كنا نعتقد أن الجنسانية (Sexuality) مرتبطة فقط بسن البلوغ (وأحيانا المراهقة) وأنها مبنية على الحياة الجنسية والنضوج الجنسي؛ فالمجتمع والدين يعطيان شرعية للحياة الجنسية لدى البالغين، والحياة الجنسية عند الأطفال غير موجودة وليست لها شرعية. في الغرب كان فرويد (Freud) أول من تكلم عن الجنسانية في مراحل الطفولة.
التكلم عن الحياة الجنسية لدى الطفل لا يعني فقط الحديث عن أعضائه التناسلية بل هو حديث عن جسمه بشكل عام، عن الأحاسيس التي يشعر بها في أجزاء مختلفة من جسمه، عن طريقة تعايشه مع هويته الجنسية، عن تماثله ( (Identification Processمع أبيه أو أمه، عن إهتماماته في أسئلة تتعلق بالتربية الجنسية. مشاهدة الأطفال في حياتهم اليومية تبين بأن لدى الأطفال اهتمامات جنسية (لعبة الدكتور، مشاهدة أجسام بعضهم البعض، لعبة بابا وماما). غالبا ما ننسى أن الجنسانية جزء طبيعي ومهم في تطور الطفل، فمعرفة التطور الجنسي والمشاكل التي يمكن أن نواجهها هي أساسية، وفقط من خلال هذه المعرفة يستطيع الأهل والاختصاصيون تفهم الاضطرابات المتعلقة بالتطور الجنسي. مع أن هناك حالات تتطلب تدخل أخصائي أو طبيب نفساني، فإنِ كثير من المشاكل تعالج بنجاح من قبل طبيب عام للأطفال وأهم من ذلك هو أن التشخيص أو التعرف على هذه المشاكل في وقت سريع ومناسب يمنع تطور إضطرابات جنسية صعبة العلاج .
في مجتمعنا، يكون التثقيف الجنسي نادرا (أو غير موجود). في المناهج المدرسية هناك حديث عن أمور متعلقة بالتربية الجنسية، لكن حسب طريقة التعليم (وحسب المعلم) لا تصل الرسالة بوضوح أو بشكل كامل إلى الأطفال.

التطور الجنسي الطبيعي
o الجوانب الجسدية
مع أن الجنس الجيني محدد عند الإخصاب ، لا يبدأ التفريق بين الجنسين قبل الأسبوع السادس أو السابع من الحمل. حيث تتطور غدد تناسلية غير متميزة undifferentiated gonads) ) في نفس الوقت عند الذكور والإناث تتكون الخصيتان في الأسبوع السادس، والمبايض في الأسبوع الثاني عشر.
في الشهر الثالث والرابع من الحمل إذا كان الجنس الجيني للجنين "ذكر"، تبدأ الخصيتان بإفراز هرمونات ذكرية،androgen, antimullerian hormon التي تطور الأعضاء الذكرية والتي تمنع تكون الأعضاء الأنثوية. عدم إفراز هذه الهرمونات الذكرية تؤدي إلى تطور الغدد التناسلية بالاتجاه الأنثوي، مهما كان الجنس الجيني لدى الجنين. لاحقا، فإن هذه الإفرازات تؤدي إلى أعضاء تناسلية خارجية متميزة. عند الولادة، فسيولوجية الإثارة والقدرة على تصرفات جنسية مختلفة تكون موجودة بشكل عام (نعرف مثلا أن المولود الذكر لديه انتصاب وان المولودة الأنثى لديها تزليق مهبلي vaginal lubrification)).
لا تحدث تغيرات جسدية في التطور الجنسي خلال مرحلة الطفولة المبكرة عند الإناث والذكور فإفرازات الهرمونات محدودة ولا يكون هناك نمو كبير بالغدد التناسلية حتى سن المراهقة. مقارنة مع التغيرات الجسدية التي تحصل خلال الطفولة، التغيرات التي تحصل خلال المراهقة كبيرة جدا.

o الجوانب الاجتماعية والنفسية:
ليست الهوية الجنسية لدى الطفل فقط نتيجة "عملية جينات" عند الطفل، لكنها أيضا نتيجة تفاعلاته مع أهله الذين يساهمون بتشكيل الهوية الجنسية (gender identity) لدى طفلهم: هذه الهوية موجودة في تاريخ العلاقة بين الأهل والطفل. خلال الحمل يكون لدى الأهل تصورات fantasies)) عن جنس الجنين، و عند الولادة (أو على ultra sound (يكتشف الأهل الجنس الحقيقي للطفل، و يمكن أحيانا أن يخيب أملهم عند اكتشاف الجنس الحقيقي ولا يستطيعون التغلب على مشاعرهم بالإحباط والغضب. ردة الفعل هذه تعرض إمكانية التطور السلس لهوية الطفل الجنسية للخطر. وبالتالي فان تطور الشعور بالذات كذكر أو أنثى يبدأ مبكرا في الحياة.
بعد الولادة، طريقة تحدث الوالدين للطفل أو طريقة تصرفاتهم اليومية معه (حمله، اللعب معه، طريقة التكلم معه…) تعزز التصرفات الذكرية أو الانثوية مبكرا في الحياة. فيما بعد يلعب الأبوين ثم العائلة ثم المجتمع دورا في تطور التماثل مع الأهل من نفس الجنس: سيتصرف الأولاد طبقا لما هو متوقع منهم في المجتمع والبنات يتصرفن كما هو أيضا متوقع منهن.
تطور الطفل مرتبط بالمراحل الجنسية المختلفة التي وصفها فرويد: مع أن جنسانية الطفل مختلفة بطبيعتها من جنسانية البالغ فهما متتابعتان: الجنسانية عند البالغين هي نتيجة قصة طويلة بدأت منذ الطفولة.
لقد وصف فرويد المراحل المختلفة التي يمر بها الطفل:
- المرحلة الفمية: هي أول مرحلة جنسية نفسية. أهم وأنشط جزء من جسم الرضيع هو فمه. يشعر الطفل بأن الارضاع بالثدي أو تغذيته بصورة جيدة هو نموذج الإشباع النهائي. عندما يجوع يشتد التوتر وعندما يأكل هناك تحرير لللذة. فالمتعة مرتبطة أولا بوظيفة الأكل ثم يصبح المص نفسه متعة (أمثلة حول مص الأصبع). سيقل الإهتمام المرتبط بالفم عندما يبدأ الطفل باكتشاف أجزاء أخرى من جسمه.
- المرحلة الشرجية: سيتركز اهتمام الطفل على جزء جديد من جسمه وهي المنطقة الشرجية. هذا الجزء من الطفل سيكون ايضا مصدر اهتمام للاهل الذين يريدون ان تعليمه النظافة. يكتشف الطفل لذة السيطرة على مسراته ويكتشف أيضا القوة التي يملكها امام امه. فنجد الاهتمام بالبراز، القلق المتعلق به ( فالبراز جزء من جسمه )، الفخر عندما يهديه الى امه، مقاومته عندما يريد ان يظهر استقلاليته…
- المرحلة القضيبية: تصبح الاعضاء التناسلية المنطقة البرقية ((erotogenic zone. والظاهرة الأساسية هي الاستنماء عند الاطفال.
عقدة اوديب: انجذاب نحو الاهل من الجنس الاخر والشعور بالذنب جراء ذلك. ويحل هذا الصراع بتماثل كل طفل مع الأهل من جنسه. see also castration .anxiety
- مرحلة الكمون: تمتد الى مرحلة ما قبل المراهقة وهي مرحلة يتم خلالها عمليات الكبت للغرائز الجنسية وتوجيهها نحو وظائف اجتماعية خارجية.
- البلوغ:
الاضطرابات النفسية : " "psychopathologyعند البالغين مرتبطة بهذه المراحل.
(see fixations at different stages). المرور بطريقة سلسة عبر هذه المراحل تلعب دورا مهما في عملية separation/individuation ، التماثل…

o التصرفات الجنسية الطبيعية لدى الأطفال:
الاستمناء هي ظاهره طبيعية والأكثر انتشارا في التطور الجنسي لدى الأطفال ونراها عند الأطفال الذين لا يبلغ عمرهم عدة أشهر. خلال أول سنتين من حياته يتعرف الطفل على جسده وأجزاء جسمه المختلفة، عملية الاستمناء تكون مرتبطة بفضوله لاكتشاف جسمه. تتحول بعد التكرار والإعادة إلى تجارب موجهة لأنه يكتشف أنها تجلب له المتعة. مع أن الاستمناء عارضة منتشرة وطبيعية عند الأطفال، كثيرا من الأهل لديهم رد فعل سلبي لهذا التصرف ويعاقبون أطفالهم (تهديد بقطع القضيب، حرق الأعضاء التناسلية…) مما سيؤدي إلى شعور بالذنب خاصة خلال المراهقة (حيث يمكن أن يشعر المراهق بشك حول رجولته). ليس هناك تبرير بأن الاستمناء مؤذي بل بالعكس، يصفه الكثير با نه نشاط مهم ومفيد لحياة جنسية هنية.
بالنسبة للتفاعلات الجنسية بين الأطفال، العمر الذي يدرك فيه الطفل بأن التصرفات الجنسية تتطلب أكثر من شخص ليس واضحا بالطبع. للمواقف وللقيم الثقافية لها تأثير كبير على تفهمنا لهذه المسألة. مع ذلك ، غالبا ما نلاحظ أن الأطفال فضوليون بشأن أجسامهم وأجسام غيرهم، وإذا أعطوا الفرصة سوف ينخرطوا باستكشاف جنسي مع أطفال آخرين. يزيد هذا التصرف عندما لا توجد تربية جنسية كافية.

o سلوك (تصرف) جنسي طبيعي مقابل سلوك غير طبيعي:
بالنسبة للاستمناء مثلا السؤال الإكلينيكي الأساسي ليس سؤال عن لماذا هناك استمناء ولكن أين وكم مدته. بوضوح نعتبر الاستمناء مرضي عندما يصل لدرجة أنه يمنع الطفل بالقيام نشاطات أخرى مختلفة في حياته اليومية او يؤدي إلى أذى جسدي… حينئذ تقييم دقيق لأسباب هذا التصرف ضروري.
المهنيون متفقون أن انسب طريقة للمعاملة مع الاستمناء هو تعليم الطفل أين ومتى يستطيع أن يمارس هذا النشاط . أحيانا يكون الاستمناء مرضي. يلعب الطفل بأعضائه الجنسية بطريقة قسرية وتكون الأسباب عديدة: أطفال يعانون من حرمان وإهمال، يهرب حينذاك الطفل إلى نفسه (مثل الحركات المتكررةstereotyped movements عند الأطفال الذين لا يتلقوا عناية), قلق ( الاستمناء وسيلة لتخفيف التوتر لكنه لا يعالج المشكلة لآن المشاكل التي يواجهونها في حياتهم العاطفية شديدة)، غالبا ما ترافق هذه التصرفات سلوكيات أخرى، فنراهم منغلقين على أنفسهم، لا يستطيعون أشغال أنفسهم بنشاطات أخرى. يؤدي هذا التصرف إلى منع وعقاب من قبل الأهل، فتزيد الحاجة لهذا النوع من الاستمناء.
الحدود بين الحالة الطبيعية والحالة المرضية ليست دائما واضحة، لكن هناك بعض التصرفات التي عليها أن تلفت انتباه المهني:عندما تتدخل السلوكيات الجنسية مع النواحي الأخرى من حياة الطفل، عندما تكون المعرفة الجنسية لدى الطفل أكبر مما نتوقعه في عمره، عندما تحدث هذه التصرفات بأماكن عامة أو عندما تكون التصرفات محرجة أو مزعجة، وتؤدي إلى شكاوى من أطفال آخرين وبالغين، عندما تكون مرتبطة بمشاعر سلبية مثل الخوف، القلق، الذنب،الغضب، عندما تسبب أذى جسدي أو عاطفي لنفسه أو للاخرين…

o التربية الجنسية:
تتضمن تبادل المواقف والقيم والاحاسيس حول كوننا ذكر او انثى كما انها تتضمن تعليم اجزاء ووظائف أجسامنا . على الاطفال ايضا أن يتعلموا المهارات التي ستسمح لهم بأخذ قرارات سليمة في مجال حياتهم الجنسية، وبتمييز وتجنب الحالات الخطرة او الاستغلالية.
التربية الجنسية تبدأ حقيقة مع ولادة الطفل وهي عملية مستمرة طول حياته . عندما يبدأ الرضيع بعرض تصرفات استكشافية، فإن ردات فعل الوالدين ترسل رسائل إجابية او سلبية للطفل عن الجنسانية . هذا الاتصال المبكر والغير كلامي يهيئ أساس تعليم المواقف والقيم الجنسية التي ستلعب دورا مهما في تصرفات الطفل لاحقا. الاهل هم المربون الجنسيون الاساسيون في حياة طفلهم خاصة في السنوات المبكرة حتى اذا لم يزود طفلهم بمعلومات مباشرة. كثير من الاهل يشعرون بالاحراج اذا تكلموا عن تلك الامور مع اطفالهم ولا يدخلون في كل جوانب الحياة الجنسية في حديثهم مع اطفالهم .
أهالي كثيرون (خاصة في مجتمعنا) يعتقدون ان هذه المعرفة مضرة للاطفال وانها ستحث الطفل الى المشاركة بعدد اكبر من النشاطات الجنسية، او يعتقدون ايضا ان الاطفال يعرفون كل شيء عن هذه الامور (يتعلمون في المدرسة)، فلماذا التكلم عن هذه الامور معهم؟
عندما لا يزود الاهل أبنائهم بمعلومات حول الحياة الجنسية، المرجح انهم يسمعون بعض هذه المعلومات من اخوتهم، اصدقائهم، المجلات والتلفزيونات. ولكن غالبا ما تكون هذه المعلومات خاطئة او غير دقيقة او مربكة واحيانا يمكن ان تكون مؤذية للصورة الذاتية لدى الطفل.
الأطفال الذين لا يسألون اسئلة لاهلهم حول هذه الامور_ كبت مشاعرهم واهتماتهم نتيجة مواقف اهلهم الذين يتجنبون التكلم عن هذه المواضيع ويعطون انطباع لاطفالهم ان الجنس قذر ومخجل.
كما أن علينا الأخذ بعين الاعتبار أن هناك أهالي لا يحدثون أطفالهم عن تلك المواضيع ولكن يتعرف الطفل على الأمور الجنسية من خلال مشاهدة الممارسات الجنسية لدى الحيوانات أو من خلال عيشه في منزل مزدحم أو من خلال تواجده في غرفة نوم أهله… وفي هذه الحالات تكون المعلومات غير كاملة ويمكن أن ينظر إليها الطفل كأنها مخيفة أو مؤذية.

المشاكل الجنسية
o المشاكل الجنسية الجسدية
- أول معلومة يتلقاها الوالدان عندما يولد طفل هي أنه ذكر أو أنثى. تكون هذه المعلومة أساس سلسلة من الأحداث والتصرفات خلال تطور الطفل التي ستؤثر على مدى فهمه لكونه ذكر أو أنثى. أحيانا لا يكون الجنس واضحا عند الولادة. فمن الممكن أن تحصل حوادث خلال مراحل نمو الجنين التي ستؤدي إلى شذوذ في الكروموزومات الجنسية ، في الغدد التناسلية الداخلية أو الخارجية .
- البلوغ المبكر أو المؤخر
o اضطرابات في الهوية الجنسية ((gender identity disorder
معظم الأطفال يبرزون تصرفات التي تتناسب مع جنسهم خلال الطفولة المبكرة .من ناحية أخرى نجد عند بعض الأطفال تعارض بين جنسهم البيولوجي وهويتهم الجنسية . هؤلاء الأطفال يعبرون عن رغبة شديدة ( أو اعتقاد شديد ) بأنهم من الجنس الآخر ويشغلون أنفسهم بنشاطات متعلقة بالجنس الآخر ( هذا مختلف عن كون بعض الأطفال "حسن صبي " أو بنوتة ) عادة هذه التصرفات تقل مع العمر خاصة عند الأولاد ولكن هناك بعض الأطفال الذين سيبقون في هذه الحالة . غالبا ما ترافق هذه الاضطرابات مشاكل أخرى .
o اللوطية
مع أننا لا نعتبر اللوطية اضطراب نفسي تبقى هذه الحالة موضوع قلق عند الأهل . هناك افتراضات مختلفة حول سبب اللوطية : أسباب بيولوجية ، تماثل مع الأهل من الجنس الآخر ولكن حتى الآن لايوجد سبب واضح .من الممكن أن تكون اللوطية خلال المراهقة جزء من بحث المراهق عن هويته وتكون حين ذاك مؤقتة .
o التصرفات الجنسية الزائدة والتصرفات العنيفة
مع أن معظم الأطفال يظهرون اهتمام وفضول حول الأمور التي تتعلق بالجنس خلال تطورهم، بعض الأطفال يظهرون اهتماما أكبر من المتوقع من عمرهم: استمناء مكرر أمام الآخرين، تفاعلات جنسية عنيفة مع أطفال آخرين، عدم التجاوب مع الأهل عندما يحاولون وضع حدود، تدخل مع نشاطات الحياة اليومية…
غالبا ما نعتبر هذا التصرف علامة لحصول اعتداء جنسي على الطفل وحقا، عديد من التصرفات الجنسية تحصل بشكل أكبر عند الأطفال الذين اعتدى عليهم جنسيا مقارنة مع أطفال لا يعتدى عليهم. ولكن كثير من الأطفال الذين اعتدى عليهم لم يظهروا هذه التصرفات. في جميع الأحوال، هذا التصرف إشارة بأن لدى الطفل مشكلة وعلينا أن نفهم سبب هذا التصرف
المصدر اطفال الخليج