جاء في كتاب الأحكام السلطانية ما نصه :
حكي أن المأمون قال - في اختيار وزير - : إني التمست لأموري رجلاً جامعًا لخصال الخير ، ذا عفة في خلائقه ، واستقامة في طرائقه ، قد هذبته الآداب ، وحكمته التجارب ، إن اؤتمن على الأسرار قام بها ، وإن قلد مهمات الأمور نهض فيها ، يسكته الحلم ، وينطقه العلم ، وتكفيه اللحظة ، وتغنيه اللمحة ، له صولة الأمراء ، وأناة الحكماء ، وتواضع العلماء ، وفهم الفقهاء ، إن أحسن إليه شكر ، وإن ابتلي بالإساءة صبر ، لا يبيع نصيب يومه بحرمان غده ، يسترق قلوب الرجال بخلابة لسانه ، وحسن بيانه ، وقد جمع بعض الشعراء هذه الأوصاف ، ووصف بعض وزراء الدولة العباسية بها فقال:
بديهته وفكرته سواء ***إذا اشتبهت على الناس الأمور
وأحزم ما يكون الدهر يومًا *** إذا أعيا المشاور والمشير
وصَدْر فيه للهمّ اتساع *** إذا ضاقت من الهم الصدور
فهذه الأوصاف إذا كملت في الزعيم المدبر- وقل ما تكمل - فالصلاح بنظره عام ، وما يناط برأيه وتدبيره تام ، وإذا اختلت فالصلاح بحسبها يختل ، والتدبير على قدرها يعتل ، ولئن لم يكن هذا من الشروط الدينية المحضة ، فهو من شروط السياسة الممازجة لشروط الدين ، لما يتعلق بها من مصالح الأمة واستقامة الملة .
المصدر : مجلة المنار لصاحبها محمد رشيد رضا