الدروس الحسنية في المغرب

من عهد السلطان المولى اسماعيل الى عهد جلالة الملك محمد السادس

ديبلوماسية دينية واشعاع حضاري مغربي
في كل عام وفي شهر رمضان تنظم في المغرب دروس دينية تسمى بالدروس الحسنية نسبة الى الملك المغفور له الحسن الثاني وهي دروس انتشر صيتها في جميع ارجاء العالم الاسلامي وطبعت هذه الدروس بطابع شهرمضان في المغرب اذ انه اصبح لا يتصور ان يمر شهر رمضان في المغرب بدون ان تكون هناك دروس حسنية هذه الدروس عرفت انتشارا كبيرا واشعاعا دينيا تخطى حدود الدولة المغربية الى جميع اصقاع العالم الاسلامي وساهمت بدون شك في تخليد اسم الراحل الحسن الثاني .

تاريخيا عرفت هذه الدروس مراحل من الاشعاع والخفوت وحظيت بعناية خاصة عهد الدولة العلوية حيث اقيمت في عهد السلطان المولى اسماعيل وهو سلطانا مغربيا من سلالة العلويين 1672_ 1727 وفي عهده كانت الدولة العلوية في المغرب في ازهى ايامها وانتقلت عاصمة المغرب انذاك من مدينة مراكش الى مدينة مكناس وكان هذا السلطان يكرم العلماء ويقوم بتعظيمهم من خلال اقامة مجالس علمية في رمضان تناقش فيها امور الدين والشريعة وعلم الحديث والفقه وعلوم التفسير كل ذلك بنظره كان يعيد الاعتبار الى اصول الشريعة الاسلامية .

وانتقلت هذه العادة عبر سلاطين الدولة العلوية حتى وصلت الى عهد السلطان الحسن الاول1873-1894 وتالقت في عهده حيث كان يقيم الدروس الدينية خلال شهر رمضان في قصره وكان معروفا بحبه وتقديره للعلم و للعلماء والمعرفة ..

وسار الملك محمد الخامس رحمه الله 1927-1961 على نفس خطى اسلافه فكان يحي في كل شهر رمضان الدروس العلمية الحديثة التي كانت تحضرها نخبة مهمة من العلماء في المغرب وكان يتم دراسة الفقه والشريعة كتب صحيح البخارى ومسلم ..وكانت هذه الدروس تعقد ايضا في مساجد وزوايا مدينة الرباط عاصمة المملكة المغربية حيث كان لها الاثر البارز والمهم في تحدي السياسة الاستعمارية التي كانت تنتهجها فرنسا في المغرب التي كانت تروم ضرب المقومات الدينية والوطنية والقومية للمغرب..

وحين مجيئ العاهل المغربي الملك الحسن الثاني رحمه الله 1929-1999

ورث عن اجداده هذه السنة وقام بالمحافظة عليها واعادة التالق والاشعاع اليها وسماها الدروس الحسنية ووضع بصماته الواضحة على هذه الدروس جعلت من هذه الدروس تطبع بطابع شهر رمضان من كل عام في المغرب.. فبعد ان كانت الدعوة تقتصر على العلماء والفقهاء من داخل المغرب لالقاء الدروس الحسنية في الستينات من القرن الماضي امر الملك الراحل بتوسيع وعاء ضيوفها واصبح لها اشعاع عربي ودولي بارز عندما بدا يستدعى لها نخبة من العلماء والفقهاء والمحدثون من مختلف الاصقاع الاسلامية المنتمين للقارات الخمس ..وفتحت الابواب امام جميع العلماء من مختلف المدارس والمشارب الفكرية الفقهية في العالم الاسلامي ليعتلون المنبر امام الملك في قصره او في احد مساجد المملكة يلقون الدروس المقررة ويحضر الى جانب الملك الامراء واعضاء الحكومة يتقدمهم رئيس الحكومة ورئيسي مجلس النولب والمستشارين ورؤساء الفرق البرلمانية واعضاء الدواوين الوزراء وكبار ضباط الجيش فضلا عن العديد من الشخصيات العلمية والثقافية التي عادة ما توجه لها الدعوة في هذه الدروس , الى جانب ذلك يحضر اعضاء السلك الديبلوماسي العربي والاسلامي في المغرب الدروس الحسنية يصغون لصاحب الدرس الذي يكون من الراسخين في العلم والذي يختار موضوعه ويلقيه بكل حرية ودون أي حرج من اثارة النقاشات ومتمتعا بالحصانة من أي اعتراض او أي تعقيب من الحاضرين ..ومما يزيد من الامر شفافية نقل هذه الدروس على امواج الاثير مباشرة عبر امواج الاذاعة وشاشات التلفزة المغربية دون تدخل مقص الرقيب .. وبالتالي

نصبح في جامعة اسلامية تشع منها الفيوضات الرحمانية والبركات والعطاء في شهر الصيام وتجمع شمل المسلمين وتقرب فيما بينهم ويعم خيرها الرباني على الجميع .



البعد العالمي للدروس الحسنية

تستقطب الدروس الحسنية الرمضانية كوكبة من انجم والمع العلماء المحدثين والمشايخ والدعاة والقراء واصحاب الفكر من شتى انحاء العالم , فمن العلماء المغاربة الفطاحل الذين نوروا الافكار بعلمهم الغزير نذكر

العلامة علال الفاسي ,ومحمد الازرق, الرحالي الفاروقي , ومحمد فاضل بن عاشور التونسي , وسيدي عبدالله كنون , واحمد عبد الرحيم عبد البر المصري , وحسن الزهراوي , ومولاي عبد الواحد العلوي , والمكي الناصري , عبد الله الجيراري , والدكتور فاروق النبهان , والدكتور عبد الكبير العلوي المدغري , والدكتور فريد الانصاري , والعلامة الدكتور احمد التوفيق وغيرهم ...

نذكر الشيخ ابي الحسن الندوي والامام المجدد ابو الاعلى المودودي من الهند , الدكتور عبد الصبور شاهين, والشيخ محمد سعيد طنطاوي , والشيخ متولي الشعراوي , والشيخ يوسف القرضاوي, وشيخ الازهر السابق جاد الحق علي جاد الحق , من مصر , والشهيد الشيخ صبحي الصالح , والامام المغيب موسى الصدر من لبنان ,والشيخ محمد طه الصابونجي مفتي طرابلس في لبنان , والشيخ عبد الله بيه من موريتانيا , ,والعلامة المجاهد الشيخ عبد الفتاح ابو غدة , والشهيد الدكتور سعيد رمضان البوطي من سوريا , والدكتور عمر البشير رئيس السودان حاليا, والشيخ محمد الحبيب بلخوجة و مفتي تونس السابق والامين العام لمجمع الفقه الاسلامي بجدة , والشيخ عبدالله بن عبد المحسن التركي من السعودية , وغير هم من العلماء حيث ان اللائحة طويلة جدا ....

والجدير بالذكر ان الملك الراحل الحسن الثاني كان عمد بنفسه الى القاء بعض الدروس الرمضانية مبرهنا على قدرته الفائقة في طرق ابواب الاجتهاد وفي مجاراة جهابذة العلماء والفقهاء في الفكر الاسلامي اذ انه رحمه الله كان يتمتع بشخصية علمية دينية ودنيوية قل نظيرها بين زعماء العالمين العربي والاسلامي .

وكان يحضر الدروس ايضا علماء كبار من الهند واميركا وروسيا والصين واوروبا وافريقيا تعطي بعدا عالميا واشعاعا دينيا كبيرا لهذه الدروس وتجعل لها مكانة متميزة .ولا بد ان نذكر ايضا ان رئيس جمهورية المالديف مامون عبد القيوم حرص ان ينضم بنفسه الى كوكبة العلماء الذين كان لهم شرف القاء الدروس الحسنية حول موضوع _ الاجتهاد وضرورته الملحة لمعالجة القضايا المعاصرة كان ذلك في العام 1993.

هذه الاسماء التي كانت تحضر الدروس الرمضانية الحسنية وتاتي من جميع انحاء القارات ومن جميع الجنسيات وتعتنق مختلف المذاهب والفرق الاسلامية جعلت من هذه الدروس اكبر مدرسة في العالم الاسلامي تتيح لهؤلاء العلماء ان يجتمعوا في مودة وصفاء ويتعارفوا ويتبادلوا الاراء للاسهام في لملمة الصف الاسلامي المترهل الذي يعاني من الفرقة والشقاق والتعصب الطائفي والمذهبي .

ومن اجل اعطاء هذه الدروس الاشعاع العالمي المطلوب يتم طبع وترجمة هذه الدروس الى اللغات العالمية الثلاث الانجليزية والفرنسية والاسبانية ونشرها في كتب وتوزيعها لاغناء المكتبة الاسلامية والغربية في العالم بمادة علمية رصينة تعود بالنفع على المطلعين والباحثين في امور الدين الاسلامي.





الدروس الحسنية في عهد جلالة الملك محمد السادس

عندما اعتلى جلالة الملك محمد السادس العرش اثر وفاة والده الملك الحسن الثاني عام 1999 تشبث الملك محمد السادس بسنة اجداده وعمل على المحافظة على الدروس الحسنية واستمراريتها وتطويرها وترك تسميتها كما هي ..بل ان الملك محمد السادس اضاف اليها بصمته الخاصة حسب ما تقتضيه متطلبات العصر وهو انفتاحه لاول مرة على رموز الحركة الاسلامية بالمغرب من خلال دعوة الدكتور احمد الريسوني رئيس حركة التوحيد والاصلاح لالقاء درس ديني بين يدي الملك الشاب . بالاضافة الى الانفتاح على رموز الجاليات الاسلامية المغربية بالخارج حيث اصبح يدعى الى هذه الدروس رؤساء الجاليات الاسلامية والجمعيات والمراكز الثقافية الاسلامية المغربية بالخارج .

وتقديرا واعترافا بدور المراة المغربية وتعزيزا لمساهمتها الفاعلة في البناء الديمقراطي والتنموي اسوة باخيها الرجل وهو ما يؤكدعليه جلالة الملك محمد السادس في جميع خطاباته تم
إشراك العالمات المغربيات في إلقاء الدروس الحسنية حيث اعتبر ذلك أهم تحول شهدته هذه
الدروس منذ انطلاقها مع الملك الراحل الحسن الثاني. حيث عمل الملك محمد
السادس، قبل سبع سنوات (2003)، على تأنيث الدرس الحسني باستضافة الدكتورة
رجاء الناجي المكاوي، الأستاذة بكلية الحقوق جامعة محمد الخامس، لإلقاء
درس بعنوان «النظام الأسري الإسلامي مقارنة بما عليه الوضع الأسري في
المجتمعات الغربية»»؛ وهي الاستضافة التي اعتبرت، بحق، منعطفا فرحا
بالنسبة لقدرات المرأة المغربية على الإدلاء بمعارفهن في مجال الفقه
والعلوم الشرعية سيما وان هذه الدروس تلقى أمام علماء أجلاء من المغرب والعالم
الإسلامي.
وهكذا توالى إشراك العالمات المغربيات، إذ ألقت، في رمضان الموالي (2004)،
عائشة الحجامي، وهي أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض(مراكش)،
درسا بعنوان «الاجتهاد في المسألة النسائية»، ثم تلتها فريدة زمرد
الأستاذة بدار الحديث الحسنية ( 2005) بإلقاء درس حول «المرأة في القرآن
بين الطبيعة والوظيفة». واحتلت السعدية بلمير، وهي مستشارة بديوان وزير
العدل، المرتبة الرابعة في سلم إلقاء الدروس الحسنية أمام الملك (رمضان
2006)، حيث ألقت درسا بعنوان: «حركة التقريب بين المذاهب: منطلقاتها
وآفاقها المستقبلية».
وفي سنة (2007) استمع أهل العلم والفكر من المغرب وخارجة لعالمة شابة
رئيسة المجلس الجهوي للحسابات بمدينة الرباط زينب العدوي لدرس قيم عالجت
من خلاله نقطة مهمة وحساسة في الاقتصاد الإسلامي ألا وهي: «حماية المال
العام في الإسلام». بينما ألقت سعيدة أملاح، في السنة الموالية (2008)،
درسا بعنوان «عناية المغاربة بلغة القرآن الكريم».
أما في رمضان الماضي (2009)، فقد ألقت الأستاذة عالية ماء العينين محافظة
خزانة المعارف الجهوية بالدار البيضاء، التابعة لوزارة الثقافة، هذا الدرس
الحسني. وتناولت فيه بالتحليل موضوع «مكانة الأم في الإسلام ودورها في نقل
وترسيخ قيم المواطنة».
وخلال هذا العام (2010)، كانت سعاد رحائم، أستاذة بكلية الآداب والعلوم
الإنسانية بالجديدة وعضو مجلسها العلمي المحلي، هي المرأة السابعة التي
تلقي درسا في حضرة الملك، حيث ألقت درسا بعنوان «أشراط الساعة في القرآن
الكريم والحديث النبوي الشريف.».

*********************************************************

بقلم- الدكتور..عياد جلول

باحث وكاتب لبناني