مكتــــبة مولاي زيدان والتاريخ الأندلسي المغربي المسروق
مبنى الاسكوريال في مدريد و الذي يضم مخطوطات مكتبة مولاي زيدان

تعتبر مكتبة مولاي زيدان من أكبر مكتبات العالم، كانت تضم 8 آلاف من الكتب والمخطوطات النادرة والثمينة بقي منها 3 آلاف فقط توجد حاليا بمكتبة الأسكوريال بمدريد.
فقد تعرضت المكتبة للقرصنة في عصر مولاي زيدان في الفترة ما بين 1612 و 1671 حيث لم يبق من 8000 مخطوط إلا ثلاثة آلاف فقط موجودة بكاملها الآن بمكتبة.. «الأسكوريال» بمدريد. رأيان يختلفان في موضوع القرصنة، فهناك جدل واسع بين مؤرخين يقولون إن رواية تعرض المكتبة للقرصنة حقيقة لا محاد عنها. في الوقت الذي يؤكد فيه آخرون أن الملك فيليب الثاني اشترى هذه المكتبة عبر وسيط له في لشبونة.

أن قصة هذه المكتبة تبدأ من دير الأسكوريال بضواحي مدريد، نقلت إليها كنوز المعرفة المكتوبة بكل لغات الدنيا، وكان من بينها مكتبة خاصة لسلطان مغربي من السعديين، خمسة آلاف مخطوط جمعت كل أصناف المعرفة وبكل لغات الأرض، إنها المكتبة الخاصة بالسلطان مولاي زيدان جمعها من أنحاء المعمور وأضافها إلى مكتبة أحمد المنصور الذهبي الذي كان يقايض الكاتب بالذهب.
اضطر مولاي زيدان شحن مكتبته من ميناء اسفي (مدينة ساحلية مغربية) وتعرضها في عرض البحر للسلب، ثم نقل محتوياتها إلى إشبيلية أو إلى غرناطة قبل انتقالها إلى دير الأسكوريال كمحطة أخيرة. في السياق ذاته، أن تنشيطاً جرى بين إسبانيا والثقافة العربيَّة ، فى القرن الثامن عشر ، مع عناية الملك كارلوس الثالث المتوفى 1788 ميلاديَّة ( 1202 هجريَّة) بالعلوم والآداب العربيَّة ، فقام بتوسيع المكتبة الملكية وتنظيم مكتبة دير الإسكوريال وجعل معرفة اللغة العربيَّة مسوغاً لترقية الموظفين .
تم تشييد دير الإسكوريال بعد خروج العرب من الأندلس بنصف قرن أو يزيد، فقد تم بناؤها سنة 1557 ميلاديَّة ، وجمع فيه الملك فيليب الثانى بقايا المخطوطات العربية المتناثرة فى غرناطة.. فكانت نواة مكتبة الدير 183 مجلداً مخطوطاً .

وفى سنة 1614 ميلاديَّة (1023 هجرية) حدثت واقعةٌ مشهورة ، فقد كان مولاى زيدان أحد سلاطين المغرب يفر بكنوزه ومكتبته الخاصة - التى تحوى ثلاثة آلاف مجلد مخطوط - من سطوة أبى مجلى فركب مولاى زيدان سفينة إلى أغادير - مدينة ساحلية مغربية - وهناك رفض ربان السفينة تفريغَ حمولتها ، مالم يعطه مولاى زيدان 36.000 فرنك ! فلم يستطع دفعها ، وأبحر الربان بالكتب إلى مرسيليا .. وفى الطريق، استولى القراصنة الإسبان على السفينة وما فيها ، فأمر الملك فيليب الثالث بأن توضع هذه المخطوطات العربية فى مكتبة دير الإسكوريال !
وفى سنة 1671 ميلادية ( 1082 هجريَّة) شبَّ حريقٌ عظيمٌ فى المكتبة، فالتهمت النارُ أغلب المخطوطات، ولم يبق بها غير 1900 مجلد مخطوط باللغة العربية، إلى جانب المخطوطات اللاتينية والعبرية .. لكن المكتبة عادت للنمو مع الأيام، وتزايدت مع الوقت أعدادُ المخطوطات فيها، خاصة بعد أن أُضيف إليها سنة 1876ميلادية (= 1293 هجريَّة) خمسةُ آلاف مجلد ، بأمر ملكى .
وطبقاً لآخر فهارس مكتبة الإسكوريال وهو الفهرس الذى نشره الدكتور رينو بباريس سنة 1939، فإن المكتبة تشتمل اليوم على الآتى:
4000 كتاب مطبوع،
1900 مخطوطة عربية
700 مخطوطة يونانيَّة
2086 مخطوطة لاتينية
73 مخطوطة عبريَّة

وقد نالت مكتبة الإسكوريال الكثير من عناية المستشرقين والمفهرسين، وقد عرض نجيب العقيقى فى كتابه (المستشرقون) لمجموعة الفهارس التى حصرت محتويات المكتبة ، ثم أشار إلى وجود مجموعات أخرى من المخطوطات العربيَّة فى خزائن ومكتبات إسبانيا .. فمن ذلك :
* مكتبة مدريد الوطنية، وتضم 606 مخطوطة (مفهرسة)
* مكتبة جمعية الأبحاث العلميَّة فى خونته ولها فهرس يقع فى 320 صفحة .. ثم ضمت إليها مكتبة المجلس الأعلى للأبحاث العلمية .
* مكتبة الإقامة الإسبانية فى تطوان وبها 5650 كتاباً و757 مخطوطة.
* مكتبات الجامعات والمعاهد والمراكز ومجمع التاريخ، ولكل منها فهرس مستقل.
وبالإضافة إلى هذه المكتبات (العامة) هناك مجموعةٌ كبيرة من المخطوطات العربية، تضمها المكتبات الخاصة لكبار المستشرقين الإسبان المعاصرين ، أمثال: جانيجوس، وكوديرا، وآسين بلاثيوس.. وغيرهم من أعلام الاستشراق الإسبانى ، الذين حظوا دوماً بتقدير المجامع العلمية المتخصصة.
غير أن مجموعةَ دير الإسكوريال تظل أكثر مجموعات المخطوطات العربية فى إسبانيا شهرة وأهمية ، خاصة مع تلك الحقيقة التى أشار إليها نجيب العقيقى، بقوله : لم ينشر من مخطوطات مكتبة الإسكوريال العربية، سوى بضع عشرات ! وهى إشارة تدعو إلى العناية بهذه الذخيرة التراثية .
والمخطوطات العربية المحفوظة فى خزانة دير الإسكوريال ، منها ماهو نادر شديد الندرةِ، ولاتوجد منه نسخةٌ أخرى فى أى مكتبةٍ من مكتبات العالم، مثل مخطوطة كتاب العلامة ابن خلدون لُباب المحصل( ) الذى تحتفظ خزانة الدير بنسخته الوحيدة، وهى النسخة التى كتبها ابن خلدون بخط يده سنة 752 هجريَّة بقلمٍ مغربى( و لا يسمح لمثل هده النسخ لمسها باليد ).
وهناك ، علاوةً على ما سبق ؛ مجموعة مخطوطات نادرة ضمن مجموعة الإسكوريال. نذكر منها :
* شرح رسالة جالينوس إلى أغلوقن فى التأتِّى لشفاء الأمراض ، لعلى بن رضوان (كُتبت سنة 473 هـ) .
* كتاب المقامات، للحريرى (أبى محمد القاسم بن على البصرى، المتوفى 516 هجريَّة) .. وهى مخطوطة جيدة، كُتبت فى حياة مؤلِّفها، سنة 483 هـ.
* شرح فصول أبقراط، لجالينوس. ترجمة حنين بن إسحاق العِبَادى ، المتوفَّى سنة 260 هجريَّة. كُتبت بقلمٍ مغربى ، سنة 494 هـ .
* الكامل فى اللغة ، للمُبرِّد (أبى العباس محمد بن يزيد الأزدى ، المتوفى 285 هجريَّة) كُتبت سنة 512 هـ.
* الاقتضاب فى شرح أدب الكُتَّاب، لابن السِّيد البطليوسى (أبى محمد عبد الله بن محمد، المتوفَّى 521 هجريَّة) .. وهى نسخة جيدة،كُتبت قبل وفاة مؤلِّفها بست سنوات (سنة 515 هجريَّة) .
* القانون فى الطب ، لابن سينا (الشيخ الرئيس، أبى على الحسين بن سينا ، المتوفى 428 هجريَّة) .. وهى مخطوطة جيِّدة، قديمة، كُتبت سنة 525 هجريَّة.
* الرسالة القشيريِّة، للإمام القشيرى (أبى القاسم عبد الكريم بن هوازن النيسابورى، المتوفى 465 هجريَّة)كُتبت سنة 530 هجريَّة .
* الإيضاح فى النحو، لأبى على الفارسى (المتوفى 377 هجريَّة) .. وهى مخطوطة جيدة، يعود تاريخ نسخها إلى سنة 535 هـ.
* منافع الأعضاء ، لجالينوس (ترجمة حنين بن اسحاق) كُتبت سنة 539 هجريَّة.
* نظم العقود ورقم الحلل والبرود، للكومى (أبى عبد الله محمد بن عبد الحق المالكى، المتوفى 625 هجريَّة) كُتبت فى حياة مؤلِّفها، سنة 588 هـ.
* طيف الخيال، للشريف الرضى (أبى الحسن محمد بن الحسين بن موسى الموسوى، المتوفى 406 هجريَّة) كُتبت بمدينة حلب، سنة 591 هـ.
* شرح الجمل فى النحو، لأبى الحسن على بن خروف الإشبيلى (المتوفى 606 هجريَّة) كُتبت قبل وفاة مؤلِّفها بعشرة أعوام، سنة 596 هـ.
* المدخل إلى تقويم اللسان وتعليم البيان، لأبى عبد الله السبتى (المتوفى 570 هجريَّة) كُتبت بعد وفاة مؤلِّفها بقليل ، سنة 607 هـ.
* الفصيح فى اللغة، للإمام ثعلب (أبى العباس أحمد بن يحي الشيبانى، المتوفى 291 هجريَّة) وهى مخطوطة جيدة، بأولها تملك وقراءات، كُتبت سنة 611 هـ.
* المنتخب فى شرح لامية العرب، لابن أبى طى (أبى الفضل يحي بن حميدة الحلبى، المتوفى 630 هجريَّة) .. وهى مخطوطة جيدة، كُتبت فى حياة مؤلِّفها، سنة 618 هـ.
* شرح المقدمة الجزولية، للشلوبينى (أبى على عمر بن محمد الأزدى، المتوفى 645 هجريَّة) كُتبت فى حياة مؤلِّفها، سنة 622 هـ.
* أخبار عقلاء المجانين، لأبى الأزهر محمد بن زيد النحوى ( المتوفى 325 هجريَّة) مخطوطة جيِّدة، يعود تاريخ نسخها إلى سنة 670 هـ.

وفى عام 1997 قامت الملكة صوفيا ملكة إسبانيا بإهداء مكتبة الإسكندرية تلك الهديَّة التى لاتقدَّر بثمن ، حين قدَّمت نسخةً ميكروفيلميَّة (كاملةً) من مجموعة مخطوطات دير الإسكوريال .. ففتحت الملكة صوفيا بذلك نافذةً عظيمة للإطلال على هذه الثروة التراثيَّة التى طالما تمنَّى الباحثون أن يتمكَّنوا من نَهْلِ المعارف من ذخائرها المخطوطة التى توارت طويلاً عن الأنظار خلف جدران هذا الدير العتيق الأثرى



منقولة اليكم للمعلومات