تقول:
أنا بنت أسرة ثرية وراقية اجتماعيا جدًا، منذ صغرى وأنا أتلقى معاملة خاصة، تعلمت تعليما فوق الممتاز، وأعمل فى مركز مرموق جدًا جدًا، تزوجت عن حب، هو أيضا ابن عائلة كبيرة، ومركزه محترم جدًا، أحببته وأحبنى كثيرا، ولكن وبكل أسف لم يدم زواجنا سوى 6 أشهر فقط، وأنا التى طلبت الانفصال، وحصلت عليه بعد عامان كاملان من المفاوضات والمهاترات، طبعا تتعجبين وتتساءلين ما السبب؟، السبب ببساطة وبكل صراحة هو أنى زوجه فاشلة.. جدًا، وبكل المقاييس.

علاقة والداى كانت متوترة جدًا، وبصفة مستمرة، بشكل أثّر علىَّ وعلى نظرتى للزواج بالتأكيد، حتى وبعد وفاة أبى، لم تتوقف الذكريات السيئة من على لسان أمى، ربما كان هذا السبب، وربما لأنى أنا غير مؤهلة لتحمل مسئولية الزواج.. لا أعرف، لكن كل ما أعرفه أن المشكلة كانت من عندى.

بعد الانفصال تركت القاهرة واشتريت بيتا جديدا فى محافظة أخرى هادئة، وعشت هناك هربا من الذكريات، فبالرغم من أنى انفصلت منذ 3 أعوام تقريبا إلا أنى لا زلت أذكر زوجى وكأننا كنا معا بالأمس، وأفكر فيه كثيرا بشكل يضايقنى، مع أنه تقدم إلى الكثيرين من بعده، إلا أنه لا زال يسيطر على تفكيرى بكل قوة.

أرسل إليكى لأنى أريد أن أنساه، ولا أعرف كيف؟، كما أنى أتوق بشدة إلى تكوين حياة جديدة لأنى أحلم بأن يكون لى أطفالا، لكنى أيضا خائفة من أن أظلمهم معى وأن أكرر فشلى.. فبماذا تنصحينى؟.

وإليكى أقول:
أتعرفين لماذا لا ننسى عندما نريد النسيان؟..لأسباب كثيرة جدًا..
أولا نحن نفهم النسيان خطأ، فنحن نعتقد أنه يمكننا عمل (delete) أو إلغاء لأى شىء أو أى شخص من حياتنا بضغطة زر، تماما كما نفعل فى أجهزة الكمبيوتر والموبايل، بمعنى أننا نعتقد أنه يمكننا أن ننسى ما نريد وكأنه لم يكن، ولكن هذا واقعيا هو درب من دروب الخيال.

فالنسيان- الممكن- هو أن يظلّ الحدث أو الشخص فى ذاكرتك، بينما يخفّ تأثير تذكرك له مع الوقت، فبدلا من أن تتذكره فى البداية وتبكى وتكتئب، تتذكره بعدها بفترة فتتضايق فقط، ثم تتذكره بعدها بدون أى ضيق، حتى تجد نفسك فى يوم ما ربما تتذكره وتضحك على الموقف أو على نفسك أو عليه.

كما أنه يعنى أن يقل حيز تفكيرك فيه، وتذكرك له مع الوقت أيضا، فبدلا من أن تفكر فيه اليوم كاملا، تفكر فيه نصف اليوم، ثم ساعتين فى اليوم، ثم نصف ساعة، وحتى تجد نفسك تتذكره ربما لدقائق معدودة كل يوم فحسب.. وهذا يعتمد بالتأكيد على وقت فراغك، فكلما زاد وقت الفراغ فى حياتك كلما طغت الذكريات على وقتك وقلبك وعقلك.

ثانيا: أننا عندما نريد نسيان شيئا ما، نقاوم التفكير فيه، بمعنى أنك تظل تؤكد على نفسك باستمرار ألا تفكر فيه، تصحو من نومك كل يوم لتذكر نفسك بألّا يخطر على بالك، وتظل تردد على قلبك قبل النوم ألا يأتيك فى أحلامك، فماذا تكون النتيجة؟، أنك تتذكره أكثر، فلا شىء تقاومه إلا ويقاومك بالعكس، خاصة الأفكار، إذا ما الحل؟..الحل ألا تقاوم، اتركه يأتى إلى ذهنك بدون أن تؤنب نفسك، وتعذب روحك، سيأخذ وقته ثم يرحل، سيزورك 10 مرات يوميا فى البداية، ثم 8، ثم 5، ثم مرتين، فمرة.. سينتهى الأمر مع الوقت بكل تأكيد، مهما طال هذا الوقت، طالما أنك لا تقاوم.

ثالثا: أننا نعتقد أننا سننسى سريعا، أو ربما فورا، أو بمرور زمن معين نحدده لأنفسنا، نضع لذاكرتنا (dead line) خيالى، ونشعر بالفشل الذريع واليأس القاتل إذا مرّ هذا الوقت ونحن لم ننسَ بعد، بينما أننا وفى حقيقة الأمر متفاوتون جدًا فى قدرتنا على النسيان، وفى الوقت الذى نستلزمه حتى يخف تأثير الماضى علينا، فمنا من يمكنه (قلب الصفحة) فى شهر أو اثنين، ومنا من لا يمكنه ذلك قبل سنوات.

كما أن المدة اللازمة للنسيان تتفاوت جدًا بحسب مدة العلاقة نفسها، وعمقها، فعلاقة استمرت سنوات لا يمكن نسيانها فى أيام أو حتى فى شهور قليلة، وعلاقة زواج لا يمكن نسيانها بالسرعة التى يمكن بها نسيان علاقة أقل عمقا كخطوبة أو ارتباط غير معلن.

رابعا: أننا نظن أنه كلما انعزلنا عن ما حولنا من أشخاص وأماكن، كلما سرع هذا بصفاء أذهاننا، والحقيقة أننا كلما انعزلنا كلما زادت فرصة اختلائنا بأنفسنا وبتفكيرنا وبذكرياتنا التى لا تتوقف، والحلّ هو أن ننغمس وننشغل أكثر وأكثر بمن أو بما حولنا، حتى نقلص الوقت المتاح لنا للتفكير قدر المستطاع.

خامسا: أننا عندما نتذكر الشخص الذى نريد نسيانه، نتذكر له كل المميزات، وكل الأشياء الحلوة، وكل الذكريات الجميلة..فقط، ولا نتذكر الصورة الكاملة، والشخص ككل بحلوه ومره، فإذا أردنا أن نساعد أنفسنا على النسيان فعلا، فعلينا أن نذكر أنفسنا بالسلبيات أيضا كلما طفت الإيجابيات المفقودة على السطح.

سيدتى.. امنحى نفسك الوقت والفرصة الكافيين للتعافى من ذكريات الماضى، وحتى لو كنتِ أنتِ المخطئة فعلا، فحاولى أن تسامحى نفسك، وتعفيها من التأنيب المستمر، فانتهاء زواجك كان قدرا واقعا لا محالة، وكل ما يجب أن يشغل تفكيرك الآن هو كيفية الإصلاح من نفسك حتى تصلحى لتكونى زوجة وأم من جديد، بدلا من قضاء الوقت والعمر فى البكاء على اللبن المسكوب.

وأنصحكِ بشدة أن تشغلى وقتك أكثر من ذلك، ويا ليتك تستطيعين أن تنهى هذه العزلة الاختيارية التى وضعت نفسك فيها، فلا يمكن أن تمنعى نفسك من التفكير واجترار الماضى طالما بقيتى بمفردك و"مع نفسك" هكذا لفترات طويلة من اليوم.


الصفحة الرسمية للدكتورة هبة يس على الفيسبوك: Dr.Heba Yassin



أكثر...