د / سعد سعيد الديوه جي

يعد معتقد انتظار عودة المسيح، الذي سيعيد الحق إلى نصابه خصوصاً ما يتعلق بإرجاع دولة «إسرائيل» المندثرة قبل خمسة وعشرين قرناً، مسألة مركزية في الفكرين اليهودي والمسيحي، يدور حوله كثير من الأساطير والخرافات في الكتاب المقدس عندهم الذي يحتوي على العهدين القديم والجديد.

وتتركز مهمة المسيح المنتظر في لمِّ الشتات اليهودي في أرض الميعاد والانتقام من أعدائهم وجيرانهم شر انتقام، أما في الفكر المسيحي المولود من رحم اليهودية، فإن المنتظر الموعود هو المسيح عيسى ابن مريم، الأقنوم الثاني من الثالوث المسيحي الإلهي، والذي صُلب حسب زعمهم من قبل اليهود ثم قام بعد ثلاثة أيام من بين الأموات، وصعد للسماء ثم جلس على يمين «الأب»! حيث سيرجع في نهاية الزمان إلى أورشليم الجديدة، ويأخذ أنصاره ومحبيه لاحقاً إلى ملكوته السرمدي، بعد أن ينتقم من أعدائه شر انتقام، وهو ما يعرضه سِفر يوحنا بالتفصيل بدون الإشارة إلى الذين صلبوه من قريب أو بعيد! وهو امتداد للتأثير اليهودي بدون شك.

ورغم تناقض الفكرتين فإن أهم عاملين مشتركين بينهما؛ أن أرض الحدث ستكون فلسطين، وأن الانتقام وسفك الدماء أمر لا جدال حوله.

مصداقية الكتاب المقدس :

«الكتاب المقدس» هو الكتاب المتداول بين الطوائف المسيحية وينقسم إلى قسمين رئيسين: العهد القديم وهو الكتاب المقدس لدى اليهود؛ ويشمل الأسفار الأولى وهي: (التكوين والخروج والعدد واللاويين والتثنية) التي تنسب لموسى عليه السلام، ويتكلم فيها حسب زعمهم عن نشأة البشرية إلى زمن الخروج من مصر، وهو ادعاء خيالي لا يقوم على أسس علمية، أو تاريخية ذات مصداقية لكثرة ما فيه من المتناقضات، و(أربعة وثلاثون سفراً) أُخر تنسب معظمها إلى باقي الأنبياء، أو شخصيات بطولية عند اليهود، وأخرى تتكلم عن الحكمة وصلوات داود - مزامير داود - رغم ذكره كشخصية بطولية، أو بطل قومي أكثر من كونه نبياً مرسلاً.

والمسيحيون يقرون بالعهد القديم ويضعون معه في مجلد واحد ما يسمى بالعهد الجديد الذي يحتوي على (الأناجيل الإزائية الأربعة، ورسائل بولس، وسفر يوحنا) المملوء بتفاصيل دموية مقرفة عن أهوال آخر الأيام، ودور المسيح العائد من السماء فيها.

ولا يقر اليهود بالعهد الجديد ولا يعترفون به، لأن مسيحهم ليس هو مسيح النصارى ذا الطبيعة الإنسانية - الإلهية.

والكتاب المقدس وخصوصاً التوراة لا توجد فيه نصوص تعود لعهد موسى عليه السلام (القرن الثالث عشر قبل الميلاد)، ولا للأزمان التي بعده، وأقدم النصوص العبرية التي تم العثور على بعضها عام 1947م في وادي قمران بالأردن تعود للقرن الميلادي الأول، مما يضع مصداقية هذا الكتاب في مهب الريح؛ حيث لا يعلم أحد بأي لغة كتبت هذه الأسفار ومسألة وصولها بصيغتها النهائية كانت باللغة اليونانية على الأغلب!

العوامل الأساسية لنشوء الفكرة :

إن النكبات والمصائب هي أهم عوامل نشوء فكرة انتظار مخلص عند أي أمة، حيث يقوم رجال الدين ببلورتها وفلسفتها حتى يبقى الناس ملتفين حولها، ولا ينفضون إلى دين آخر، وتعمل الفكرة كمهدئ نفسي للقضاء على أفكار القلق والشعور بالدونية فكرياً واجتماعياً، وعلى قدر تعلق الأمر بموضوعنا سنحاول عرض أهم النكبات في التاريخ الإسرائيلي.

إن تأكيدنا هنا على كلمة إسرائيل ليس من باب الصدفة، فالديانة اليهودية لم تتبلور بشكلها الحالي إلا في أزمان لاحقة لعل أهمها زمن تجميع التوراة وكتابتها في بابل على يد «عزرا» في حدود القرن الخامس قبل الميلاد، بعد الغزو البابلي عام (587 ق.م).فمن المعلوم أن بني إسرائيل ينحدرون من صلب أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام، وهم أولاد يعقوب - إسرائيل - وهو ابن إسحق عليه السلام.في عهد يعقوب عليه السلام هاجر أبناؤه إلى مصر، واستقروا هناك، وكان ذلك في حدود القرن الثامن عشر قبل الميلاد، ونتيجة ملابسات قصة سيدنا يوسف عليه السلام المعروضة بالتفصيل في القرآن الكريم.عانى الإسرائيليون الأمرّين من الفراعنة فأرسل الله لهم موسى عليه السلام منقذاً ومخلصاً واتجه بهم نحو فلسطين على ما هو معروف في القرآن الكريم، وكان ذلك في حدود 1290 ق.م على الأرجح.

في طريقهم نحو فلسطين نكصوا عن عبادة الله، وعبدوا العجل وتاهوا في الصحراء عقوبةً لهم على جحودهم، ولم يطل العمر بموسى عليه السلام ليعبر بقومه إلى فلسطين، حيث تقول التوراة: «هذه هي الأرض التي أقسمت لإبراهيم وإسحق ويعقوب إنني سأهبها لذريتهم، قد جعلتك تراها بعينيك ولكن إليها لن تعبر، فمات موسى عبدُ الرب في أرض موآب، ولم يعرف أحد قبره إلى هذا اليوم (4-6، 34 التثنية)، والكلمات الأخيرة تؤخذ دليلاً على عدم مصداقية التوراة؛ حيث إنه من غير المعقول أن يكتب موسى عليه السلام تفاصيل وطريقة موته.

تولى قيادة بني إسرائيل بعد موسى فتاهُ، يشوع الذي لم يستطع أن يؤسس دولة، ليبدأ بعده ما يسمى بعصر القضاة، حكموا أسباط بني إسرائيل على الطريقة البدوية فحتى ذلك الحين لم يتمدن الإسرائيليون، تقول التوراة: «وفي تلك الأيام لم يكن لإسرائيل ملك، فكان كل واحد يعمل ما يشاء: 16، 17 القضاة».واستمر حكم القضاة بين عامي (1125-1025 ق.م)، وفي هذا العهد تعرض الإسرائيليون لهزيمة قاسية أمام الفلسطينيين «وسقط منهم ثلاثون ألف رجل واستولى الفلسطينيون على تابوت العهد: 10-11، 3 القضاة».

بعد القضاة حكم الإسرائيلين شاؤول الذي يسميه القرآن الكريم «طالوت» وكان نبياً وملكاً حكم بين (1025-1010 ق.م)، وقد قُتل على أيدي الفلسطينيين، «والذين عثروا عليه وعلى أبنائه الثلاثة صرعى في جبل جربوع، فقطعوا رأس شاؤول ونزعوا سلاحه: 8-9، 3 صموئيل الأول».

داود يؤسس دولة :

استطاع داود عليه السلام تأسيس مملكة إسرائيل بعد انتصاره على الفلسطينيين وقتل ملكهم جالوت، واتخذ أورشليم عاصمة اليبوسيين عاصمة له، وهناك أكثر من موضع يؤكد أن داود عليه السلام لم يقم ببناء أورشليم كما يدعي اليهود الآن، وقد دام حكمه بين (1010-971 ق.م) ثم خلَفه من بعده ابنه سليمان عليه السلام الذي دام حكمه حتى عام (931 ق.م) لتنقسم بعدها مملكة إسرائيل إلى مملكتين؛ واحدة في الشمال عاصمتها السامرة، وأخرى في الجنوب باسم يهوذا وعاصمتها أورشليم، وكانتا في صراع مرير طوال بقائهما وقبل زوالهما.

بعد هذا الانقسام «تعرضت يهوذا لغزو المصريين من قبل شيشنق الأول في عام (926 ق.م) ونهب خزائن الهيك: 4، 11 ملوك الأول»، وتكرر الأمر في زمن يهورام ملك يهوذا الرابع (848-841 ق.م) حيث «صعد الفلسطينيون والعرب إلى يهوذا وافتتحوها واستولوا على كل الأموال الموجودة في بيت الملك، وسبوا أبناءه، ولم يبق إلا أصغر بنيه: 16-17، 21 أخبار الأيام الثاني»، وقد صاحب هذه النكسات نكوص ديني لا مثيل له، حيث عبد الإسرائيليون العجل على عادتهم القديمة، وأقاموا تماثيل لآلهة الأقوام المجاورة في معابدهم ولم يتوانوا حتى عن اتهام نبي الله سليمان عليه السلام بعبادة آلهة زوجاته، وضحوا بأبنائهم كقرابين لهذه الآلهة بشهادة التوراة، ومارسوا البغاء المكرس داخل الهيكل، وهو جمع المال من قبل البغايا داخل الهيكل لتغطية مصاريف الهيكل الذي يدعون أن سليمان عليه السلام بناه لعبادة الإله المسمى عندهم «يهوه»!في عام (721 ق.م) زالت مملكة إسرائيل الشمالية على يد الآشوريين، وتم سبي معظم السكان إلى بلاد آشور وعاصمتها نينوى وأحلوا جماعات من بلاد (بابل وعيلام وسورية وبلاد العرب) محلهم.

لم يكن مصير يهوذا بأفضل من إسرائيل، حيث غزاها البابليون على عهد الملك البابلي الشهير نبوخذ نصر عام (597 ق.م)، ولما نقض الإسرائيليون العهد أعاد الكرة عليهم عام (587 ق.م) وكان غضب الملك البابلي عظيماً فدمر أورشليم، وحرق هيكل سليمان وسلب خزائنه ونقلها إلى بابل وقبض على ملكهم صدقيا وذبح أولاده أمام عينيه ثم فقئت عيناه وهو حي وأُخذ مكبلاً مع الأسرى إلى بابل، وكانت هذه الحادثة عقدة العقد في التاريخ الإسرائيلي، لتتحول بعدها إلى عقدة متأزمة داخل التكوين اليهودي لارتباطها بدمار هيكل سليمان وزواله بما فيه، ولتنتهي مملكة إسرائيل القديمة.

بدأت فكرة الخلاص تتبلور بعد السبي والشتات اللذين تعرض لهما اليهود عاش اليهود تاريخهم في انتظار المخلص الديني أو المسيح المنتظر بمعنى الملك المنتقم في عام (66م) ثار الإسرائيليون على الرومان في عهد نيرون، فدخل القائد الروماني تيطس أورشليم، وحرق الهيكل الثالث وفتك باليهود، وألغى المحفل اليهودي «السهندرين»، وكانت الضربة شديدة جداً.

في عام (132م) ثار اليهود لآخر مرة على الإمبراطور الروماني هادريان بقيادة «باركوخوبا»، فسير هادريان جيشاً عام (135م) قضى على الثورة ودمر أورشليم والهيكل، وأقام مستعمرة رومانية بدل أورشليم سماها العرب «إيلياء»، ولم يبقَ عليها يهودي واحد فيها وكان هذا الشتات الأعظم، ولم تقم للإسرائيليين قائمة بعدها.

بعد هذا الاستعراض سنقف على أشهر النصوص التي تتكلم عن الموعود المنتظر في العهد القديم ونناقشها قدر المستطاع.

قراءة في نصوص المخلص المنتظر:

كان لون أول نص للمخلص المنتظر في العهد القديم لوناً دينياً نتيجة الفساد الذي عم الحياة الدينية في يهوذا والسامرة والذي انعكس على مجمل أخلاقهم، فهم يعزون تفكك مملكة سليمان: «لأن الرب نهاه عن الغواية وراء آلهة أخرى فلم يطع وصيته، لهذا قال الله لسليمان: لأنك انحرفت عني، ونكثت عهدي ولم تطع فرائضي التي أوصيتك بها، فإني حتماً أمزق أوصال مملكتك وأعطيها لأحد عبيدك: 9-11/11 ملوك أول»، وهو تطاول على سليمان عليه السلام يعكس أخلاقهم المتردية.

في ظل هذه الأجواء المهينة أرسل الله النبي «إيليا» (إلياس في القرآن الكريم)، بعد انقسام مملكة إسرائيل على الأرجح وقاوم عبادة الوثن (بعل) وأراد إرجاع الهوية الضائعة لبني إسرائيل.

ورغم كثرة المعجزات التي جاء بها إيليا، فإن بني إسرائيل بقوا متمادين في غيهم، لذلك قرر الرب رفعه للسماء حسب زعم من كتبوا التوراة لاحقاً، ثم رجع وأتم مهمته، حيث تقول التوراة: «وبينما هو يسير مع اليشع (أحد أتباعه المخلصين) ويتحدثان «إذ مركبة نارية وخيل نارية فصلت بينهما، وارتفع إيليا في العاصفة نحو السماء واليشع ناظر وهو يصرخ: يا أبي، يا أبي، يا حامي حمى إسرائيل (11-12/2 ) ملوك «ثاني»!خيال مفرط وواسع لمسألة صعود المخلص، في حين أن إيليا لم يكن إلا نبياً مرسلاً قام بمهمته وسط بحر مائج من الفساد المستشري بين بني إسرائيل.اختفت فكرة المخلص الديني وظهرت مكانها فكرة «المسيح المنتظر»، علماً بأن مصطلح «المسيح» أو الماشيح هو الملك الممسوح بالزيت المقدس، بعد تنصيبه، وهي عادة إسرائيلية، أي أن الفكرة تبلورت حول ملك يقود بني إسرائيل لاستعادة دولتهم التي اختفت على يد الآشوريين والبابليين، واختفى معها هيكلهم أو كما يسمونه «بيت الرب يهوه».

هكذا بدأت تتبلور فكرة الخلاص بعد السبي والشتات، فقد جاء على لسان «حزقيال» وهو أحد الأنبياء المسبيين إلى بابل وعلى لسان الرب: «سأفتح قبوركم وأصعدكم منها يا شعبي، سأجعلهم شعباً واحداً في الأرض وفي جبال إسرائيل وأقيم عليهم ملكاً واحداً، وأخلصهم من جميع معاصيهم التي بها خطِئوا إلي، وأظهرهم فيكونوا لي شعباً وأكون لهم إلهاً، ورجل كعبدي داود يكون ملكاً عليهم، وملك كعبدي داود يكون رئيساً لهم مدى الدهر (12-37،36) «حزقيال». والقراءة المتأنية للنص تبين أن الحلم انصب على ملك بمواصفات داود عليه السلام، يحكم شعباً موحداً، خالياً من الخطايا، والنص لا يخلو من فكرة الشعب المختار!وتنسب إلى «حزقيال» خرافة معركة «هرمجدون» التي ستسبق رجوع بني إسرائيل إلى أرض الميعاد لينتقموا من أعدائهم شر انتقام، فيصورون أعداءهم على شكل ذبيحة «وأنت يا ابن البشر قل للطيور من كل نوع ولجميع وحوش البرية: اجتمعي وتعالي احتشدي من كل جهة إلى ذبيحتي التي أذبحها لك، وهي ذبيحة عظيمة على جبال إسرائيل فتأكلين لحماً وتشربين دماً (17-18/39 ) «حزقيال». وهكذا ارتبطت الأمور ببعضها، فمجد إسرائيل الضائع يصنعه ملكٌ على طراز داود عليه السلام بعد معركة يصورونها بمنتهى القسوة والسادية.

وهكذا سيطرت هذه الأفكار على فكرة الخلاص في باقي الأسفار؛ فالنبي «ميخا» يقول: «والآن جد الجد يا بنت الجدود، يضيقون علينا الحصار، ويضربون قاضي بني إسرائيل على خده بالقضيب، لكن يا بيت لحم أفرانه، صغرى مدن يهوذا، منك يخرج لي سيد على بني إسرائيل، يكون منذ القديم، منذ أيام الأزل، يقف ويرعى شعبه بعزة الرب إلهه وبجاه اسم الرب؛ لأن عظمته ستمتد إلى أقاصي الأرض ويكون سلامه سلاماً (1- 5/5) «ميخا».

فالعقدة نفسها تنطلق من عار السبي والشتات، والحل نفسه بصورة واحدة ولكن بأطر مختلفة ومرتبكة، فالنبي ملاخي (بداية القرن الخامس قبل الميلاد)، ينسب إليه أنه يعيد صورة النبي إيليا كمنقذ بعد اليأس من فكرة المنقذ السياسي وبعد تشتت بني إسرائيل «ها أنا أرسل إليكم إيليا النبي، قبل أن يجيء يوم الرب العظيم الرهيب، فيصالح الآباء مع البنين، والبنين مع الآباء، لئلا (أجي) واضرب الأرض بالحرمان (23-24/3) «ملاخي»، وهذا النص يشير إلى الاضطراب حول فكرة المنقذ المنتظر، وأن فكرة إيليا العائد قد اختلطت مع المسيح الموعود.- وهناك صورة ثالثة للمخلص المنتظر عند النبيين ملاخي وحبقوق يقول فيها الأخير: «الله يجيء من تيمان، القدوس من جبل فاران (جبال الحجاز)، غطى جلاله السماوات وامتلأت الأرض من التهلل له، يجيء كلمعان البرق، ومن يده يسطع النور.

وفيها تستتر غرته(3،5) «حبقوق».هذه الصورة الأخيرة يشير إليها عبد الأحد داود في كتابه «محمد في الكتاب المقدس» على أنها شخصية الرسول محمد، وهي دراسة غاية في المتعة والقيمة العلمية القائمة على مقارنة النصوص المعتمدة بعدة لغات وعلى الأصول المعتمدة في الترجمة.

فهذه النصوص لا تتطابق مع صورتي النبي الديني المنقذ (إيليا) ولا المسيح الموعود من نسل داود عليه السلام، وهي من الإشارات التي بينها الله تعالى لمصداقية كون المنتظر الموعود هو الرسول أحمد ، نبي لكل الناس، وليس نبياً منتقماً وليس بالضرورة أن يكون مخلصاً سياسياً، مصداقا لقوله تعالى: {الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل " (الأعراف:157)، ولكن اليهود لا يقرون بذلك بل ينتظرون مخلصاً من بينهم.

هذا الاضطراب الفكري بين ثلاث شخصيات طغت عليها فكرة المسيح الجبار المنتقم، أدى باليهود إلى رفض المسيح عيسى ابن مريم منقذاً من الضلال ومبشراً برسول من بعده، للبشرية اسمه أحمد، حيث يقول تعالى: " إذ قال عيسى ابنٍ مريم يا بني إسرائيل إني رسٍولٍ اللَّه إليًكٍم مَصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين " (الصف).

وقد أعطى الله تعالى لقب المسيح لعيسى عليه السلام في إشارة إلى أن المنقذ المنتظر ليس بالضرورة أن يكون ملكاً سياسياً جباراً لا يشبع من شرب الدماء، وقد يأتي معنى الملك مجازاً ليس إلا.إن طول الانتظار واليأس من ظهور أحد هذه الشخصيات دفع بعض اليهود المتأخرين كالمؤرخ «يوسيفوس» للبحث عن شخصية أقوى فقالوا: إن موسى لم يمت وإنما اختفى عن قومه ورفع إلى السماء ولا يزال حياً وسيرجع في آخر الزمان!لقد تخيلوا أن تقوم مملكة داود على يد أحد أحفاده ويكونون هم سادة العالم وجلادوه، وقد كان، لكن الدولة أقامها الصهاينة العلمانيون، وجُلهم من أصول أوروبية ولا يلتقون مع بني إسرائيل إلا بصلة الشر والحقد والانتقام من الأغيار، وهكذا تتجلى الدوافع السياسية النفعية لقيام إسرائيل بعيداً عن الأصول الدينية والخرافات والأساطير التي تدثرت فيها الصهيونية، وزيفِ المخلص المنتظر.

المصدر : مجلة المجتمع