القرآن الكريم كلام كسائر ما يتكلم به الناس ، ويدل دلالة واضحة على معانيه المقصودة وما يرومه من بيان المفاهيم
ــــــــــــــــــ
(1) سورة الاسراء :105.
(2) سورة يونس : 32.
(3) سورة فصلت : 41 ـ 42.
35
والمعطيات ، وليس فيه خفاء على المستمعين لآياته.
ولم نجد دليلاً على انه يقصد من كلماته غير المعاني التي ندركها من الفاظه وجملة.
اما وضوحه في دلالته على معانيه فلأن اي انسان عارف باللغة العربية بامكانه ان يدرك معنى الآيات الكريمة كما يدرك معنى كل قول عربي.
وبالاضافة الى هذا نجد في كثير من الآيات خطابات الى طوائف خاصة كبني اسرائيل او المؤمنين او الكفار ، وفي آيات منه يخاطب عامة الناس (1)ويحاجهم ويتحداهم ليأتوا بمثله لو كانوا في شك انه من عند الله تعالى. وبديهي انه لا يصح التكلم مع الناس بما لا مفهوم واضح عندهم ، كما لا يصح التحدي بما لا يفهم معناه.
وزيادة على هذا يقول تعالى : ( افلا يتدبرون القرآن ام على قلوب اقفالها )(2).
ويقول : ( افلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيراً ) (3).
ــــــــــــــــــ
(1) أمثال « يا ايها الذين كفروا » و « يا اهل الكتاب » و « يا بني اسرائيل » و « يا ايها الناس ».
(2) سورة محمد : 24.
(3) سورة النساء :82.

36

تدل الآيتان على ضرورة التدبر في القرآن الذي هو بمعنى التفهم ، والتدبر فيه يرفع ما يترائى بالنظرة الاولى من الاختلاف بين الآيات ومن البديهي الواضح ان الآيات لو لم تكن لها دلالة ظاهرة على معانيها لما كان معنى للأمر بالتدبير والتأمل فيها ، كما لم يبق مجال لحل الاختلافات الصورية بين الآيات بواسطة التدبر والتأمل.
* * *
واما ما ذكرنا من انه لا دليل خارجي على نفي حجية ظواهر القرآن ، فلأننا لم نجد هكذا دليل لذلك الا ما ادعاه بعض من اننا ـ في فهم مرادات القرآن ـ يجب ان نرجع الى ما اثر عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم او ما روي عن اهل بيته المعصومين عليهم‌السلام.
ولكن هذا ادعاء فارغ لايمكن قبوله لان حجية قول الرسول والائمة عليهم‌السلاميجب ان تفهم من القرآن الكريم ، فكيف يتصور توقف حجية ظواهره على اقوالهم عليهم‌السلام. بل نزيد على هذا ونقول : ان اثبات اصل النبوة يجب ان نتشبث فيه بذيل القرآن الذي هو سند النبوة كما ذكرنا سابقا.
وهذا الذي ذكرناه لا ينافي كون واجب الرسول والائمة عليهم‌السلامبيان جزيئات القوانين وتفاصيل احكام الشريعة

37

التي لم نجدها في ظواهر القرآن ، وان يكونوا مرشدين الى معارف الكتاب الكريم كما يظهر من الآيات التالية :
( وانزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم )(1).
( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )(2).
(وما ارسلنا من رسول الا ليطاع باذن الله ) (3).
( هو الذي بعث في الاميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة) (4).
ان الذي يفهم من هذه الآيات هو ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله هو الذي يبين جزئيات وتفاصيل الشريعة وهو المعلم الالهي للقرآن المجيد. ويفهم ايضا مما جاء في حديث الثقلين ان الائمة عليهم‌السلامهم خلفاء الرسول في ذلك.
وهذا لا ينافي ان يدرك مراد القرآن من ظواهر آياته بعض من تتلمذ على المعلمين الحقيقيين وكان له ذوق سليم في فهمه.
ــــــــــــــــــ
(1) سورة النحل : 44.
(2) سورة الحشر : 7.
(3) سورة النساء :64.
(4) سورة الجمعة : 2.

منقوله