البيانات المذكورة منقوله من كتاب ( أعلام وأقزام في ميزان الاسلام ) جمع وترتيب الدكتور سيد بن حسن العفاني


(( كتب الشيخ محمد عبده في المنار 1902/1322 هـ بمناسبة مرور مائة سنة على تأسيس ملك هذه الأسرة قال :
إن لمحمد علي ثلاثة أعمال كبيره وكان كل منها موضوع خلاف نافعاً كان أو ضاراً بالمسلمين في سياستهم العامة
1-تأسيس حكومة مدنية في مصر ( أي علمانية ) كانت مقدمة لاحتلال الأجانب لها .
2-قتاله للدولة العثمانية بما أظهر به للعالم كله ولدول أوربا خاصة ضعفها وعجزها وجرأهم على التدخل في أمور سياستها .
3-مقاتلتة الوهابية والقضاء على ما نهضوا به من الإصلاح الديني في جزيرة العرب مهد الإسلام ومعقلة .
وكتب الشيخ محمد عبده في العدد التالي مقالة بإمضاء مؤرخ قال :
هذا يعني أن محمد عبده ومدرسته لا ينسون مساوئ محمد علي في نسخ الأحكام الشرعية وإعلان – العلمانية – في مصر , وهو أول من تجرأ في العالم الإسلامي على استبدال القوانين الأوربية بالشريعة الإسلامية , ولا ينسون قتاله لخليفة المسلمين مما يعد حَرابة , ولا ينسون قضاءه على دولة السعوديين العربية المسلمة المُصلحة السلفية , ولا ينسون أن ( توفيقاً ) هو الذي تآمر على ثورة عرابي واستدعى الانجليز لاحتلال مصر واحتمى بجيشهم ..))

قال الشيخ محمد عبده :
(( ما الذي صنع محمد علي ؟ .. لم يستطع أن يحيي ولكن استطاع أن يميت . كان معظم قوة الجيش معه , وكان صاحب حيلة بمقتضى الفطرة , فأخذ يستعين بالجيش وبمن يستميله من الأحزاب على إعدام كل رأس من خصومه , ثم يعود بقوة الجيش ويحز آخراً على من كان معه أولاً وأعانه على الخصم الزائل فيمحقة , وهكذا . حتى إذا سحقت الأحزاب القوية وجه عنايته إلى رؤساء البيوت الفيعة , فلم يدع منها رأساً يستتر فيه ضمير (أنا) . واتخذ من المحافظة على الأمن سبيلاً لجمع السلاح من الأهلين . وتكرر ذلك منه مراراً حتى فسد بأس الدين . وزالت ملكة الشجاعة منهم . وأجهزر على ما بقي في البلاد من حياة وفي أنفس بعض أفرادها , فلم يُبق في البلاد رأساً يعرف نفسه حتى خلعه من بدنه , أو نفاه مع بقية بلده إلى السودان فقلك فيه .
أخذ يرفع الأسافل ويعليهم في البلاد والقرى , كأنه كان يحن لشبه فيه ورثه عن أصله الكريم , حتى انحط الكرام , وساد اللئام , ولم يبق في البلاد إلا آلات له يستعملها في جباية الأموال وجمع العساكر بأية طريقة وعل أي وجه , فمحق بذلك جميع عناصر الحياة الطيبة من رأي وعزيمة واستقلال نفسي ,ليصير البلاد المصرية جميعاً إقطاعاً واحداً له ولأولاده , على أثر إقطاعات كثيره كانت لأمراء عدة ))


ثم يقول ايضا الشيخ محمد عبده :
(( إن محمد علي قد ملأ مصر بالأجانب والدخلاء , يستعين بهم على إقرار نفوذه , وأذل المصريين بإطلاق يد هؤلاء الدخلاء فيهم , يحكمون على هواهم , لا هدف لهم إلا مرضاة الأمير صاحب الإقطاع الكبير ))
ثم ينفي عنه ما يُنسب إليه من إصلاح بل ينسب إليه قتل كل روح للشهامة أو النخوة في مصر , مما ظهر أثره عند غزو الإنكليز لها , فيقول :
(( حمل الأهالي على الزراعة , ولكن ليأخذ الغلات . ولذلك كانوا يهربون من ملك الأطيان كما يهرب غيرهم من الهواء الأصفر والموت الأحمر , وقوانين الحكومة لذلك الهد تشهد بذلك .
يقولون إنه أنشأ المعامل والمصانع . ولكن هل حبب إلى المصرين العمل والصنعة حتى يستبقوا تلك المعامل من أنفسهم ؟.. وهل أوجد أساتذة يحفضون علوم الصنعة وينشرونها في البلاد ؟.. أين هم ؟.. ومن كانوا ؟.. وأين آثرهم ؟.. لا .. بل بغض إلى المصريين العمل والصنعة وبتسخيرهم في العمل والاستبداد بثمرته . فكانوا يتربصون يوماً لا يعاقبون فيه على هجر المعمل والمصنع لينصرفوا عنه ساخطين عليه , لا عنين الساعة التي جاءت بهم إليه .
يقولون إنه إنشأ جيشاً كبيراً فتح به الممالك ودوخ به الملوك . وأنشأ اسطولاً ضخماَ تثقُل به ظهور البحار , وتفتخر به مصر وعلى سائر الأمصار , فهل علم المصريين حب التجند , وأنشأ فيهم الرغبة في الفتح والغلب , وحبب إليهم الخدمة في الجندية , وعلمهم الافتخار بها ؟.. لا .. بل علمهم الهروب منها , وعلم آباء الشبان وأمهاتهم أن ينوحوا عليهم معتقدين أنهم يساقون إلى الموت بعد أن كانوا ينتظمون في أحزاب الأمراء ويحاربون ولا يبالون بالموت إيام حكم المماليك .. هل شعر مصري بعظمة أسطوله أو بقوة جيشه ؟ وهل خطر ببال أحد منهم أن يضيف ذلك إليه , بأن يقول : هذا جيشي وأسطولي , أو جيش بلدي وأسطوله ؟ .. كلا .. لم يكن شئ من ذلك .. فقد كان المصري يعد ذلك الجيش وتلك القوة عوناً لظالمه , فهي قوة لخصمه .
ظهر هذا الأثر عندما جاء الإنكليز لإخماد ثورة عرابي . دخل الإنكليز مصر بأسهل ما يدخل به دامر على قوم ( الدامر هو الذي يدخل على القوم بلا استئذان) . ثم استقروا ولم توجد في البلاد نخوة في رأس تثبت لهم أن في البلاد من يحامي عن استقلالها . وهو ضد ما رأيناه عند دخول الفرنساويين في مصر . وبهذا رأينا الفرق بين الحياة الأولى والموت الأخير , وجَهله الأحداث فهم يسألون أنفسهم عنه ولا يهتدون إليه ))
وعند ذلك يبلغ محمد عبده قمة العنف والهياج , وقد أوشك أن يختم مقاله فيقول :
(( لا يستحي بعض الأحداث من أن يقولوا أن محمد علي جعل من جدران سلطانه بِنيَةً من الدين . أي دين كان دعامة للسلطان محمد علي ؟ .. دين التحصيل ؟.. دين الكرباج ؟ .. دين من لا دين له إلا ما يهواه ويريده ؟ وإلا فليقل لنا أحد من الناس : أي عمل من أعماله ظهرت فيه رائحة الدين الإسلامي الجليل ))
وانظر إلى المقال الذي هاجم فيه رشيد رضا محمد علي لتعرف أي صنف من الرجال كان محمد علي .. وتعال معي إلى بسط سيرته
(( بقول توينبي أن مصر بدأت تتجه نحو الاصطباغ بالصبغة الأوروبية منذ أيام محمد علي متفوقة على تركيا كما يرى جب انها سبقت تركيا في ذلك ))
منقوول