حادثة رد الشمس الى الامام علي (عليه السلام)
المصدر |كتاب رّد الشّمس لعلي (عليه السلام(تأليف السيد جعفر مرتضى العاملي (بتصرف )

إن حادثة رد الشمس قد تكررت في حياة الرسول (صلى الله عليه وآله) وبعده، مرات كثيرة استطاع ابن عباس أن يفصح عن مرتين فقط مما جرى(1).

ولكن الشيخ جعفر كاشف الغطاء قال: (وحديث رد

____________

(1) المناقب للخوارزمي ص236، ومقتل الحسين ج ص47، وغاية المرام ص629.

الصفحة 16
الشمس عليه بعد الغروب مرة أو مرتين: وروي ستين مرة)(1).

وقال: (ودعا برد الشمس، فردت مرتين. وروي ستون مرة)(2).

وروي عن الإمام الباقر عليه السلام: أنه قال لأبي بصير: (ردت له مرة عندنا بالمدينة، ومرتين عندكم بالعراق)(3).

ولعله (عليه السلام) يقصد المرات التي رأى الناس، وخصوصاً المعاندون فيها ذلك.. دون ما سواها مما أخبر عنه النبي (صلى الله عليه وآله) والإمام المعصوم (عليه السلام).

وأما الحسن البصري فيدَّعي: أن الشمس قد ردت، أو حبست لعلي (عليه السلام) مرات كثيرة قد تزيد على العشرين، فقد قال: (إن الشمس ردت عليه مراراً:

1 ـ الذي رواه سلمان.

2 ـ ويوم البساط.

أقول: الظاهر: أن الصحيح هو: يوم ساباط، أي: ساباط المدائن.

____________

(1) العقائد الجعفرية ص54.

(2) العقائد الجعفرية ص69.

(3) الهداية الكبرى ص12.

الصفحة 17
3 ـ ويوم الخندق.

4 ـ ويوم حنين.

5 ـ ويوم خيبر.

6 ـ ويوم قرقيسيا.

7 ـ ويوم براثا.

8 ـ ويوم الغاضرية.

9 ـ ويوم النهروان.

10 ـ ويوم بيعة الرضوان.

11 ـ ويوم صفين.

12 ـ وفي النجف.

13 ـ وفي بني مازر.

14 ـ وبوادي العقيق.

15 ـ وبعد أحد.

16 ـ وروى الكليني: أنها رجعت بمسجد الفضيخ من المدينة.

وأما المعروف فمرتان في حياة النبي (صلى الله عليه وآله):

17 ـ مرة بكراع الغميم.

الصفحة 18
18 ـ ومرة بعد وفاته(1) ببابل)(2).

وسيأتي أنها ردت عليه أيضاً:

19 ـ في منزل رسول الله (صلى الله عليه وآله).

20 ـ وفي بدر.

21 ـ وفي مشربة.

وأظن أن المراد بالمشربة هنا هو مشربة أم إبراهيم، قرب مسجد الفضيخ، وربما تكون ملاصقة له، فالمراد منها على هذا يكون واحداً.

رواة حديث رد الشمس:

قد روي هذا الحديث عن الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) فراجع مصادر الشيعة الأبرار مثل البحار، وغيره..

وروي أيضاً عن ثلاثة عشر صحابياً، اثنا عشر منهم وردت روايتهم في مصادر أهل السنة، وهم: أمير المؤمنين (عليه السلام)،

____________

(1) أي بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله).

(2) راجع فيما تقدم: البحار ج41 ص173 و174، عن مناقب آل أبي طالب ج1 ص359 ـ 365، وحول تسمية مسجد الفضيخ بمسجد الشمس راجع: وفاء الوفاء للسمهودي ج3 ص822.

الصفحة 19
والإمام الحسين (عليه السلام)، وأسماء بنت عميس، وأبو هريرة، وأبو ذر، وأم هانئ، وعبد خير، وأم سلمة، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأبو سعيد الخدري، وسلمان، وأنس، وأبو رافع مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله)(1).

____________

(1) وتجد هذه الروايات في كتاب مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص96، وميزان الاعتدال ج3 ص170، ومشكل الآثار ج2 ص8، وج4 ص388 ـ 390، وكفاية الطالب ص381 ـ 388، وفتح الملك العلي ص16 و17 و18 و19 و21 و141 و144، وعن الرياض النضرة ص179 و180، وراجع: البداية والنهاية ج6 ص77 ـ 87، والمناقب للخوارزمي ص 306 ـ 307، ولسان الميزان ج5 ص76 و140 و301، كنز العمال ج12 ص349، وج11 ص524 وج13 ص152، والشفاء لعياض ج1 ص284، وترجمة الإمام علي عليه السلام من تاريخ ابن عساكر (بتحقيق المحمودي) ج2 ص283 ـ 307، وتاريخ الخميس ج2 ص58، وصفين لنصر بن مزاحم ص135، وينابيع المودة للقندوزي ص138، وتذكرة الخواص ص49 ـ 53، ونزل الأبرار ص 76 ـ 79، والضعفاء الكبير للعقيلي ج3 ص327 و328، ولسان الميزان ج5 ص140، والمعجم الكبير ج 24 ص145 حتى ص 158، ومنهاج السنة ج2 ص186 حتى ص 195، ومجمع الزوائد ج3 ص50، وج8 ص297، وكشف الخفاء للعجلوني ج1 ص220 و428، والمقاصد الحسنة للسخاوي ص226، والخصائص الكبرى للسيوطي ج2 ص324، وعمدة القاري للعيني ج15 ص43، واللآلي المصنوعة للسيوطي ج1 ص336 ـ

=>

الصفحة 20

____________

<=

341، والفصل لابن حزم ج2 ص87 وج5 ص3 و4 عن كتاب رد الشمس للفضلي العراقي، وفتح الباري ج6 ص155 عن الطبراني في الكبير، والحاكم، والبيهقي في الدلائل، والطحاوي، وفرائد السمطين ج1 ص183، ونهج السعادة ج1 ص117 وج7 ص448 و449، والإمام علي لأحمد الهمداني ص 177 ـ 179 وإفحام الأعداء والخصوم ص26 وشرح معاني الآثار ج1 ص45 ـ 47 وتذكرة الموضوعات للفتني ص96 وحقائق التأويل ص74 وشواهد التنزيل ج1 ص9 و10 ـ 16 ورجال النجاشي ص85 و428 والفهرست ص79 وتفسير نور الثقلين ج5 ص225 وجواهر المطالب في مناقب الإمام علي ج1 ص 111 ـ 114 و117 و118 و119 والإحتجاج ج1 ص166 ط النجف وماءة منقبة ص8 والمستجاد من الإرشاد ص135 والصراط المستقيم ج1 ص16 و99 و104 و153 و201 وحلية الأبرار ج2 ص327 وكشف الظنون ج2 ص1494 وبشارة المصطفى ومرآة الجنان ج4 ص178 والجامع لأحكام القرآن ج15 ص97 وعلل الشرائع ج2 ص48 ـ 50، والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص201 ـ 202، والسيرة الحلبية ج1 ص383 ـ 387، والبحار ج41 ص166 ـ 191، وج21 ص43 وج97 ص217 وج99 ص30 وج17 ص358 ـ 357 وج55 ص166 وج80 ص317 و318 و324 و325 وقرب الإسناد ص82، والخرايج والجرايح ج2 ص500 و502، والمناقب لابن شهرآشوب، وعن أمالي المفيد، وعن الكافي ج4 ص561 و562، وأمالي ابن الشيخ ص64، وعن السرائر وعدة الداعي ص88، والإرشاد للمفيد ج1 ص346، وتفسير العياشي ج2 ص70، وتفسير البرهان

=>

الصفحة 21

____________

<=

ج2 ص98 وج4 ص387، ونسيم الرياض ج3 ص10 ـ 14، وشرح الشفاء للملا علي القاري (بهامش نسيم الرياض) ج3 ص10 ـ 13، وإحقاق الحق قسم الملحقات ج16 ص316 ـ 331 وج5 ص521 ـ 539 وج21 ص261 ـ 271، وفيض القدير ج5 ص440، والمواهب اللدنية ج2 ص209 ـ 211 وشرح المواهب للزرقاني ج6 ص284 حتى ص294.

وراجع أيضاً: عيون المعجزات ص7 و4 و136 وبصائر الدرجات ص217 و239 و237، وفضائل الخمسة من الصحاح الستة ج2 ص135 ـ 138 وكتاب المزار الكبير لابن المشهدي ص258 و205 وإقبال الأعمال ج3 ص130 والمزار للشهيد الأول ص91 ووسائل الشيعة (آل البيت) ج5 ص81 وج14 ص255 وج3 ص469 وج10 ص277 وج30 ص30 و38 وج19 ص328 و340 ومن لا يحضره الفقيه ج1 ص130/611 والهداية الكبرى ص123 ـ 130 والمسترشد ص265 ومناقب أمير المؤمنين ج2 ص516 و518 و519 و520 و521 وخاتمة المستدرك ج4 ص94 و224 و226 وروضة الواعظين ص129 و130 وخصائص الأئمة ص52 و56 و57 والخصال ص550 ومعالم العلماء ص56 و78 و113 و152 وإيضاح الاشتباه ص102 ورجال ابن داود ص39 ونقد الرجال ج1 ص129 وج5 ص353 و351 وجامع الرواة ج1 ص53 وج2 ص531 والفوائد الرجالية للسيد بحر العلوم ج2 ص77 وتهذيب المقال ج2 ص22 وج3 ص353 و356 وج4 ص453 وتذكرة الحفاظ ج3 ص1200 وسير أعلام النبلاء ج10 ص544 والكشف الحثيث ص44 وإعلام الورى ج1 ص350 و351 وقصص الأنبياء للراوندي، ونهج

=>

الصفحة 22

مواضع ردت فيها الشمس أو حبست لعلي (عليه السلام)


ونحن نشير هنا إلى بعض ما ورد من ذلك، فنقول:

في منزل الرسول (صلّى الله عليه وآله):

ذكر العياشي: أن علياً (عليه السلام) دخل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مرضه، وقد أغمي عليه، ورأسه في حجر جبرئيل، وجبرئيل في صورة دحية الكلبي، فقال له جبرئيل: دونك رأس ابن عمك، فأنت أحق به مني؛ لأن الله تعالى يقول: {وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ}.. ثم ذكر القضية(1).

وعن ابن مردويه، عن أسماء بنت عميس، وأم سلمة، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأبي سعيد الخدري، والحسين بن علي (رضي الله عنهم): أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان ذات يوم في منزله، وعلي بين يديه، إذ جاء جبرئيل يناجيه عن الله عز وجل.

____________

<=

الإيمان لابن حجر ص70 وكشف اليقين ص112 ودفع الشبهة عن الرسول للحصني الدمشقي ص206 ومدينة المعاجز ج1 ص196 و197 و202 و205 و207 و210 و217 وج4 ص258 وكتاب الأربعين للماحوزي ص12 و417 و419 وخلاصة عبقات الأنوار ج1 ص147.

(1) البحار ج41 ص172، تفسير العياشي ج2 ص70، والبرهان ج2 ص92.

الصفحة 23
فلما تغشاه الوحي توسد فخذ علي، ولم يرفع حتى غابت الشمس، فصلى العصر جالساً، يومئ لركوعه وسجوده إيماءً.

فلما أفاق قال لعلي: أفاتتك صلاة العصر؟

فقال: صليتها إيماءً. أو قال: لم أستطع أن أصليها قائماً لمكانك يا رسول الله، والحال التي كنت عليها في استماع الوحي.

فقال: ادع الله حتى يرد عليك الشمس حتى تصليها قائماً في وقتها، كما فاتتك، فإن الله يجيبك؛ لطاعتك لله ورسوله.

فسأل الله في ردها، فردت عليه حتى صارت في موضعها من السماء وقت صلاة العصر، فصلاها، ثم غربت الخ..(1).

وفي نص آخر، لهذه القضية قالت أسماء: حتى بلغت الشمس حجرتي، ونصف المسجد(2).

وفي نص آخر قالت: فرجعت الشمس حتى رأيتها في

____________

(1) البحار ج41 ص171 عن الإرشاد للمفيد ص163 و164.

وراجع: مناقب علي بن أبي طالب لابن مردويه ص146، ورواه ابن مردويه مختصراً عن أبي هريرة، وأسماء بنت عميس أيضاً، وراجع: البحار ج41 ص167 وأرجح المطالب ص686.

(2) الأمالي للمفيد ص63.

الصفحة 24
نصف الحجر، أو نصف حجرتي(1).

وفي نص آخر عنها أنها قالت: كان (صلى الله عليه وآله) في هذا المكان ومعه علي، إذ أغمي عليه الخ..(2).

والمقصود بالإغماء هنا: برحاء الوحي، كما دلت عليه سائر الروايات.

يوم بدر:

عن أنس قال: أعطي علي بن أبي طالب خمس خصال، رأيتهن، لم يعطها أحد قبله: رد له الشمس يوم بدر، حيث اشتغلوا بالغنائم(3).

في مشربة:

عن جعفر، عن أبيه، قال: دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) على علي وهو نائم في مشربة، فضربه برجله، فاستيقظ، فقال: يا علي صليت العصر؟

____________

(1) اللآلي المصنوعة ج1 ص339.

(2) اللآلي المصنوعة ج1 ص340، والبحار ج41 ص177.

(3) مناقب الإمام أمير المؤمنين علي، لمحمد بن سليمان الكوفي القاضي ج2 ص516.

الصفحة 25
قال: لا. وقد كادت الشمس أن تغرب، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): اللهم احبسها عليه.

قال: وكتب (وحبست)(1).

ونحن لا نستطيع القبول بقوله: (فضربه برجله) فإن ذلك لا يناسب أدب رسول الله (صلى الله عليه وآله).. ولعل الصحيح هو أنه حرك علياً (عليه السلام) برجله؛ لأن تحريك رجل نائم يجعله يستيقظ هادئاً غير مذعور.

ولكن ذلك لا يضر بأصل الحدث، فإن بطلان الخصوصية لا يبطل الرواية بمجموعها.

في الصهباء في غزوة خيبر:

روى حديث رد الشمس في خيبر عدد من الحفاظ، وفي الكثير من المصادر فراجع(2).

____________

(1) مناقب الإمام أمير المؤمنين علي، لمحمد بن سليمان الكوفي القاضي ج2 ص517.
(2) مصادر ذلك كثيرة، فراجع: مناقب الإمام أمير المؤمنين للكوفي ج2 ص517، ومشكل الآثار ج2 ص9، وج4 ص389، وكفاية الطالب ص385، والشفاء ج1 ص284، والمعجم الكبير ج24 ص145، وكنز العمال ج12 ص349، وعمدة القاري ج15 ص43، والبداية والنهاية ج6 ص80، والـلآلي

رد الشمس لعلي (عليه السلام) ببابل:

وقد روي رجوعها له (عليه السلام) في العراق ومعه جيشه، وذلك بعد قطعهم معه (عليه السلام) جسر الصراة ـ نهر بالعراق ـ من أرض بابل، حيث إنه (عليه السلام) لم يصل في تلك الأرض، معللاً ذلك بقوله: (إن هذه أرض معذبة، لا ينبغي لنبي ولا لوصي نبي أن يصلي فيها)(1)، وذلك بعد رجوعه من حرب الخوارج.

والظاهر: أن المراد: أنه لم يصل فيها صلاة المختار، فلا مانع من أن يكون قد صلى فيها في حال السير مومياً للركوع والسجود.

لكن ذكر في نص آخر: أنه: (لما أراد أن يعبر الفرات ببابل، اشتغل كثير من أصحابه بتعبير دوابهم ورحالهم، فصلى (عليه السلام) بنفسه في طائفة معه العصر، فلم يفرغ الناس من

____________

<=

المصنوعة ج1 ص338 و339 و340، ومنهاج السنة ج4 ص191 و188 و189، والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص201، والسيرة الحلبية ج1 ص386 و385، والبحار ج41 ص167 و174 و179 عن علل الشرائع ص124، وعن المناقب ج1 ص359 و361، وعن الخرايج والجرايح، ونسيم الرياض ج3 ص10 و11 و12 والمواهب اللدنية ج2 ص209 و210.

(1) البحار ج41 ص168 و178 و188، وج80 ص317 عن علل الشرائع ج2 ص49 ـ 51، وعن بصائر الدرجات ص58 و217، وعن روضة الكافي ص300، وعن الفضائل ص71، وعن كنز جامع الفوائد وتأويل الآيات الظاهرة.

الصفحة 27
عبورهم حتى غربت الشمس، وفاتت الصلاة كثيراً منهم. وفات الجمهور فضل الاجتماع معه.

فتكلموا في ذلك. فلما سمع كلامهم فيه، سأل الله تعالى أن يرد الشمس عليه، لتجتمع كافة أصحابه على صلاة العصر في وقتها، فأجابه الله في ردها عليه الخ..(1).

وبعد أن ذكر ابن كثير ذلك، قال: وقد نظمه الحميري، فقال:


ردت عليه الشمس لمـا فاتـه وقت الصـلاة وقد دنت للمغرب
حتى تبلج نورهـا في وقتهـا للعصر ثـم هوت هـوي الكـوكب
وعليه قـد ردت ببابـل مـرة أخرى، ومـا ردت لخـلق مقـرب(2)

وقال حبيب بن أوس:


فردت علينا الشمس والليل راغـم بشمس لهم من جانب الخدر تطـلـع
نضا ضوؤها صدغ الدجنة وانطوى ببهجتها نـور السمـاء المـرجَّـع

____________

(1) البحار ج41 ص171 و172 و174 و183 و184 عن الإرشاد للمفيد ص163 و164 وعن المناقب لابن شهراشوب ج1 ص359 ـ 365.

وهناك نص آخر عن: أمالي ابن الشيخ ص64 ونص آخر عن: نصر بن مزاحم في كتاب صفين.

(2) البداية والنهاية ج6 ص86، وراجع: منهاج السنة لابن تيمية ج4 ص186، عن نهج الحق للعلامة الحلي.

الصفحة 28

فــوالله مــا أدري عَلِيٌ بـدا لنـا فردت له أم كان في القوم يوشع؟!(1)

قال ابن كثير: وهذا الشعر تظهر عليه الركاكة، والتركيب، وأنه مصنوع)(2).

ولا ندري: كيف تظهر الركاكة على هذا الشعر مع أن أهل الصناعة يدركون أنه في أعلى درجات البلاغة؟! وأظن أنه لم يفقه المقصود من الشعر، أو أن تعصبه دعاه إلى ارتكاب أمر يعلم بأنه لا يرضاه أحد ممن له بصر بالشعر ومعانيه..

وعلى كل حال، فإن الشعراء قد أكثروا من ذكر هذه القضية الفريدة في شعرهم.

وقد ذكر العلامة الشيخ محمد باقر المحمودي: مقطوعات كثيرة من ذلك، فراجع(3).

في مسجد الفضيخ:

هذا.. وقد روي أيضاً أنها ردت له (عليه السلام) في مسجد

____________

(1) البداية والنهاية ج6 ص87 عن الفصل لابن حزم.

(2) المصدر السابق.

(3) ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق ج2 هوامش ص305 و306 و307.

الصفحة 29
الفضيخ، فراجع(1).

ولعل هذا هو المسجد الذي أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يبنى في موضع صلاة العصر التي صلاها أمير المؤمنين (عليه السلام)، ليصلى فيه، ويزار(2).

في حنين:

وحديث ردها لعلي (عليه السلام) في حنين، رواه المجلسي وغيره فراجع(3).

أول شعر وصل إلينا:

هذا وقد قالوا: إن حسان بن ثابت قال في هذه المناسبة:


يـا قـوم مـن مثـل علي وقــد ردت عليه الشـمـس مـن غـائـب

____________

(1) راجع: البحار ج41 ص182 و183 عن الكافي ج4 ص561 و562، وراج: وفاء الوفاء للسمهودي ج3 ص822.

(2) راجع الهداية الكبرى ص120.

(3) البحار ج17 ص359 عن الخرايج والجرايح. ونحتمل أن تكون كلمة حنين تصحيف كلمة خيبر. لكن ذكرهما معاً في النص المنقول عن الحسن البصري في أوائل هذا البحث يرج أن لا يكون هناك تصحيف.

الصفحة 30

أخـو رســـول الله وصـهــره والأخ لا يعــدل بـالصــاحـب(1)

وقال السيد الحميري:


فلما قضى وحي النبي دعـا لـه ولم يك صلى العصر والشمس تنزع
فردت عليه الشمس بعد غروبهـا فصـار لها في أول الليل مطلع(2)

وقال سفيان بن مصعب العبدي الكوفي:


لك المناقب يعيا الحاسبون بهـا عـدا ويعجز عنهـا كـل مـكتـتب
كرجعة الشمس إذا رمت الصلاة وقد راحت توارى عن الأبصار بالحجب
ردت عليك كأن الشهب ما اتضـحت لنـاظـر وكـأن الشمس لـم تـغب

وقال ابن الرومي:


وله عجائب يوم صـار بجيـشـه يبغـي لـقصر النهـروان المخرجـا
ردت عليه الشمس بعد غـروبها بيضـاء تـلـمـع رقـدة وتأججا(3)

والشعر الذي أنشدوه في هذه القضية كثير جداً لا مجال لتتبعه.

____________

(1) ينابيع المودة للقندوزي ص138 وعنه في إحقاق الحق (الملحقات) ج5 ص536، وإثبات الهداة ج2 ص540.

(2) راجع مناقب آل أبي طالب ج2 ص359 ط بيروت.

(3) مناقب آل أبي طالب ج2 ص359 ط دار الأضواء ـ بيروت.

الصفحة 31

شواهد حيَّة:

وثمة شواهد حيَّة على هذا الأمر، لا تزال ماثلة للعيان، ونذكر منها:

ألف: مسجد الشمس بالمدينة:

وبعد.. فقد تقدم: أن المسجد المعروف باسم (مسجد الفضيخ)، الموجود الآن بالمدينة يقال له أيضاً: مسجد الشمس(1).

فهل هو ملاصق لمشربة أم إبراهيم، أم هو نفسها، كما يظهر من رواية في الكافي؟! إن ذلك يحتاج إلى بحث ودراسة(2).

ب: مسجد الشمس في العراق:

ومسجد الشمس معروف في الحلة في بلاد العراق.. قال المجلسي: عن جسر الصراة:

الظاهر: أنه مكان جسر الحلة، ومسجد الشمس هناك مشهور(3).

____________

(1) راجع: وفاء الوفاء ج3 ص822 و823. والبحار ج41 ص182 و183 وج97 ص217 عن الكافي ج4 ص561 و562.

(2) الكافي ج4 ص561 والبحار ج97 ص216.

(3) البحار ج80 ص318.

الصفحة 32
وقالوا: بأن الصلاة مستحبة في هذا المسجد(1).

ج: مسجد الصاعدية:

وقال رحمه الله أيضاً: (مسجد الشمس بالصاعدية من أرض بابل شائع ذائع)(2).

____________

(1) البحار ج99 ص29 و30.

(2) البحار ج41 ص174.
الأسانيد.. والرواة..




الصفحة 34
الصفحة 35

التشكيك في سند الحديث:

هذا وقد بذلت محاولات للتشكيك في سند حديث رد الشمس من قِبَل ابن الجوزي، وابن تيمية، وابن كثير، ومن هم على شاكلتهم.

بل لقد قال ابن كثير عن هذا الحديث: هو حديث منكر، ليس في شيء من الصحاح ولا الحسان، وهو مما تتوفر الدواعي على نقله، وتفردت بنقله امرأة من آل البيت، مجهولة لا يعرف حالها. فلا يلتفت إليه(1).

ونقول:

لقد فند في السيرة الحلبية كلامه هذا كما فنده غيره، وقد قال الحلبي: إنه حديث متصل، وقد ذكر في الإمتاع: أنه جاء عن

____________

(1) راجع المصادر في الهامش التالي.

الصفحة 36
أسماء من خمسة طرق(1).

وقال الزرقاني: (أسناد حديث أسماء، وكذا أسناد أبي هريرة الآتي، كما صرح به السيوطي، قائلاً: ومن ثم صححه الطحاوي، والقاضي عياض. وذكره ابن الجوزي في الموضوعات فأخطأ، كما بينته في مختصر الموضوعات، وفي النكت البديعات انتهى، يعني: لما تقرر في علوم الحديث: أن الحسن إذا اجتمع مع حسن آخر، أو تعددت طرقه ارتقى للصحة، فالعجب العجاب إنما هو من كلام ابن تيمية هذا، لا من عياض؛ لأنه الجاري على القواعد المعلومة في الألفية وغيرها؛ لصغار الطلبة.

ولذا قال الحافظ في فتح الباري: أخطأ ابن الجوزي يذكره في الموضوعات، وكذا ابن تيمية في كتاب الرد على الروافض في زعم وضعه، انتهى)(2).

وقال وهو يتحدث عن زعم الزاعمين، أن هذا الحديث موضوع:

____________

(1) السيرة الحلبية ج1 ص385 و386، ونسيم الرياض ج3 ص11 وراجع السيرة النبوية لدحلان ج2 ص201 وراجع كلام ابن كثير في المواهب اللدنية ج2 ص210 و211.

(2) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج6 ص488.

الصفحة 37
(قال الشامي: والظاهر أنه وقع لهم من طريق بعض الكذَّابين، ولم يقع لهم من الطرق السابقة، وإلا فهي يتعذر معها الحكم عليه بالضعف، فضلاً عن الوضع، ولو عرضت عليهم أسانيدها لاعترفوا بأن للحديث أصلاً وليس بموضوع.

وقال: وما مهدوه من القواعد، وذكر جماعة من الحفاظ له في كتبهم المعتمدة، وتقوية من قواه، يردّ على من حكم عليه بالوضع. انتهى.

ولذا استدرك السخاوي، زعم وضعه، فقال: (ولكن قد صححه الطحاوي، والقاضي عياض) وناهيك بهما)(1).

ونضيف إلى ما تقدم: أنه قد روي عن اثني عشر صحابياً غير أسماء، حسبما ألمحنا إليه..

وقال ابن حجر: (صححه الطحاوي، والقاضي في الشفاء، وحسنه شيخ الإسلام أبو زرعة، وتبعه غيره)(2).

وقال دحلان: (أخرج ابن مندة وابن شاهين من حديث أسماء بأسناد حسن، ورواه ابن مردويه من حديث أبي هريرة بأسناد حسن أيضاً. ورواه الطبراني في معجمه الكبير بأسناد

____________

(1) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج6 ص488.

(2) الصواعق المحرقة باب 9 فصل 3.

الصفحة 38
حسن، كما حكاه ولي الدين العراقي)(1).

أما الخفاجي فقال: (وهذا الحديث صححه المصنف (أي القاضي عياض) وأشار إلى أن تعدد طرقه شاهد صدق على صحته، وقد صححه قبله كثير من الأئمة، كالطحاوي، وأخرجه ابن شاهين، وابن مندة، وابن مردويه، والطبراني في معجمه، وقال: إنه حسن)(2).

وقال الخفاجي أيضاً: (إن السيوطي صنف في هذا الحديث رسالة مستقلة سماها كشف اللبس عن حديث رد الشمس، وقال: إنه سبق بمثله لأبي الحسن الفضلي، أورد طرقه بأسانيد كثيرة، وصححه بما لا مزيد عليه، ونازع ابن الجوزي في بعض من طعن فيه من رجاله)(3).

وقالوا أيضاً: (رواه الطبراني بأسانيد رجال أكثرها ثقات)(4).

وقال القاري: (فهو في الجملة ثابت في أصله، وقد يتقوى

____________

(1) راجع: السيرة النبوية لدحلان ج2 ص201 وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج6 ص488 و489.

(2) نسيم الرياض ج3 ص11.

(3) نسيم الرياض ج3 ص12.

(4) نسيم الرياض ج3 ص10 وبهامشه شرح الشفاء للقاري ج3 ص10.

الصفحة 39
بتعاضد الأسانيد، على أن يصل إلى مرتبة حسنة، فيصح الاحتجاج به)(1).

وقال الزرقاني: (ومن القواعد: أن تعدد الطرق يفيد أن للحديث أصلاً)(2).

وقال: (قال القسطلاني: وروى الطبراني أيضاً في معجمه الكبير بأسناد حسن، كما حكاه ابن العراقي في شرح التقريب عن أسماء)..

إلى أن قال: (وروى الطبراني أيضاً في معجمه الأوسط بسند حسن عن جابر: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمر الشمس فتأخرت ساعة من نهار)(3).

لائحة غير وافية:

وقد ذكر العلامة الأميني جمعاً ممن ذكر حديث رد الشمس هم بين من ذكره دون أن يغمز فيه، وبين من تكلم حوله وصححه.

ونحن وإن كنا نرى أن الذين لم يذكرهم رحمه الله هم

____________

(1) شرح الشفاء لعلي القاري (مطبوع بهامش نسيم الرياض) ج3 ص10.

(2) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج6 ص490.

(3) شرح الشفاء للقاري (مطبوع بهامش نسيم الرياض) ج3 ص11.

الصفحة 40
أكثر بكثير من الذين ذكرهم، ولكننا نورد هذه اللائحة التي اقتصر هو (رحمه الله) عليها، استجابة منا لرغبة بعض الأصدقاء، وهي التالية:

1 ـ عثمان بن أبي شيبة العبسي الكوفي 239.

2 ـ أحمد بن صالح المصري عام 248.

3 ـ محمد بن الحسين الأزدي المتوفى 277.

4 ـ محمد بن أحمد الدولابي المتوفى 310.

5 ـ أحمد بن محمد الطحاوي 321.

6 ـ محمد بن عمرو العقيلي المتوفى 322.

7 ـ الطبري 360.

8 ـ عمر بن أحمد الشهير بابن شاهين.

9 ـ الحاكم أبو عبد الله النيسابوري 405.

10 ـ ابن مردويه الأصبهاني 416.

11 ـ أبو إسحاق الثعلبي 427.

12 ـ علي بن حبيب البصري البغدادي الشافعي الشهير بالماوردي 450.

13 ـ أبو بكر البيهقي المتوفى 458.

14 ـ الخطيب البغدادي المتوفى 436.

15 ـ أبو زكريا الأصبهاني (ابن مندة) 512.

الصفحة 41
16 ـ القاضي عياض أبو الفضل المالكي الأندلسي 544.

17 ـ أخطب الخطباء الخوارزمي 568.

18 ـ أبو الفتح النطنزي.

19 ـ يوسف قزأوغلي الحنفي 654.

20 ـ محمد بن يوسف الكنجي الشافعي 658.

21 ـ محمد بن أحمد الأنصاري الأندلسي 671.

22 ـ شيخ الإسلام الحمويني 722.

23 ـ أبو زرعة العرافي 826.

24 ـ سليمان السبتي، الشهير بابن سبع.

25 ـ ابن حجر العسقلاني 852.

26 ـ العيني الحنفي 855.

27 ـ السيوطي 911.

28 ـ السمهودي الشافعي911.

29 ـ القسطلاني 923.

30 ـ ابن الديبع 944.

31 ـ عبد الرحيم بن عبد الرحمن العباسي 963.

32 ـ ابن حجر الهيثمي 974.

33 ـ الملا علي القاري 1014.

الصفحة 42
34 ـ نور الدين الحلبي الشافعي 1044.

35 ـ شهاب الدين الخفاجي الحنفي 1069.

36 ـ برهان الدين إبراهيم شهاب الدين الكوراني 1102.

37 ـ الزرقاني المالكي 1122.

38 ـ شمس الدين الحنفي الشافعي 1181.

39 ـ محمد البدخشي.

40 ـ محمد الصبان 1206.

41 ـ محمد أمين بن عمر الشهير بابن عابدين الدمشقي 1252.

42 ـ أحمد زيني دحلان الشافعي 1304.

43 ـ محمد مؤمن الشلبنجي.

رواية الروافض لحديث رد الشمس:

وقد حاول ابن الجوزي: الطعن بحديث رد الشمس بحجة أن راويه هو ابن عقدة، وهو رافضي يسب الصحابة(1).

____________

(1) شرح الشفاء للقاري (مطبوع بهامش نسيم الرياض) ج3 ص13، وراجع: تذكرة الخواص ص51.
ونقول:

أولاً: قال الخفاجي: (إن مجرد كون راو من الرواة رافضياً، أو خارجياً، لا يوجب الجزم بوضع حديثه، إذا كان ثقة من جهة دينه. وكأن الطحاوي لاحظ هذا المبنى، وبنى عليه هذا المعنى.

ثم من المعلوم: أن من حفظ حجة على من لم يحفظ، والأصل هو العدالة، حتى يثبت الجرح المبطل للرواية)(1).

ونضيف للتوضيح، وللتأييد: أننا لو سلمنا أن حديث رد الشمس لم يوفق لسند صحيح، وأغمضنا النظر عن صحة وعن حسن بعض طرقه، وعن أن نقله عن ثلاثة عشر صحابياً بالإضافة إلى روايته عن أئمة أهل البيت (عليه السلام) يفوق حد الاستفاضة، ويبلغ به حد التواتر..

نعم.. إننا لو سلمنا ذلك، وأغمضنا النظر عن هذا..

فإننا نقول: إنه لا يصح الحكم عليه بالوضع؛ فإن الكاذب قد يصدق.

يضاف إلى ذلك: أن هذا التضعيف غير مأمون، فإنه قد يكون سببه هو التعصب المذهبي، أو جهالة حال الراوي، أو عدم تعقل بعض خصوصيات الرواية، أو غير ذلك..

____________

(1) شرح الشفاء للقاري (مطبوع بهامش نسيم الرياض) ج3 ص11.

الصفحة 44
ثانياً: إن ابن عقدة، وإن كان رافضياً، فإن ذلك لا يستلزم أن يكون ساباً للصحابة، فإن الروافض إنما يخطِّئون الخلفاء الثلاثة الأولين، فيما أقدموا عليه، من تعد على فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وضربها، وإسقاط جنيننها، وغصب فدك منها، وغصب الخلافة من علي (عليه السلام) بعد نص الغدير وغيره، وتوجيه النقد إلى إنسان وتخطئته ليس سباً..

ثالثاً: قال سبط ابن الجوزي: (وابن عقدة مشهور بالعدالة، وكان يروي فضائل أهل البيت، ويقتصر عليها، ولا يتعرض للصحابة (رض) بمدح ولا بذم، فنسبوه إلى الرفض)(1).

دعوى اضطراب حديث رد الشمس:

وقد زعم ابن الجوزي: أن هذا الحديث موضوع اضطرب فيه الرواة.

وقال الجوزقاني: هذا حديث منكر مضطرب، ثم ذكر بعض الطعون في بعض رجال السند، فطعن في فضيل، وفي عبد الرحمان بن شريك، وابن عقدة(2).

____________

(1) تذكرة الخواص ص51..

(2) والطعون في رجال السند ذكرها ابن الجوزي وغيره فراجع: منهاج السنة ج4 ص186 فما بعدها، واللآلي المصنوعة ج1 ص336 فما بعدها، والبداية

=>

الصفحة 45
ونقول:

أولاً: قد تعقبه السيوطي بقوله: فضيل الذي أعل به الطريق الأول ثقة صدوق، احتج به مسلم في صحيحه، وأخرج له الأربعة.

وعبد الرحمن بن شريك، وإن وهَّاه أبو حاتم، فقد وثقه غيره، وروى عنه البخاري في الأدب.

وابن عقدة من كبار الحفاظ، والناس مختلفون في مدحه وذمه الخ..(1).

ثانياً: إننا لو أردنا أن نأخذ بهذا النهج الذي انتهجه ابن الجوزي، وابن تيمية، وابن كثير، في ذكر الطعون برجال السند لوجب ردُّ جلّ، بل جميع الروايات التي رواها أصحاب الصحاح الستة فضلاً عن غيرها:

وبذلك تسقط منهم روايات مسلم والبخاري، عن الاعتبار، ولا يسلم لهم خبر واحد، إذ لا يكاد يسلم لهم راو من طاعن فيه.

ثالثاً: إن المطلوب هو الوثوق بأصل الخبر، فإذا تعددت طرقه، فإن ذلك يمنع من الحكم عليه بالوضع، كما أشار إليه غير

____________

<=

والنهاية ج6 ص78 فما بعدها، ونسيم الرياض ج3 ص11 و12 وبهامشه شرح الشفاء للقاري ج3 ص10 ـ 13.

(1) اللآلي المصنوعة ج1 ص336 فما بعدها، ونسيم الرياض ج3 ص11 و12 وغيره.

الصفحة 46
واحد من علمائهم حسبما أسلفناه.. فكيف إذا كان قد روي عن ثلاثة عشر صحابياً فضلاً عن رواية أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وغيرهم له.

رابعاً: قد تقدم: حكم عدد من العلماء بصحة هذا الحديث، أو بحسنه..

لماذا لم ينقل ذلك جميع الأمم:

قال ابن كثير، وابن تيمية، وغيرهما: لو ردت الشمس بعدما غربت لرآها المؤمن والكافر، وهو مما تتوفر الدواعي على نقله، فلو حدث ذلك، لنقل ذلك إلينا من قِبَلِ جميع الأمم، وعلى لسان جماعات كثيرة من الناس، ولدونته الأمم في كتبها وتواريخها: أنه في سنة كذا، في شهر كذا، في يوم كذا، حدث أمر هائل، وهو أن الشمس ردت بعدما غربت(1).

فكيف لم ينقل ذلك إلا بروايات ضعيفة السند؟!، وكيف اشتهر نقل واقعة شق القمر، وهي إنما حصلت بالليل، وأكثر الناس غافلون عن الأمر، وهم في داخل بيوتهم.. ولم تشتهر

____________

(1) راجع: البحار ج41 ص175 عن المناقب لابن شهراشوب ج1 ص359 ـ 365، وراجع: البداية والنهاية ج6 ص79 و80، وراجع ص87، والمواهب اللدنية ج2 ص211، ومنهاج السنة ج4 ص187 و189. وغير ذلك..

الصفحة 47
حادثة رد الشمس، وهي قد حصلت بالنهار، حيث رآها عامة الناس، من مختلف الأقوام والأجناس؟!

ونقول:

أولاً: قد عرفت أن الذين نقلوا هذه القضية من الصحابة فقط، هم بضعة عشر صحابياً، وأن العلماء قد صححوا أو حسنوا عدداً من تلك الأسانيد.. رغم توفر الدواعي على طمس وتكذيب هذا الخبر، أو التشكيك فيه، مضادة لعلي (عليه السلام)، ونصرة لمناوئيه..

حتى إنك لتجد هؤلاء الناس يبادرون إلى الطعن بالرواية التي تتعرض لهذا الأمر، وإلى تكذيبها، بمجرد سماعهم لها..

ثانياً: إن ثمة فرقاً بين حادثة رد الشمس، وحادثة شق القمر؛ لأن حادثة رد الشمس ترتبط بعلي، والدواعي متوفرة لكتمان فضائله (عليه السلام)، بل لإنكارها من أساسها، سواء من قبل الحاكمين، أو من قبل العلماء المتزلفين، أو من قبل العلماء المتعصبين، فضلاً عن حالات الخوف والتقية التي تفرض كتمان الحقائق أحياناً. فكيف يمكن قياس هذه القضية بقضية شق القمر التي لا ربط لعلي (عليه السلام) فيها، فإن الدواعي متوفرة على نقل حادثة شق القمر، والتسابق لإدراجها في كتب الحديث وسواها..

الصفحة 48
ومع ذلك: فإننا نلاحظ أن رواة حديث شق القمر ليسوا بأكثر من رواة حديث رد الشمس، مع أن البخاري يصرح في تفسير قوله تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ} بأن أنس بن مالك قال: سأل أهل مكة أن يريهم آية، فأراهم انشقاق القمر(1).

وعن الترمذي، عن جبير بن مطعم، قال: انشق القمر على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى صار فلقتين: على هذا الجبل، وعلى هذا الجبل، فقالوا: سحرنا محمد.

فقال بعضهم: لئن كان سحرنا فما يستطيع أن يسحر الناس كلهم(2).

وهذا معناه: أن الذين رأوا انشقاق القمر كانوا جميع أهل مكة، أو الناس كلهم..

ونعود فنؤكد علىأن ذلك لم يتواتر نقله من قبل من كان حاضراً في مكة، كما اعترفوا به، كما لم ينقله المؤرخون ولا أحد من الأمم الأخرى، سواء في ذلك الذين كانوا في المحيط الإسلامي أو في غيره.

مع أن الدواعي كانت متوفرة على نقله، فلماذا يفرضون علينا

____________

(1) صحيح البخاري ج3 ص126 ط سنة1309 هـ.

(2) سنن الترمذي ج5 ص72، تحفة الآحوذي ج9 ص125.

الصفحة 49
أمراً ويجعلونه دليلاً على كذب حديث رد الشمس، مع أنهم هم أنفسهم مطالبون بمثله في حديث شق القمر الذي يعترفون بحصوله، وتؤكده الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة أيضاً.

ثالثاً: لو سلمنا ـ جدلاً ـ أن حديث رد الشمس يحتاج إلى نقل كثير؛ لأجل أنه حدث هائل وعظيم، وقد حصل بالنهار، وتتوفر الدواعي على نقله لدى المؤمن والكافر.. لكن ذلك لا يلزم منه كذب حديث حبس الشمس له (عليه السلام)، فإن ابن تيمية وسواه قد أقروا بحديث حبسها ليوشع (عليه السلام)، وإن كان ابن تيمية قد زعم: أن الوجه في ذلك، هو: (أن طول النهار وقصره لا يدرك. ونحن إنما علمنا وقوفها ليوشع بخبر النبي)(1).

فإذا كان ذلك ممكناً بل قد حصل ذلك ليوشع بالفعل، فلماذا لا يكون قد حصل نظيره لعلي (عليه السلام) بأن حبست له (عليه السلام) عقداً يسيراً ليصلي العصر، ثم عادت إلى حالتها الأولى، ولم يلتفت إلى ذلك إلا القليل من الناس؟! وأدركه بعضهم الآخر: بنقل النبي (صلى الله عليه وآله) ذلك لهم، وهو الصادق المصدق؟!

أليس التفريق بين الأمرين، من قبيل الكيل بمكيالين؟!

____________

(1) منهاج السنة ج4 ص184.

الصفحة 50
وقد تقدم: أن بعض الروايات قد عبرت بأن الشمس قد حبست لعلي (عليه السلام)، كما أن بعضها قال: إن الشمس قد غابت، أو كادت تغيب(1).

وقد يقال:

إن الذي حصل هو حبس للشمس في بعض المرات، وردها إلى موقع جديد بعد المغيب أو قبله مرة أخرى.. فقد صرحت الرويات بتعدد هذه الوقائع، وأن الناس قد شاهدوا ذلك بأنفسهم حسبما اتضح في بداية هذا البحث.

رابعاً: وهكذا يقال أيضاً بالنسبة للروايات المصرحة: برد الشمس المشرفة على المغيب مقداراً يسيراً؛ لأجل أداء صلاة العصر، ثم عادت لمكانها. فإن ذلك قد يخفى على الحاضر الناظر، فكيف بالغائب الغافل، فيحتاج هؤلاء ـ كما أقر به ابن تيمية ـ إلى إخبار النبي (صلى الله عليه وآله) لهم به، وإخباره (صلى الله عليه وآله) لهم بذلك كان في ثبوت الكرامة الإلهية لعلي (عليه السلام).

____________

(1) البحار ج17 ص359، وج80 ص324 عن الخرايج والجرايح، وعن صفين، وراجع ترجمة الإمام علي من تاريخ ابن عساكر (بتحقيق المحمودي) ج2 ص292، والبداية والنهاية ج6 ص77، وغير ذلك كثير.

الصفحة 51
خامساً: بالنسبة إلى روايات رد الشمس بعد مغيبها مباشرة، أو رد قسم من قرصها مقداراً يسع أيضاً صلاة العصر، نقول:

ألف: إن ذلك أيضاً قد لا يلتفت إليه أكثر الناس، إذا لم يكونوا مترقبين له؛ لأن النور الغامر في لحظة مغيب الشمس لا يقل كثيراً عن النور المتدفق منها حينما تبدأ بالمغيب.. فيمكن أن ترد الشمس، ويصلي (عليه السلام) العصر في هذه الفترة، ولا يعرف الكثيرون بما حدث..

ب: وأما بالنسبة للروايات التي صرحت بأن الشمس قد ردت بعد المغيب إلى ربع الأفق مثلاً، أي إلى موقع فضيلة صلاة العصر، فربما يكون الله تعالى قد تصرف في أبصار الخلائق، حتى لا يراها إلا الذين قصد الله أن يريهم إياها؛ ليبطل كيدهم، وليقيم الحجة عليهم، وتماماً كما يرى إنسان الأرواح، ولا يراها الآخر الذي يقف إلى جانبه، وكما يرى النبي الملائكة وجبرئيل والجن، ولا يراهم أحد ممن يكون في مجلسه سواه.

وكما تنكشف الآفاق والغائبات وغيرها للنبي (صلى الله عليه وآله) وللإمام (عليه السلام) بكشف الله تعالى له، ولا تنكشف لأحد ممن حضر مجلسه..

والحاصل: أن الله تعالى قد يتصرف بالشمس، وبأبصار بعض الناس لمنعهم عن رؤية ما يحدث لها، أو بالكرة الأرضية،
الصفحة 52
أو بجزء منها، ويمنع من أن يشعر جميع الناس بذلك، بل يشعر به المقصود دون به إتماماً للحجة عليهم أو لمصالح أخرى، وذلك لأنه لم يرد أن يدهش الخلائق، ويثير الذعر فيهم؛ لأن ذلك يخل بسياسته لهم، التي تقضي بأن يؤمنوا بمحض اختيارهم، وعن قناعة وتدبر، وعن روية وتبصر، بعيداً عن أي وجل أو خوف، أو قهر أو إلجاء، وتلك هي السياسة الإلهية الحاكمة والسارية فيما يرتبط بقضايا الإيمان والإسلام.

..............................................