السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



أوراق ذابلة من حضارتنا

المؤلف : دكتور عبد الحليم عويس

إهداء

لا أزال أؤمن بأن ثمة دورا كبيرا ينتظر الأمة المسلمة ، ولا أزال أؤمن بأن حركة التاريخ التي هي من سنن الله سوف توقف هذه الأمة أمام قدرها المحتوم ‏.‏‏.‏ لتؤدي واجبها نحو البشرية التائهة ‏.‏‏.‏
فإلى الذين يساعدون التاريخ ، كي تقف هذه الأمة في مكانها الصحيح ‏.‏‏.‏ وكي تؤدي دورها الصحيح ‏

إليهم ‏.‏‏.‏ وحدهم ‏.‏‏.‏ أهدي هذا الكتاب



بين يدي هذه الصفحات


المكتبة الإسلامية والتاريخية حافلة بالدراسات والقصص حول الصفحات الوضيئة من تاريخنا ‏.‏ ولكم كتب الكاتبون حول صناع الحضارة الإسلامية ، ولكم أطنبوا في الحديث عن أبطالنا ، وعن فضلنا على أوربا. . . وغير أوربا ‏.‏

ولقد ظهر تاريخنا من خلال التركيز ، وكأنه تاريخ أسطوري ، وكأن الذين عاشوه وأسهموا في صنعه ملائكة ليسوا بشرا. . . ‏!‏‏!‏

ولقد كان هذا المنهج في التناول خطيرا من عدة وجوه ‏:‏

• أولا ‏:‏ لأنه ترك مهمة التحليل العلمي لتاريخنا كتاريخ بشر لهم مزايا وغرائز - لأعداء هذا التاريخ ، فراحوا يركزون على الجوانب السلبية في هذا التاريخ ، وصادف هذا هوى من بعض العقليات التي كانت تسأم التركيز على الماضي بهذه الصورة غير الموضوعية ، وبالتالي. . . انساقت هذه العقليات وراء جماعة المستشرقين الذين يدرسون تاريخنا. . . من نقطة الانطلاق المحددة ، وهي تشويه هذا التاريخ وأصحاب هذا التاريخ ‏!‏‏!‏

• ثانيا ‏:‏ وفي غمرة الانبهار العقلي بالمناهج الاستشراقية. . . ضاعت بحكم رد الفعل حقائق موضوعية تتصل بهذا التاريخ ، وانقسم الناس حول هذا التاريخ قسمين ‏:‏ قسم يرفضه بالجملة ، ويراه عقبة في طريق التقدم والمستقبل ، وقسم آخر يراه كل شيء ، ويراه من جانبه العالمي الإيجابي هو النموذج الحرفي الذي يجب إعادته وتكرار نمطه ‏.‏

وبين طرفي النقيض. . . يمكن أن توجد الحقيقة ، ويمكن أيضا أن تسقط الحقيقة ‏.‏‏!‏‏!‏

• ثالثا ‏:‏ لقد صرفنا منهج التركيز على المدح عن الاستفادة الحقيقية من تاريخنا ، ولعل بعض الناس قد وقر في أذهانهم بفعل هذا التركيز ، أن ما نعانيه في هذا القرن من مشكلات حضارية ، ومن تحديات مصيرية ، هو نموذج لم يتكرر في تاريخنا. . . وهم يشعرون - لذلك - بيأس شديد ، ولعلهم يحسون ، وإن كانوا لا يفصحون بأننا لن نعود إلى استئناف مسيرتنا - نحن المسلمين - وبأننا لم يعد لدينا ما يمكن أن نعطيه للحياة في عصر القوة النووية والمركبات الفضائية ، نحن الذين نستورد الساعات والسيارات والآلات البسيطة ‏!‏‏!‏ ‏.‏

إن هذا الكتاب. . . يتناول ‏"‏ أوراقا ذابلة من حضارتنا ‏"‏ من خلال تركيزه على سقوط دول إسلامية بعضها كان درسا أبديا حين كانت الأمراض خبيثة وفتاكة ، وحينما ذهبنا نطلب الدواء من عدونا. . . فكانت فرصته لإعطائنا السموم القاتلة. . . ولعل هذا الدرس لم يتضح بجلاء إلا في الأندلس وجزر البحر الأبيض المتوسط كصقلية. . .

ولعل من الملاحظات التاريخية أن القرن الذي شاهد سقوط غرناطة - آخر مصارعنا في الأندلس ‏1492م، كان نفسه الذي شاهد سنة 1453م - الفتح الإسلامي الخالد للقسطنطينية ، ذلك الفتح الذي كان من آثاره عند الإنصاف التاريخي حماية المسلمين لفترة تزيد على خمسة قرون. . .

لقد سقطت الأندلس. . . كعضو اجتمعت فيه كل عناصر السقوط ، وكان لا بد من بتره. . . فحقت عليه كلمة الله ‏!‏‏!‏

ولقد ظهرت قوة أخرى فتية زاحفة من أواسط آسيا كي تبني للإسلام تاريخا جديدا. . . ولقد أرعبت هذه القوةُ الأحقادَ الأوربية الصليبية ثلاثة قرون على الأقل ‏.‏

إن درس الأندلس لا يجوز أن يغيب عن بالنا ، ولقد كانت عناصر السقوط فيه تتشكل من عدة نقاط بارزة ‏:‏

• أولا ‏:‏ الصراع العنصري الجنسي

• ثانيا ‏:‏ ارتفاع رايات متعددة بعيدة عن راية الإسلام الواحدة المتصلة بالنفوس والعقول ‏.‏

• ثالثا ‏:‏ استعانة مسلمي الأندلس بالأعداء ضد بعضهم البعض. . .

وكل العوامل الأخرى. . . تدور حول هذه النقاط بطريقة أو بأخرى ‏!‏ ‏!‏ ولقد دفع مسلمو الأندلس جميعا ثمن أخطائهم ‏:‏ دفع الحكام الثمن حين أذلهم الله وسلبهم ممالكهم ، وهل ننسى أشعار ابن عباد البائسة ، حين أذله الله على يد المرابطين في ‏"‏ أغمات ‏"‏ بالمغرب الأقصى ‏؟‏‏؟‏ وهل ننسى قولة ابن صمادح حاكم ‏"‏ ألمرية ‏"‏ وهو يموت ‏:‏ ‏"‏ نغص علينا كل شيء حتى الموت ‏"‏ ‏؟‏ وهل ننسى دموع. . . أبي عبد الله - آخر ملوك غرناطة. . . حين رحلت به سفينة العار مودعة آخر وجود إسلامي في أوربا. . . رحلت به على أنغام الأمواج الهائجة. . . وكلمات أمه المسكينة تدوي في سمعه ‏:‏ ‏"‏ ابك مثل النساء ملكا لم تحفظه حفظ الرجال ‏"‏ ‏!‏‏!‏

ولقد دفع الشعب الإسلامي الثمن حين استسلم لأمثال هؤلاء الملوك ‏.‏ ولم يأخذ على أيديهم ، فأحرقت دوره ، وسلبت أمواله ، وأرغم على تبديل دينه ، بل وتغيير اسمه ، وحرمته الصليبية الآثمة أبسط حقوق الإنسان ‏!‏‏!‏

على أن ‏"‏ الأوراق الذابلة من حضارتنا ‏"‏ كانت مجرد تغيير في هيئة الحكم بحثا عن طموح شخصي ، أو انطلاقا من دعوى عنصرية ، أو دفاعا عن نعرة مذهبية، أو فشلا من دولة كبيرة جامعة كالعباسيين والأمويين في السيطرة على كل ما تحت يدها. . . مما يمنح الفرصة للمطامع أن تظهر ، وللنعرات أن تحكم ‏.‏
ونحن لا نستطيع القول ‏:‏ بأن هذه الأوراق كانت كلها خيرا أو شرا ، ولعل بعضها كان لفتة قوية للدول الكبرى كي تسير في الطريق الإسلامي الصحيح. . . كما أننا كذلك لا نميل إلى القول ‏:‏ بأن هذه الصفحات التي أدت إلى تغيير دولة بدولة أو حكم بحكم كانت تسير بالأمة في طريق الهاوية. . . فلا شك أن ثمة مزايا أخرى يمكن أن تكون قد تناثرت على الطريق ‏.‏

إنني لا أميل إلى ما يعتقده البعض من أن التاريخ يسير في طريق عمودي. . . سواء إلى أعلى أو على أسفل. . . عن تجربة تاريخنا الإسلامي تكشف لنا أن حركة التاريخ في دائرة الحضارات الكبرى الجامعة - كالحضارة الإسلامية - حركة لولبية - إن صح هذا التعبير - فثمة انحناءة إلى أسفل في جانب تقابلها انحناءات إلى أعلى في جوانب أخرى ، فهي حركة دورية تنتظمها مراحل الهبوط والصعود. . . الهبوط بفعل التناحر والفساد الداخليين ، والصعود بفعل الاستجابة لتحديات خارجية قوية ‏.‏ ومن اللافت للنظر أن مراحل الهبوط - في التجربة التاريخية لهذه الأمة - قد ارتبطت بأوضاع داخلية ، فهذه الأمة لم تضرب من خارجها بقدر ما ضربت من داخلها ، بل إن الأعداء الخارجين لم ينفذوا إليها إلا من خلال السوس الذي ينخر فيها من الداخل. . . ولقد أفادنا الأعداء بتدخلهم كثيرا ، وغالبا ما كان لتدخلهم فضل إيقاظ الضمير الإسلامي ، أو إعلان الجهاد العام ، أو إظهار ‏"‏ صلاح دين ‏"‏ أو ‏"‏ سيف دين ‏"‏ مما من شأنه أن يجمع المسلمين تحت راية واحدة ‏.‏

لقد كانت الأمة المسلمة قادرة بما فيها من عناصر القوة الكامنة على الاستجابة للتحديات الخارجية ، كأروع ما تكون الاستجابة للتحديات ، ولو لم ترهق هذه الأمة - في أغلب مراحل تاريخها - بحكام يشلون حركتها ، ويخنعون أمام أعدائها ، ويبددون من طاقتها حفاظا على أنفسهم. . . لو لم تكن هذه الظاهرة مستشرية على هذا النحو ، ولو أن هذه الأمة قد تركت لفطرتها وتراثها وقيمها وحضارتها التي غرسها ورعاها الإسلام. . . لو تم هذا لكان في الإمكان أن تحدث منعطفات كثيرة في تاريخ هذه الأمة ‏.‏ هي لصالحها. . . ولحساب رقيها وازدهارها‏.‏

لقد حاولت من خلال هذه الأوراق الذابلة أن أمد الطرف - في تاريخنا الإسلامي - إلى آفاق ثلاثة ‏:‏ الأندلس ‏- ‏أوروبا‏ -‏ والمشرق العربي بخلافتيه الكبيرتين - العباسية والفاطمية ‏-‏ والدول التي تبعتهما ، ثم المغرب العربي. . . وهي الأجنحة الثلاثة الشهيرة التي تزعمت العالم الإسلامي ، ومثلث القيادة الفكرية والسياسية بالنسبة لمسلمي العالم ‏.‏

ولم تكن الأوراق التي اخترتها إلا مجرد نماذج من هذه الأجنحة ‏.‏ ولربما كانت هناك دول أخرى كفيلة بمدنا بشارات من شارات طريق السقوط. . . لكن الاستقصاء ، فضلا عن صعوبته ، لم يكن من أهداف هذه الصفحات ‏.‏

إن هذا البحث. . . وجبة خفيفة من وجبات تاريخنا ‏.‏ لكنها وجبة من نوع خاص. . . ليست زاخرة بأنواع الدسم والمشهيات ، فإن جسم الحضارة كأجسام الأفراد - لا يستقيم بالدسم الدائم ‏!‏‏!‏

وهذا البحث دعوة لتشريح تاريخنا من جديد. . . وبجرأة ، فلأن نشرحه نحن - بإنصاف - أولى من أن نتركه لأدعياء المنهج العلمي يشرحونه - بحقد وعنف وإجحاف. . . ‏!‏‏!‏

وهو كذلك بحث للذين يقرءون تاريخنا. . . ليتعلموا ، أو ليناقشوا ، أو ليعرفوا معالم المستقبل ‏.‏

وتبقى في النهاية كلمة ‏:‏

لسوف تبقى هذه الأمة ، ولسوف تؤدي دورها ، لسوف تقوم من عثرتها. . . هكذا يقول لنا معلمنا العظيم. . . ‏"‏ تاريخنا ‏"‏ ذو الأربعمائة وألف سنة - أطال الله عمره‏!‏‏!‏

ولقد كبونا كثيرا. . . ثم قمنا

ولقد حاربنا العالم كله ذات يوم. . . ونجونا. . . وانتصرنا. . . فقط ثمة شرط واحد ‏:‏ أن نعرف من أين نبدأ ، وإلى أية غاية نريد ‏!‏‏!‏ ودائما يعلمنا تاريخنا أن آخر أمتنا لن يصلح إلا بما صلح به أولها ‏.‏


القسم الأول : من قصص سقوطنا في أوروبا

• القسم الأول ‏:‏ من قصص سقوطنا في أوروبا
o آخر خطواتنا في أوربا
o أحفاد صقر قريش ‏يسقطون
o سقوط ملوك الطوائف
o قصة الفردوس المفقود
o قصة أخرى من الأندلس
o ركن الفردوس يسقط
o سقوط غرناطة o------------------------------------------------------------


آخر خطواتنا في أوربا


قصة ‏"‏ الغنيمة ‏"‏ في تاريخنا غريبة ، والدرس الذي تلقيه علينا - كذلك - أغرب‏!‏‏!‏
لقد بدأت أولى هزائمنا بسبب الغنيمة ، ولقد وقفنا مرغمين - عند آخر مدى وصلت إليه فتوحاتنا ، بسبب الغنيمة - كذلك ‏!‏‏!‏

فقصة الغنيمة ‏.‏‏.‏ هي قصة الهزيمة في تاريخنا ‏.‏

كان قائد المعركة الأولى هو الرسول عليه الصلاة والسلام ‏.‏‏.‏ وخالف الرماة أمره، وخافوا من أن تضيع فرصتهم في الغنيمة ‏.‏‏.‏ فكانت ‏"‏ أحد ‏"‏ وشهد الجبل العظيم استشهاد سبعين رجلا من خيرة المسلمين ‏.‏‏.‏ بسبب الغنيمة ‏.‏‏.‏ نعم بسبب الغنيمة ‏!‏‏!‏

وكان قائد المعركة الأخيرة ‏"‏ عبدالرحمن الغافقي ‏"‏ آخر مسلم قاد جيشا إسلاميا منظما لاجتياز جبال البرانس ، ولفتح فرنسا ، وللتوغل - بعد ذلك - في قلب أوروبا ‏.‏

وهزم الغافقي ‏.‏‏.‏ سقط شهيدا في ساحة ‏"‏ بلاط الشهداء ‏"‏ إحدى معارك التاريخ الخالدة الفاصلة ‏.‏‏.‏ وتداعت أحلام المسلمين في فتح أوربا ، وطووا صفحتهم في هذا الطريق ‏.‏‏.‏ وكان ذلك لنفس السبب الذي استفتحنا به دروس الهزيمة ‏.‏‏.‏ أعني بسبب الغنيمة ‏.‏

ومنذ تم الاستقرار في المغرب العربي، وإسبانيا الإسلامية ، وهم يطمحون إلى اجتياز جبال البرانس وفتح ما وراءها ، هكذا أراد ‏"‏ موسى بن نصير ‏"‏ لكن الخليفة الوليد بن عبد الملك ‏"‏ خشي أن يغامر بالمسلمين في طريق مجهولة ثم فكر على نحو جدي ‏"‏ السمح بن مالك الخولاني ‏"‏ والي الأندلس ما بين عامي ‏(‏ 100 - 102 هجرية ‏)‏ ، وتقدم فاستولى على ولاية ‏(‏ سبتماية ‏)‏ إحدى المناطق الساحلية المطلة على البحر الأبيض المتوسط جنوب فرنسا ، وعبر - بذلك - ‏"‏ السمح ‏"‏ جبال البرانس ، وتقدم فنزل في أرض فرنسا منعطفا نحو الغرب حيث مجرى نهر الجارون ، مستوليا في طريقه على ما يقابله من البلدان ، حتى وصل إلى - تولوز - في جنوب فرنسا - لكن لم يستطع أن يستقر فيها ، وقتل السمح ، وتراجعت فلول جيشه تحت قيادة أحد قواده ‏(‏ عبد الرحمن الغافقي ‏)‏ فكأن السمح لم ينجح إلا في الاستيلاء على سبتماية ‏.‏
ثم واصل الوالي الجديد بعد ‏(‏ عنبسة بن سحيم الكلبي ‏)‏ التقدم نحو أوربا ، وإن كان قد غير طريق السير ، وتمكن من الوصول إلى ‏"‏ أوتان ‏"‏ في أعالي نهر الرون ، لكنه لم يكن حذرا فلم يؤمِّن طريق عودته فانتهى الأمر بقتله وعاد جيشه إلى أربونة في سبتماوية ‏.‏

لكن عبد الرحمن الغافقي ، كان الشخصية الحاسمة التي أرادت التقدم نحو أوربا وحرصت عليه ، وكان عبد الرحمن مشبعا بروح الإيمان والرغبة في الثأر لما أصاب المسلمين من قبل حين قتل ‏"‏ السمح ‏"‏ وحين رجع هو بالجيوش الإسلامية إلى سبتماوية ‏(‏ وقد أعلن الغافقي الدعوة للجهاد في الأندلس كلها وفي أفريقية ، وقد جاءته وفود المتطوعين من كل مكان ، كما أنه من جانبه استعد استعدادا كبيرا لهذا الغزو ‏)‏ ‏.‏

ولقد التقى المسلمون ‏(‏ عربا وبرابرة ‏)‏ بالمسيحيين بين بلدتي ‏"‏ تورو ‏"‏ و ‏"‏ بواتيه ‏"‏ على مقربة من باريس ، وكان قائد النصارى ‏(‏ شارل مارتل ‏)‏ وزير دولة الفرنجة وأمين القصر ، بينما كان ‏(‏ عبد الرحمن الغافقي ‏)‏ - يقود جيوش المسلمين‏.‏ وكانت المعركة شديدة قاسية استمرت قريبا من سبعة أيام ، وكان الجيش الفرنجي وحلفاؤه أكثر من جيش العرب ، ولكن المسلمين أحسنوا البلاء في القتال ، وكاد النصر يتم لهم ‏.‏‏.‏ لولا أن ظهرت قضية ‏"‏ الغنائم ‏"‏ ‏!‏‏!‏

لقد عرف المسيحيون أن لدى الجيش الإسلامي غنائم كثيرة حصل عليها من معاركه أثناء تقدمه من قرطبة حتى ‏"‏ بواتيه ‏"‏ ‏.‏‏.‏
وقد أثقلت هذه الغنائم ظهور المسلمين ، وكان من عادة العرب أن يحملوا غنائمهم معهم ، فيضعوها وراء جيشهم مع حامية تحميها ‏.‏
وقد فهم النصارى هذا ، ونجحوا في ضرب المسلمين عن طريق التركيز على هذا الجانب ، لقد شغلوهم من الخلف ‏.‏ من جانب الحامية المكلفة بحراسة الغنائم ‏.‏‏.‏ ولم يفطن المسلمون للتخطيط النصراني ، فاستدارت بعض فرقهم لحماية الغنائم ‏.‏‏.‏ وبالتالي اختل نظام الجيش الإسلامي ‏.‏‏.‏ ففرقة تستدير لحماية الغنائم ، وأخرى تقاتل النصارى من الأمام ‏.‏‏.‏
وعبثا حاول عبدالرحمن الغافقي إنقاذ نظام الجيش الإسلامي ، إلا أن سهما أصابه وهو يبذل محاولاته المستميتة ‏.‏‏.‏ فوضع حدا لمحاولات الإنقاذ ، وأصبح جيش المسلمين دون قيادة ‏.‏‏.‏ وتقدم النصارى فأخذوا بخناق المسلمين من كل جانب وقتلوا من جيشهم الكثير ‏!‏‏!‏

لقد كانت ‏"‏ بلاط الشهداء ‏"‏ سنة 114 هجرية آخر خطوات المد الإسلامي في اتجاه أوربا ، أو على الأقل آخر خطواته المشهورة ‏.‏
ثم توقف المد ‏.‏‏.‏ لأن بريق المادة غلب على إشعاعات الإيمان ‏!‏‏!‏
والذين يسقطون في هاوية البحث عن الغنائم لا يمكن أن ينجحوا في رفع راية عقيدة أو حضارة ‏.‏

أحفاد ‏"‏ صقر قريش ‏"‏ يسقطون

خلافة ولدت من خلافة ‏.‏‏.‏ ولئن كان أبو مسلم الخراساني ، وأبو عبيد الله السفاح قد استطاعا أن يقضيا على دولة الخلافة الأموية بدمشق سنة 132 هـ ، وأن يقتلا مروان بن محمد بحلوان مصر ، فيقتلا بقتله آخر خليفة أموي في المشرق العربي، فإن هذه الخلافة المنهارة ، قد نبتت لها بذرة غريبة الشكل والتكوين في أرض تفصلها عنها بحار ، وآلاف الأميال ‏.‏
وقد استطاع عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان ، أن يكون هو الفارس لهذه النبتة في الأندلس ، بعد مطاردة عنيفة تصلح أن تكون عملا روائيا عظيما ‏.‏‏.‏
ونجح ‏"‏ صقر قريش ‏"‏ العجيب في أن يهرب أمام الجنود العباسيين حتى وصل إلى فلسطين ، ومنها إلى مصر ، ثم إلى المغرب بعد خمس سنوات من التجول والتخفي عن عيون العباسيين ‏.‏‏.‏‏.‏
لقد كان يحكم الأندلس آنذاك يوسف بن عبد الرحمن الفهري نيابة عن العباسيين ، وقد حاول الفهري مقاومة تسلل وتجمعات عبدالرحمن الداخل ، لكنه هزم أمامه عندما التقيا سنة 139 هـ ، ودخل عبد الرحمن قرطبة ، فتأسس بذلك للأمويين الذين سقطوا في دمشق على يد العباسيين ، ملك جديد في الأندلس الإسلامية ‏.‏ لم تنجح كل محاولات العباسيين على عهد جعفر المنصور في استرداد الأندلس ، كما لم تنجح محاولات ملك الصليبيين ‏(‏ شارلمان ‏)‏ في استغلال الظروف والقضاء على صقر قريش ، واستتب بذلك الأمر للفرع الأموي الذي تكون في الأندلس ‏.‏
لقد عاش عبد الرحمن الداخل يبني ويقوي من دعائم دولته أكثر من ثلاثين سنة بعد ذلك ‏.‏
فلما مات سنة 172 هـ كان قد ترك وراءه دولة قوية البنيان توارثها أبناؤه من بعده ‏.‏‏.‏ تولاها هشام ابنه ، ثم عبد الرحمن الثاني ، إلى أن وصل الأمر إلى عبد الرحمن الثالث الملقب بالناصر ، الذي اعتبر عهده قمة ما وصلت إليه الأندلس الأموية من ازدهار وتقدم ‏.‏
وقد دام حكم الناصر هذا نصف قرن من الزمان ‏.‏ نعمت الأندلس فيه بخير فترات حياتها في ظلال الإسلام ، وطلبت ود الدولة المماليك النصرانية المحيطة بها ، وأصبحت قرطبة ، والمدن الأندلسية الأخرى ، كعبة العلوم ، ومقصد طلاب العلم، وعواصم الثقافة العالمية الراقية ‏.‏‏.‏
وفي سنة 350 هـ مات عبد الرحمن الناصر هذا ، فتربع على عرش الأندلس من بعده ولده الحكم بن عبد الرحمن الناصر ، ثم حفيده هشام الضعيف الذي تسلط عليه الحجاب وأبرز هؤلاء الحجاب المنصور محمد بن عبد الله بن أبي عامر ، الذي حكم باسم الأمويين بمعونة أم الخليفة ‏"‏ صبح ‏"‏ وتمكن من تحويل الخلافة لنفسه ولأبنائه مدة قصيرة ، مكونا خلالها الدولة المنسوبة إليه ، والمسماة بالدولة العامرية ‏.‏

ثم عادت أمور الأمويين إليهم فترات قصيرة قلقة ، إلى أن قضي عليهم قضاء أخيرا في الأندلس سنة 422 هـ ، وعلى أنقاضهم قامت مجموعة دويلات هزيلة في الأندلس عرف عهدها بعهد ملوك الطوائف ، الذي كان من أكثر عهود المسلمين في الأندلس تفككا وضعفا وانحدارا نحو هاوية السقوط ‏لقد قضى على الأمويين في الأندلس عاملان بارزان - أولهما ‏:‏ أن هؤلاء الأمويين لم يفهموا طبيعة التكوين الأندلسي ، أو فهموه ولم يقوموا بما تتطلبه طبيعته ، وأبرز سمات هذا التكوين ، وجود النصارى في ترقب دائم لأية ثغرة ينفذون منها ، وتباين الأجناس التي تعيش على أرضهم وتستظل برايتهم ، لا يجمعها إلا أقوى وشيجة في التاريخ وهي الإسلام ‏.‏ ولم يكن هناك من حل حضاري لمواجهة طبيعة هذا التكوين إلا تعميق ‏"‏ الإسلامية ‏"‏ وتجديدها بين الحين والحين ، بحركات جهاد مستمرة ضد المماليك النصرانية المتحفزة ‏.‏‏.‏ وحركات جهاد تمتص المشاكل الجنسية الداخلية ، وفي الوقت نفسه توقف النصارى عند حدودهم وتجعلهم في موقف الدفاع لا الهجوم ‏.‏

والعامل الثاني البارز كذلك ، هو ترك بعض هؤلاء الخلفاء الأمور لحُجَّابهم أو نسائهم ، مما مكن لرجل كالمنصور بن أبي عامر سرقة الخلافة دون جهد ‏.‏
ومن حقائق التاريخ التي نستفيدها من الوعي به وبقوانينه ، أن الدولة التي لا تفهم طبيعة تكوينها ، وتعمل على إيجاد حل دائم ملائم لهذه الوضعية ، تكون معرضة للزوال ‏.‏‏.‏ وهذا هو الأمر الذي آلت إليه أمور بني أمية في الأندلس بعد حياة دامت قريبا من ثلاثة قرون ‏.‏‏.‏

وسقط ملوك الطوائف

عندما أوشكت الخلافة الأموية في الأندلس على السقوط ، لم تسقط دفعة واحدة ‏.‏
لقد جرى عليها ما جرى على الفاطميين بعد ذلك في مصر ، وما جرى على المماليك أيضا ‏.‏‏.‏ لقد ضاعت الزعامة منهم عبر انقلاب سلمي لم ترق فيه قطرة دم - بالمعنى المباشر للانقلابات الدموية - ‏لقد ولي أمر الخلافة طفل في السابعة من عمره يدعى ‏"‏ هشاما ‏"‏ ولما لم يكن بإمكانه حكم البلاد ، فقد كانت أمه ‏"‏ صبح ‏"‏ وصية عليه ، ولم تستطع صبح هذه أن تنفرد بالسلطة ، فقد أشركت معها في الأمر رجلا من أغرب الرجال وأقدرهم يدعى ‏"‏ المنصور بن أبى عامر ‏"‏ ‏.‏‏.‏

وقد نجح هذا المنصور في أن يعبر الانقلاب السلمي بنجاح ، ويحول الخلافة الأموية في الأندلس إلى ملك ينتسب إليه ، ويرثه أبناؤه من بعده ‏!‏‏!‏ وإن كان لبني أمية الاسم الرمزي والخلافة الصورية ‏.‏

ولم يمض أكثر من أربعين سنة حتى كانت دولة العامريين قد أصبحت آخر ومضة تمثلت فيها دولة الخلافة الأموية في الأندلس ، وبسقوط دولة العامريين التي قامت على غير أساس ، انفرط عقد الأندلس ، وظهر بهذه الأرض الطيبة عصر من أضعف وأردأ ما عرف المسلمون من عصور الضعف والتفكك والضياع ‏.‏
لقد ورث خلافة الأمويين أكثر من عشرين حاكما في أكثر من عشرين مقاطعة أو مدينة ، وقد انقسم هؤلاء الحكام إلى بربر وصقالبة وعرب ، وكانت بينهم حروب قومية لم يخمد أوارها طيلة السنوات التي حكموا فيها ، ولقد ترك هؤلاء الملوك المستذلون الضعاف الملوك النصارى يعيشون بهم ويتقدمون في بلادهم ، وانشغلوا هم بحروبهم الداخلية ، وباستعداء النصارى ضد بعضهم البعض ، وتسابقوا على كسب النصارى ، وامتهنوا في ذلك كرامتهم وكرامة الإسلام ، فدفعوا الجزية وتنازلوا طوعا عن بعض مدنهم للنصارى ، وحاربوا في جيوش النصارى ضد المسلمين من إخوانهم في المدن الأخرى من أرض الأندلس الإسلامية ‏.‏

ولا يستطيع المرء أن يزعم أن باستطاعته أن يحصي كل مساوئ الفترة المسماة بفترة ملوك الطوائف ‏.‏
ولقد أدى التنافس بين هؤلاء الملوك إلى رفعة منزلة الشعراء والأدباء والمطربين ، ولم يكن ذلك حبا في الأدب ، ولا إعجابا بفن الطرب ، وإنما كان ذلك من جملة أساليبهم في حرب بعضهم البعض ، وفي محاولة تحصيل المجد والشهرة المزيفين‏.‏
وقد اشتهر من بين هؤلاء الملوك المتنافسين أسرة بني عباد ، التي نبغ فيها المعتمد بن عباد كأمير مشهور عاطفي ، وكشاعر كبير ذي قلم سيال ‏!‏‏!‏
ولقد استفحل الخلاف والتنافس بين هؤلاء الملوك ، كما استفحل كذلك ضعف كل منهم ، وكان من نتائج ذلك طمع النصارى في إشبيلية وفي المدن الأندلسية الأخرى ‏.‏
ولئن كان للمعتمد بن عباد من فضل ، فإن ذلك الفضل لن يكون إلا في محاولته مقاومة هذا الخطر حين رأى دنوه من أبواب المسلمين ‏.‏
ولم يكن أمامه من مخرج غير الاستعانة بقوة المغرب العربي ‏.‏‏.‏ فاستعان بالمرابطين في المغرب الأقصى ، وعندما كان بقية ملوك الطوائف يبدون خشيتهم من المعتمد ، قال لهم كلمته المشهورة ‏:‏ ‏"‏ لأن أرعى الجمال في صحراء العرب خير من أرعى الخنازير في أرض الصليبيين ‏"‏ ‏.‏
ولقد تقدم زعيم المرابطين يوسف بن تاشفين فعبر البحر و ‏(‏ جبل طارق ‏)‏ لنجدة المسلمين في الأندلس وحقق في ‏(‏ معركة الزلاقة ‏)‏ سنة 479 هـ ‏(‏ 1086 م ‏)‏ انتصارا كبيرا ساحقا على النصارى كان من أثره مد عمر الإسلام في الأندلس فترة أخرى من الزمن ‏.‏
ولقد تبين ليوسف بن تاشفين بعد ذلك أن ملوك الطوائف هؤلاء ليسوا أهلا للبقاء في مراكز السلطة في الأندلس ، وجاءته النداءات والفتاوى من العلماء كالغزالي بوجوب الاستيلاء على الأندلس فاستولى على الأندلس وأعاد إليها وحدتها ، وطرد هؤلاء الطائفيين الذين كانوا يخشون قدومه ، ويفضل بعضهم النصارى عليه ‏.‏

وفي مدينة ‏(‏ أغمات ‏)‏ بالمغرب الأقصى عاش ‏(‏ ابن عباد ‏)‏ أشهر ملوك الطوائف بقية أيامه فقيرا ذليلا لا يجد ما يكفيه ‏!‏‏!‏
إن هذه هي النتيجة الطبيعية لكل ملوك طوائف في كل عصر ، فالذين يخشون الموت سيموتون قبل غيرهم ، والذين يحسبون للفقر حسابه مضحين بكرامة دينهم ووجود أمتهم ‏.‏‏.‏ سوف يصيبهم الفقر من حيث لا يشعرون ‏.‏
ولقد نسي ملوك الطوائف هذه الحقائق ‏.‏‏.‏ فنغص الله كل شيء عليهم حتى الموت ، كما قال ابن صمادح الطائفي حاكم ‏(‏ ألمرية ‏)‏ وهو يحتضر ويسمع أصداء الهجوم على قصره ، فليبحث ملوك الطوائف في كل عصر عن الحياة ، حتى لا يبحثوا ذات يوم عن الموت فلا يجدوه ، وحتى لينغص الله عليهم كل شيء حتى الموت ‏.‏‏.‏ فتلك سنة الله ‏.‏

ولن تجد لسنة الله تبديلا ‏.‏‏.‏‏.‏

قصة الفردوس المفقود

كانت السنوات الأولى من القرن الخامس الهجري ‏"‏ الحادي عشر الميلادي ‏"‏ تحمل في أحشائها وباء خطيرا على الأندلس الإسلامية ‏.‏
لقد سقطت الدولة العامرية ، آخر حامية للدولة الأموية في الأندلس ، ولقد ظهر أن أحفاد عبد الرحمن الداخل الأمويين أقل من أن يقوموا بعبء حماية الإسلام الأندلسي ‏.‏
وكان البربر قد هاجر كثير منهم إلى الأندلس بحثا عن سلطة أو زعامة ، وكان الصقالبة وهم مجموعة من النازحين إلى الأندلس من طوائف مسيحية مختلفة ، كان هؤلاء الصقالبة يشكلون بدورهم عنصرا من عناصر الوجود في الحياة الإسبانية الإسلامية ‏.‏
ومن هذه القوميات المتناطحة تشكل الوجود الأندلسي غرة القرن الخامس الهجري ‏.‏‏.‏ فلما سقطت خلافة الأمويين الإسلامية في الأندلس ، نتيجة امتصاص طاقتها في مشاحنات داخلية ‏.‏‏.‏ تحركت كل هذه الطوائف المقيمة فوق أرض الأندلس الإسلامية تبحث عن السلطة والامتلاك ‏.‏
وبدلا من أن تتحد قواهم في وجه المسيحيين المجاورين لهم وبدلا من أن يرفعوا راية الإسلام والجهاد ‏.‏‏.‏ كأمل ينقذ أندلسهم من التحدي الصليبي المتربص بهم ‏.‏‏.‏ بدلا من هذا ‏.‏‏.‏ أعلنوا أحقاد القومية الطائفية والنعرات الجنسية ‏!‏‏!‏
وظهر في الأندلس أكثر من عشرين دولة يتقاسمها الأندلسيون والبربر والعرب والصقالبة ‏.‏‏.‏ ففي كل مدينة دولة ، بل ربما اقتسم المدينة أكثر من طامع ومنافس‏.‏

واستمر أمر هذه الدول أو هذه المدن المتنافسة التي عرف حكامها بملوك الطوائف ‏.‏‏.‏ استمر أمرها أكثر من خمسين سنة ‏.‏‏.‏ امتهن فيها الإسلام والمسلمون ، وتوسل كل ملك منهم بالنصارى ضد إخوانه المسلمين ، ووقف ابن حيان ‏"‏ - مؤرخ الأندلس - يستشف ما وراء الحجب ويقول لأبناء جنسه ‏:‏

يا أهل أندلس شدوا رواحلكم ** فمـا المـقام بها إلا من الغلـط
الثوب ينسل من أطرافه وأرى ** ثوب الجزيرة منسولا من الوسط
من جاور الشر لا يأمن بوائقه ** كيف الحياة مع الحيات في سفط

لقد فشل ملوك الطوائف في أن يلموا شعثهم ، وأن يتكتلوا ضد النصارى ‏.‏‏.‏ ومن عجيب المقادير أن ‏"‏ ألفونسو السادس ‏"‏ ملك قشتالة وليون واستوريا ، كان يتظاهر بحماية هؤلاء الملوك المسلمين ، ويأخذ منهم الجزية والإتاوات التي يرفع من قيمتها سنة بعد أخرى ، واستطاع أن يعد عدته من الإتاوات التي يفرضها عليهم ليلتهمهم بها كلهم ‏.‏‏.‏ وكان آخر ما التهمه ألفونسو من أرض المسلمين تحت سمع وبصر هؤلاء الإسلاميين بل وبمساعدة بعضهم ‏.‏‏.‏ مدينة طليطلة سنة 478 هـ 1085م ‏.‏

وعند هذه الموقعة تأكد لدى أكبر ملك من ملوك الطوائف ‏"‏ المعتمد بن عباد ‏"‏ أن ألفونسو يريد الالتهام ‏.‏‏.‏ ولا أقل من الالتهام الكامل ‏.‏‏.‏ وفكر المعتمد في وسيلة الإنقاذ ‏.‏‏.‏ وضعته الأقدار أمام حل واحد لم يكن له خيار فيه ‏.‏

لقد قرر أن يستنجد بالمرابطين المسلمين الموجودين في المغرب الأقصى كقوة إسلامية ناشئة ‏.‏‏.‏
وقد نجح المرابطون في إيقاف الزحف النصراني ، وأذلوا كبرياء ألفونسو ، واستردوا كثيرا من مدن الإسلام ، ولم يحاول الأندلسيون بناء أنفسهم ‏.‏‏.‏ لم يحاولوا صنع التقدم من خلال الذات ‏.‏‏.‏ لقد اعتادوا تسول النصر واستيراد البقاء من إخوانهم المغاربة المسلمين ‏.‏
وحقيقة ‏.‏‏.‏ نعم حقيقة ‏.‏‏.‏ بقيت الأندلس إسلامية باستيرادها النصر أيام المرابطين ثم أيام الموحدين ثم أيام بني مرين ‏.‏‏.‏ وبقيت مملكة غرناطة الإسلامية وحدها أكثر من مائتي سنة تصارع الموت - كوهجة الشمس قبل الغروب ‏.‏
ولكن قانون الحضارة كان قد قال كلمته ‏.‏‏.‏ فإن الذين فشلوا في أن يخلقوا من أنفسهم قوة قادرة على الحياة ما كان ينفعهم أن يشتروا النصر أو يستوردوه ‏.‏

وفي سنة ‏(‏897هـ ‏)‏ 1542م سقطت غرناطة آخر ممالك الإسلام في الأندلس ، وطرد المسلمون شر طردة ‏.‏ وكانت هذه هي النهاية التي تنبأ بها الشاعر ابن حيان وغيره من هؤلاء الذين أدركوا قانون البقاء الذي هو من سنة الله ‏.‏
نعم ‏:‏ أدركوا أن التاريخ لا يقوم بالاستيراد ، ولا تنتصر حركة تقدمه بالمتسولين ‏!‏