د / حسن الحيوان
الطغيان والتجبر نجد ذِكرهما واضحًا في القَصص القرآني بشأن موسى عليه السلام وفرعون, وتتكرر القِصص بين الأمم لنستخلص منها العبر.
{إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّه كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}.
أولاً: فرِّقْ تسد؛ لابد من تفرقة الناس ليدين الجميع للطاغية.
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ. إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ}.
هامان يمثل كبير الكهنة، وقارون يمثل الرأسمالية المتوحشة.
ثانيًا: لابد للطاغية من تحالف كل من: الكهنة، ورجال الأعمال الذين يمتصون دماء الشعب، وسيعملون على تزييف وعي الناس، ثم يساندون الطاغية للسيطرة على الحكم حتى يستمر نهبهم للأموال, يعني: تحالف السياسيين والدينيين والماليين ويتبقى العسكر.
{إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ}.
ثالثًا: لابد للطاغية أن يسيطر على الجنود ليستطيع قتل معارضيه، وقد نسب اللهُ الجنودَ إلى فرعون وإلى كبير الكهنة {وَجُنُودَهُمَا}؛ لأن الجنود لن يطيعوا السلطة السياسية في قتل طائفة من الشعب إلا بموافقة كبير الكهنة.
{قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ. وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ. قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ. فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ. وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ}.
رابعًا: الطاغية يبدأ بحرب إعلامية ضد معارضيه؛ "سمحنا لهم بدخول الحياة السياسية، وأعطيناهم الفرصة ليندمجوا في المجتمع ويكفوا عن الإرهاب".
{قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ. يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ. فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ. وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ. لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ. فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ. قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ}.
خامسًا: لا تتعجل في القتل، بل اجمع سحرة الإعلام ليقلبوا الحقائق للناس حتى يطيعوا الطاغية، وبالطبع كل ذلك مقابل المال وتقرب الإعلاميين من الطاغية.
{قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ}.
سادسًا: تكميم الأفواه، بالضغط على حرية الرأي، خصوصًا المعارضة للطاغية.
{وَقَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَه لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ}.
سابعًا: انتظر حتى يقوم الإعلام بشيطنة تلك الطائفة؛ ليظن الناس أنهم سبب كل المشاكل! انتظر حتى يتم توفير المبررات؛ لتتدخل بإدارة شئون البلاد.
{وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّه إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ}.
ثامنًا: لا تقتل دون ترتيب؛ اجعل الناس وكأنهم يطلبون منك قتل المعارِضين؛ ليكون الناس مسئولين معك عن سفك الدماء، وحتى لا يمكنهم التبرؤ منك، وليكن سبب لجوء الناس إليك أن هؤلاء يُسيئون للدين، وما هم إلا تجار دين.
{إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ}.
{فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ. إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ. وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ. وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ}.
تاسعًا: لا تنتظر أن يحتشد لك الناس ليفوضوك، بل احشرهم في الميادين حشرًا، وأَرسِل من يحشر لك الناس من كل مكان، وبيِّن للعالم كله أن الآخرين شرذمة قليلون مقارنةً بالملايين التي تطلب منك قتلَ المعارضين.
{وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ. فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِه وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَه أَلاَ إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ}.
عاشرًا: إذا انتعش الاقتصاد فيجب أن تنشر بين الناس أن ذلك بفضل جهودك. أما إذا أصاب اللهُ البلادَ بالقحط والغلاء فيجب أن تُلقى المسئولية كاملةً على موسى ومَنْ معه؛ لأنهم فاشلون ودمروا الاقتصاد ويعطلون المرور وعجلة الإنتاج.
وأخيرًا، الدرس الذي لا يتعلمه الطغاة:
{وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُه فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ. فَأَخَذْنَاه وَجُنُودَه فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ}.
وختامًا، النتيجة:
{وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ. وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ}.
المصدر: المسلم