عادل عبد المهدي   قطعت المفاوضات شوطاً بعيداً.. تخللتها حالات تفاؤل وتشاؤم، وصعود وهبوط. مع مشاكل عويصة، منها.. ان الوفد المفاوض الواحد فيه عدة اتجاهات.. ان صلاحيات الوفود ومرجعياتها السياسية تختلف من وفد لاخر.. فبعضها قادرة على اتخاذ قرارات فاصلة.. وبعضها يعجز عن اتخاذ اي قرار، دون العودة لمرجعيته او مرجعياته، في كل صغيرة وكبيرة. هذه الالية تسبب تأخيرات وسوء تفاهم.. فعندما يبدو ان الاطراف اتفقت اتفاقاً نهائياً تطرح فجأة شروطاً او اطروحات تهدد المفاوضات.. وغالباً ما يستخدم اسم “الشارع” و”الجمهور” لرفع سقف المطالب، او لتبرير بعض الصياغات. يضاف لذلك ان ابقاء توزيع المواقع لما بعد الاتفاق على المبادىء والمناهج، يثير بدوره قلق البعض، سواء بين الوفود او داخل الوفد الواحد.. فتبقى بعض الامور معلقة لحين الاطمئنان للمواقع عندها يسهل اقرار المبادىء. الصعوبات الاهم لا تأتي من الاليات، بل من اجواء التشكيك والتخندق وتراكمات اوضاع ما قبل 2003 او بعده. فالمفاوضون لا يمتلكون سلطات القرار والحسم والوضوح الذي تطمأن معه النفوس.. لكنهم يمتلكون قوى برلمانية كبيرة، وزخماً وطنياً واقليمياً ودولياً للتغيير. فالكل يجد مصلحة اعظم، ولو من زوايا مختلفة، في انجاز المهمة والاسراع بتشكيل الحكومة لتبدأ عملية التغيير. لا احد غير اعداء العراق يستفيدون من تمدد “داعش” واستيلائها على العديد من المناطق.. فالكل لديه مصلحة في توفير اعظم حشد وطني واقليمي ودولي لهزم “داعش”.. ولا احد غير اعداء العراق يستفيدون من التصعيد الطائفي.. وهجرة مئات الاف العراقيين.. وتعطيل صادرات النفط.. او عدم اقرار الموازنة.. او عدم توزيع المخصصات.. او استمرار الخلافات الاساسية في ادارة الدولة وحفظ وحدتها وسيادتها.. او في انتشار المعتقلات والسجون والاعدامات.. او ضعف الخدمات وتعطل المؤسسات وانتشار حالات الفوضى والفساد.. فالكل لديه مصلحة في تغيير السياسات الباطلة وتأكيد السياسات السليمة.. والمعيار في ذلك ليست السياسات الماضية سواء من الحكومة او معارضيها. بل مرجعية ومعيارية ذلك الدستور.. فالمطالب المشروعة يجب ان تلبى حتى وان رفضتها الحكومات السابقة.. والسياسات المشروعة يجب ان تطبق حتى وان خالفها الاخرون. لذلك نقول انه كلما تعثرت المفاوضات، فاننا نجد زخماً اعظم يحتوي الخلافات ويفتح ابواب الاتفاق.. بحيث نعتقد ان ساعات وايام ولادة الحكومة باتت قريبة، باذنه تعالى.

أكثر...