الخلفية الجغرافية لحضارة وادي الرافدين:
أسماء العراق التاريخية :
قبل أن نورد التسميات التي أطلقت على العراق نشير إلى أن التسميات التي وردت من عصر دويلات المدن أو ما يعرف بعصر السلالات كانت تعني منطقة دويلة المدينة، فمثلاً (انسي لكش) تعني حاكم مدينة لكش، و(انسي اوريما) تعني حاكم مدينة أور، حيث أن (انسي) في اللغة السومرية تعني (حاكم)، وفي أواخر فترة دويلات المدن السومرية ظهر لقب ملك الإقليم باللغة السومرية (لوكال كالاما)، (لوكال) تعني (ملك) و(كالاما) تعني (إقليم)، وأول هؤلاء الملوك هو (لوكال زاكيزي) والذي هو بنفس الوقت آخر حاكم في فترة دويلات المدن السومرية.
وأطلقت على بلاد وادي الرافدين بعد ذلك تسميات (كي ـ اين ـ جي) والتي تعني بلاد سومر (حالياً محافظات القادسية وذي قار والمثنى والبصرة)، و(كي ـ اوري) لتعني بلاد أكد (حاليا يرجح أن تبدأ من حول تكريت إلى جنوب الحلة)، مع ضرورة الإشارة إلى عدم وجود حدود طبيعية تفصل بين سومر وأكد، وتمكن الملك السومري (اوتو حيكال) (سلالة أور الثالثة) من طرد (الكوتيين) وتحرير وتوحيد البلاد وليطلق على نفسه اسم (ملك سومر وأكد) وظل هذا الاسم شائعاً إلى آخر عهود العراق التاريخية تقريباً، أما القسم الشمالي من العراق فقد عرف باسم (سوبارو) أو (سوبارتو) المشتق من اسم (السوباريين) (الفراتيون الأوائل) الذين سبقوا السومريين في سكنى جنوب العراق، ثم أطلق البابليين اسم (سوبارو) لتعني الشمال، كما أطلق الكشيون لفظة (كار دويناش) على بلاد بابل، وهي تعني (بلاد الإله دويناش) الرب القومي لهم، واستمر الآشوريون يطلقون هذه التسمية على بلاد بابل حتى عصور متأخرة، أما تسمية (عبر النهر) فهي من (ايبر ناري) أطلقها الأخمينيون على العراق وقسم من سوريا حتى حدود فلسطين في أثناء احتلالهم للعراق.
وأطلق اليونان والرومان والمؤرخون الأوربيون من بعدهم اسم (بلاد آشور (آسريا)) على شمال غرب العراق، وأسم (بلاد بابل (بابلونيا)) على وسط وجنوب العراق، وأحيانا يستخدمون أحد المصطلحين ليعنوا به البلاد كلها، وهذا الخطأ وقع فيه أيضا المؤرخ (هيرودوت) عندما أطلق اسم (اسريا) أي بلاد آشور على جميع بلاد بابل، واستخدموا أيضاً مصطلح (كلديه) أي بلاد الكلدانيين (وهم الآراميون الذين ينتمي إليهم الملك نبوخذنصر الثاني باني الجنائن المعلقة).
وفضل الكتاب الكلاسيكيين تسمية (ميسو بوتاميا) (بلاد الرافدين) أو (بلاد ما بين النهرين)، المشتقة من كلمة (ميسو) تعني (وسط) و(بوتاميا) تعني (الأنهار)، ولا يعرف بالتحديد الفترة التي بدا فيها استخدام هذا المصطلح، وجاء في العهد القديم (التوراة) اسم (سهل شنعار) ليعني منطقة السهل الرسوبي الجنوبي، هو مشتق من الكلمتين الأكديتين (شينا) ومعناها (اثنان) وكلمة (نار) أي (نهر) ليكون معناها (ارض النهرين)، كم ورد في (سفر التكوين 24:10) اسم (أرام نهرايم) وهي تعني أيضا بلاد ما بين النهرين، ولما ترجمت التوراة إلى اليونانية واللغات الأوربية فيما بعد شاع استخدام مصطلح (ميسو بوتاميا) ليعنى به العراق، وقد ورد بدأً عند المؤرخ اليوناني (بوليبيوس 120ق.م)، كما أكثر من ذكرها المؤرخ الروماني (أريانوس) (القرن 2م) في فصوله عن حملة الإسكندر المقدوني في العراق، وتسمية (ميسو بوتاميا) توازي التسمية الأكدية (بيريت نريم) التي وردت في بعض النصوص البابلية تعني منطقة واقعة بين منعطفات معينة من نهر الفرات تصعب معرفتها بالضبط من بلاد بابل، وربما صارت منذ أوائل الاحتلال السلوقي تطلق على منطقة واسعة بين نهري دجلة والفرات وعلى شاطئيها، كما أن تسمية (ميسو بوتاميا) ترادف تقريبا مصطلح (الجزيرة الفراتية) التي أطلقها البلدانيون العرب على الأقسام الشمالية والوسطى من العراق.
أما لفظة العراق بدأ استعمالها في القرون الأربعة الأولى التي سبقت الإسلام، فقد أطلق الساسانيون (226-637م) على ولاية سورستان (العراق والأحواز)، وهذا يعني أن لفظة العراق ليست بالأصيلة، فمن أين جاءت هذه التسمية؟
اختلف الباحثون في تفسير لفظة العراق، فقد تكون ذات علاقة مع الكلمة السومرية (أنوك) أو (أوروك) التي تأتي بمعنى (المستقر)، وبها سميت مدينة أوروك، إلا أنه مع ذلك لم يطلق أي من التسميتين على القطر كله، ومنهم من ربطها مع كلمة (أريقا) التي وردت في نصوص العصر الكشي، أو أنها من لفظة (ايراك) التي تعني باللغة الفهلوية الأرض المنخفضة أو السفلى أو الجنوبية، أو أنها تعني الجرف أو الساحل أو حتى الجسر مأخوذة من (عرقا) الواردة في كثير من اللغات الجزرية، وفي المعاجم اللغوية العربية تفسيرات لأصل كلمة العراق يمكن إجمالها بما ورد عند ابن منظور (لسان العرب، 1/247-248) إذ يذكر أن العراق: سمي عراقا لتواشج عروق الشجر والنخل به كأنه أراد عرقاً ثم جمع على عراق، أو أنه اسم عجمي معرب من (إيران شهر)، معناه: كثيرة النخل والشجر أو موضع الملوك، فعرب إلى عراق، وقد جاء العراق اسما لفناء الدار أيضاً، وقيل: سمي بـ(عراق المزادة) وهي الجلدة التي تجعل على ملتقى طرفي الجلد إذا خرز في أسفلها لأن العراق بين الريف والبر، وقيل: العراق شاطئ النهر أو البحر على طوله، وقيل عراق لأنه على شاطئ دجلة والفرات حتى يتصل بالبحر، وقيل العراق معرب وأصله إيراق فعربته العرب فقالوا عراق، والعراقان: الكوفة والبصرة.

منقول