بعيدا عن التساؤلات حول نوعية الأفلام المعروضة فى السينما، والحديث عن الأصالة، والموضوعات التى تنتمى للمجتمع المصرى، بروح أصيلة، وهى أسئلة مهمة بالطبع، ونتمنى أن تتجاوز السينما المصرية أزماتها، وتعود لثرائها، وتنوع موضوعات أفلامها، ورغم أن موسم عيد الفطر، جاء خالياً من تلك الحالة، فإننا لا نستطيع أن ننكر أن هناك ظواهر إيجابية شهدها الموسم الحالى، تتعلق بعرض أفلام للنجوم، وتراجعت إلى حد ما سطوة الأفلام الشعبية، والتى تقوم فى بناها على مطرب شعبى وراقصة، وبالتأكيد لا تستطيع أن ننسى أو نتناسى أن موسم عيد الفطر تحديدا كان دائماً محجوزا لهذه النوعية، لدرجة أن البعض كان يطلق عليه موسم البواقى والفضل، ولكن هذا الموسم اختلفت الحالة، وشهدنا تنافسا بين حلمى وكريم عبدالعزيز وخالد الصاوى، وياسمين، والثلاثى وبمنطق الإيرادات، تراجع الفيلم الشعبى الوحيد إلى ذيل القائمة.

وتصدر السباق الحرب العالمية الثالثة، والفيل الأزرق، وصنع فى مصر، وإذا كان الحرب العالمية وصنع فى مصر، فيلمين كوميديين مع اختلاف طبيعة الكوميديا بينهما، إلا أن فيلم الفيل الأزرق يعزف نغمة، منفردة، ويحلق فى منطقة مختلفة، لا تقدمها السينما المصرية كثيرا، خصوصا وإن كل التجارب التى سبق تقديمها فى منطقة أفلام الإثارة والتشويق، عادة تكون متواضعة، على المستوى الفنى، ولكن فيلم الفيل الأزرق لنجومه كريم عبدالعزيز وخالد الصاوى، ونيللى كريم ولبلبة، وسيناريو وحوار الروائى أحمد مراد، وإخراج مروان وحيد حامد يمثل نقلة حقيقية فى تلك النوعية، فهو فيلم جيد الصنع على مستوى الصياغة الدرامية، والبصرية والرؤية الإخراجية، ومنذ اللحظة الأولى يتجلى ذكاء المخرج مروان حامد، فى اختياره لنص أحمد مراد الناجح.

ومنذ أن قرأ النسخة الأولى من الرواية، والتى هى بنفس العنوان، وطبعت 10 طبعات، وتصدرت قائمة أحسن المبيعات، وجد مروان بحسه السينمائى أمامه نصا ذكيا، مكتوبا بطريقة أقرب إلى السينما، وأجواء النص موحية ومحرضة للخيال السينمائى، لذلك بدأ المخرج شديد الاهتمام بكل تفاصيل العمل، والذى توافرت له إمكانيات مادية كبيرة، من الشركات الثلاث المشاركة فى الإنتاج، والتى راهنا جميعا على أهمية واختلاف التجربة، وهى الروح، التى شجعت فريق عمل الفيلم على التركيز على كل تفاصيل العمل الفنية، من ديكور متميز لمحمد عطية، وأزياء للمبدعة ناهد نصر الله، وموسيقى للموهوب هشام نزيه، وصورة وإضاءة تعكس أجواء النص والحالة الدرامية لكل شخصية للفنان أحمد المرسى، وشريط صوت ومونتاج متميزين تلك الحالة من الروح الجماعية، والتناغم فى العمل انعكس على الأداء التمثيلى لنجوم الفيلم خالد الصاوى، الذى بذل مجهودا مضاعفا فى رسم تفاصيل الشخصية، الداخلية والخارجية، خصوصا وأنه أدرك أن تلك التركيبة الدرامية التى صاغها أحمد مراد بها شعرة واضحة ما بين المرض وادعائه، واكتشفنا بأنه شخص «ملبوس»، ويحيى الطبيب النفسى المحبط، والذى يعيش تحت وطأة إحساسه بالذنب ومسؤوليته عن وفاة ابنته وزوجته، كما أنه فى الأصل شخصية مكسورة ومهزومة، حيث لم يستطع الارتباط بالفتاة الوحيدة التى أحبها «لبنى» تجسدها نيللى كريم، وهى الشخصية التى جسدها كريم عبدالعزيز باحترافية، لأنه أدرك ومخرجه الواعى مروان حامد أن تلك الشخصية تملك كل المقومات التى تجعلها مكروهة، فكيف يتعاطف معها الجمهور، مثلما شاهدنا فى الفيلم، والقديرة لبلبة فى واحد من أبرز أدوارها، المتميزة حقاً، وكذلك الموهوب محمد ممدوح، حيث كانت هناك مباراة تمثيلية، بين نجوم العمل، وبرع الصاوى وكريم، وارتفعا بأداء بعضهما البعض، ويؤكد أن كريم صاحب موهبة فطرية ولكنه دائماً ما كان يحصر نفسه وطاقته فى نوعية محددة من الأفلام، ويبدو أن تلك هى العين الذكية لمخرج الفيلم، والذى دخل فى تحدٍ مع نفسه يتعلق بوضع ممثليه فى منطقة جديدة ومختلفة.

«الفيل الأزرق» يعد حالة مختلفة ومتميزة فى السينما المصرية، وأعتقد أنه سيكون نقطة تحول تجاه نوعيات جديدة من السينما المصرية، ويفتح الباب للعناية بهذه النوعية على المستوى البصرى، وتكنيك الكتابة والإخراج.



أكثر...