الأب أدريس حنّا: تاريخ المسيحية في العراق يمتد الى حوالي الفي عام
التاريخ القديم لوجود المسيحية في العراق، حسب ما ذكره الابادريس حنا وهو رجل دين مسيحي من العراق يخدم أبناء رعيته السريان في السويد. ومعلوم ان السريان هم جزء مهم من هذا الشعب.
الاب ادريس حنا
الأب أدريس حنّا، المولود في بلدة قرقوش التابعة للموصل، يقول لـ " إيلاف ": " منذ ما يقرب من ألفي عام، وجدت المسيحية في العراق. وهناك تقليدان عن دخول المسيحية في العراق أحدهما ينسب البشارة المسيحية للقديس توما الرسول، والآخر يقول بأن القديسين أداي وماري، هما اللذان بشّرا في أعالي ما بين النهرين ثم نزلا جنوباً عبر حوض ما بين النهرين. لكن كلا التقليدين قديمين جداً ويمتدان تقريباً إلى نهاية القرن الأول المسيحي"
يضيف: " هناك أديرة وكنائس قديمة جداً في العراق، وما يوجد مطموراً كآثار في التراب هو أكثر بمئات المرّات مما هو مرئي وموجود حالياً. هذه حقيقة كبرى، ولم يتسنّى إلى الآن إبراز الدور المسيحي في بناء حضارة العراق خلال الألفي عام المنصرمة، فهناك تجاهل كبير لما قدّمته المسيحية في العراق".
من الأديرة والكنائس القديمة الموجودة حالياً، ما نشاهده من الكنائس القديمة في الموصل وحواليها، مثل دير مار بهنام شرق الموصل، وديرمار متى شمال الموصل، ويعود أصل قصّتهما إلى بداية القرن الرابع الميلادي. واقدم كنيسة في الموصل هي كنيسة مار أشعيا في الموصل القديمة. فقد وجدت في النصف الثاني من القرن السادس للميلاد. وهناك عشرات الكنائس القديمة جداً في الموصل، منها الدير الأعلى، وكنيسة الطاهرة القديمة بجوار مطرانية الكلدان التي أحرقت قبل شهور. وكنيسة الطاهرة للسريان في القلعة، وكنيسة مار توما من القرن الثامن الميلادي، وكنيسة مار كوركيس للكلدان من القرن الثالث عشر، و كنائس مار شمعون الصفا ومار بثيون،و مار حوديني، وكلها تقع تحت مستوى الشارع بعدة أمتار دلالة على قدمها.
ويؤكد الأب أدريس الذي يخدم حاليا أبناء الكنيسة السريانية في ستوكهولم بالسويد: " المسيحية كانت مزدهرة في جنوب العراق كما في شماله. فهناك أثر هامّ جداً وهو كنيسة ( كوخيه ) قرب سلمان باك جنوب بغداد، قد يكون الأقدم على الإطلاق في تاريخ المسيحية في العراق. وتؤكد مراجع أن مدينة الكوفة تضمّ فيها وحواليها مئات المواقع الآثرية المسيحية، كما في كتاب (( الكنائس والديارات المسيحية لمحمد سعيد الطريحي )). أما مدينة تكريت فمن المعرف أنها كانت مقراً لمفريانية سريانية، وقد تناقلت الألسن شفهياً، العثور على كنائس قديمة تحت الأنقاض عندما كانت تشيّد قصور النظام السابق في هذه المناطق. ويتداول الناس في تكريت إلى اليوم قصصاً مسيحية كثيرة تذكر التقليد والحياة المسيحية هناك، وهناك من العائلات الإسلامية من يفتخر بأصل أجداده المسيحيين، ومنهم من يحتفظ سرّاً بآنية مقدسة وآثار مسيحية تناقلها عن أسلافه، كما أن هناك عائلات مسلمة من تكريت لها صِلة قرابة بعائلات مسيحية في مناطق قرب الموصل، وأسماء العائلات واحد إلى اليوم مع بعض التغيير. وفي شمال العراق، فلا تزال مئات القرى والمناطق تحمل أسماء سريانية قديمة دلالة على عمق الإرتباط المسيحي في تراب العراق".
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
التنوعات المسيحية العراقية

وتدور بين الباحثين والمؤرخين، نقاشات وسجالات كثيرة حول تنوع المسيحيين.

الباحث سيار الجمّيل
الدكتور سيّار الجميل يقول عن التنوعات المسيحية العراقية: " إن المسيحيين القدماء في العراق يتنوعون ايضا، فمنهم من يعود أصله الى الجرامقة (أهل الموصل القدماء جدا) والنساطرة وهناك اليعاقبة والسريان الاراميين الكلدان الاثوريين وكان منهم من الارثودكس الشرقيين التابعين للكنيسة الشرقية وهناك من المسيحيين العراقيين المغاربة. ان تسمية المشارقة والمغاربة إنما جاءت اعتمادا على نفوذ الكنيستين: النسطورية ( شرق حدود المملكة الرومانية فسمي اتباعها بالمشارقة)، والارثوذكسية اليعقوبية ( غرب حدود المملكة الفارسية فسمي اتباعها بالمغاربة). وبقي المسيحيون هكذا لقرون طوال حتى انبثاق الملة الكاثوليكية.
ويرفض الجميل إدخال القارىء في الفروقات الكنسية واللاهوتية بين النساطرة واليعاقبة، " لان الاختلافات بين المذهبين كبيرة جدا وخصوصا حول التثليث الالهي.. ولكن من المعروف ان اليعاقبة هم الاقرب الى التوحيد مقارنة بغيرهم من المذاهب.. وهذا شأن كنسي نتركه لاصحابه من دون ان نتدّخل في شأنه" كما يقول.



الكاثوليكية العراقية

أيضا يتناول الجميل في حديثه الى " إيلاف " تاريخ أنتشار الكثلكة في العراق، يقول: " لقد بدأت الكثلكة بالانتشار بين المسيحيين العراقيين ومحيطهم بعد انقسام عام 1551 م الذي لم يدم طويلا، وقد توّسع انتشارها بصورة كبيرة بعد انقسام عام 1681 م، ومن البديهي ان تكثلك الكلدان الاثوريين / السريان في المناطق المختلفة، كان تدريجيا، فعلى سبيل المثال فإن القوش التي شهدت اول دخول للكثلكة اليها في العام 1551 م ( برغم انني اشك في هذا التاريخ فان اول حملة للكثلكة كانت في القرن الثامن عشر )، كانت لم تزل خليطا من النسطرة والكثلكة الى الربع الاخير من القرن الثامن عشر، بل وحتى بداية القرن العشرين كان هنالك مطرانا من القوش هو مار ايليا ابونا والذي عاد الى الكثلكة عام 1921، وجزيرة ابن عمر لم يكن فيها نحو سنة 1787 سوى اربع عوائل كلدانية والباقي كانوا نساطرة او يعاقبة، وسلامس في ايران حتى سنة 1797 لم تكن قد تكثلكت كليا بعد، وفي ابرشيات العمادية وزاخو ودهوك وعقرة كان اكبر انتشار للكثلكة فيها في القرن التاسع عشر اثناء تدبير مار يوسف اودو لمطرانية العمادية، واستمر انتشارها الى منتصف هذا القرن، فقرية كواني من اعمال العمادية وبادرش جوار سرسنك والشيخان لم تتكثلك الا في الخمسينات من القرن العشرين، بل وما زال لحد الان العديد من عوائلها نساطرة غير متكثلكين"..
ان الحركة الكاثوليكية التي تأثروا ببعثاتها في القرن الثامن عشر انشطر عنهم الكاثوليك.. المسيحيون العراقييون قدماء جدا وجذورهم مختلفة واحتوت الموصل ايضا منذ القرن الثامن عشر والتاسع عشر الارمن الذين تسرب قسم منهم الى بغداد.
ويتعامل المسيحيون في العراق باللغة العربية وهناك قرى سهل الموصل لم تزل الارامية لغتها الاساسية ( وهي لغة قديمة تجد شراكتها مع العربية باعتبارهما من جذر واحد ) كما وان الارامية لغة السيد المسيح ( ع) لم تزل لغة الطقوس الدينية في البيع والكنائس العراقية.. اما البروتستانت في العراق فهم قليلون بل ونادرون.

برز منذ عهد صدر الاسلام وامتاداد بالامويين ومرورا بالعباسيين العديد من نخب الشعراء والعلماء واللغويين والمترجمين والاطباء المسيحيين العراقيين، ويكفي ان الفلسفة الاغريقية نقلت الى العربية بفضل المسيحيين العراقيين، وقام الاطباء المسيحيون العراقيون بأدوار بارعة في الجراحة وعلم الادوية، كما وكان لقسم منهم ادوار حضارية في الفن والهندسة والتاريخ والرحلات والصناعات والزراعة وهناك لغالبيتهم براعة في المهن وخصوصا البناء والسفتجة والتجارة وعلاج الاسنان والنجارة والحدادة وصناعة الحلويات والمعجنات..
اما دور المرأة المسيحية العراقية، فكان له أهميته البالغة لما قدمته للمجتمع من خدمات خاصة وخصوصا في فن التطريز وصناعة الحلويات والتمريض والتعليم.. ان هكذا ادوار وبراعات ما كان لها ان تتطور الى اسمى مراقيها لولا حالات السلم والامان التي عاشها المسيحيون العراقيون وهم في كنف المسلمين العراقيين وتأمين هؤلاء على شركائهم المسيحيين وعلى ارواحهم واموالهم واملاكهم واعراضهم ونواميسهم وعباداتهم وكنائسهم.. واحترام المجتمع عاداتهم وتقاليدهم وطقوسهم وصلواتهم.. بل نجد شراكة وتعايشا في بعض الطقوس من المحلّيات المركّبة.
من جهته يقول ألأب أدريس حنا لـ " إيلاف " ان المسيحية الآن أقلية ضئيلة ولم يكن لها الحرية إلا منقوصة لذلك انحسر دورها، وضعفت كثيراً".
ويضيف: " فقد كان أغلب المقربين من حاشية الخلفاء العباسيين في بادئ ألأمر مسيحيون، منهم الأطباء الذين خدموا الخلفاء، مثل بختيشوع طبيب المتوكل في نهاية القرن التاسع".
ويذكر كتاب (( أحوال المسيحيين في خلافة بني العباس، بقلم د. جان موريس فييه )) أن بختيشوع كان ينتقل في بغداد بعربة من خشب الأبنوس، وكان له حوالي ألف خادم!
ناهيك عن الكتّاب والمترجمين الذين نقلوا الكتب اليونانية إلى السريانية ثم العربية. ومن اسماء الكثيرة نذكر حنين ابن اسحق، الطبيب ورئيس المترجمين الذي نقل كتب أفلاطون وارسطو إلى العربية، وابن العبري. وغيرهم بالمئات.

دوري حضاري على مر الأزمنة

وفي العصر الحديث، لا ينكر أحد ما الذي قدّمه المسيحيون العراقيون من أدوار ومواقف ومعطيات حضارية في الفن والادب واللغة والجغرافية والتاريخ والطباعة والصحة والفهرسة والتربية والتعليم والطب وطب الاسنان والصيدلة وحتى في الادارة والقضاء والمحاماة والصحافة والترجمة والعلوم الاكاديمية والتأليف والفن والغناء والمسرح.. وبناء المدارس ناهيكم عن بقاء فن البناء الى امد قريب. لقد برعت نخبة عراقية من المسيحيين الذين لم يكونوا يمّيزون انفسهم عن بقية ابناء العراق وخصوصا في القرن العشرين..
كذلك حفظت الأديرة القديمة اللغة العربية من الأندثار والضياع! حيث عمد الربان والأباء على حفض نفائس الكتب العربية في مجالات العلوم المختلفة خوفا من تلفها وإحراقها على يد الغزاة الذين توالوا على غزو بلاد الرافدين.
واشتهر العديد من الرهبان والقسس والمطارنة كعلماء ورحالة وشعراء ومدرسين في اللغة العربية الى جانب السريانية الارامية. وقد كان من أهم تلك البعثات: ارسالية الآباء الدومنيكان الذين وصلوا مدينة الموصل سنة 1750م وقدموا خدماتهم الطبية والتعليمية ومنها تأسيس مدرسة فرنسية عرفت بمدرسة الآباء الدومنيكان التي خرجت طبقة من المثقفين والعلماء المحدثين استمر تأثيرهم حتى القرن العشرين.. اذ كان لهم تأثيرهم في نشوء المسرح بالموصل لأول مرة في تاريخ المنطقة، وكان لهم تأثيرهم في تأسيس المطابع ونشر العدد الكبير من الصحف.. فضلا عن الطباعة وخدمات اخرى.
بالطبع، تحري تاريخ المسيحيين العراقيين يتطلب جهدا هائلا لايعبر عنه اي تحقيق او مقال، وما هذه السطور سوى محاولة متواضعة لتوضيح ماخفي من حقائق عنهم!
منقوول