مطعم يحتفل بالشراهة ويقدم الأكلات التي تقود الى المرض وأحياناً الى الموت. سيدات يُقبلن على دُمًى تُشبه الأطفال الرُضع، لإشباع رغبات أمومة مُتطرفة. مصنع ينتج جلوداً ووجوهاً بشرية للراغبين بالهروب من حياتهم وتقمص حيوات اخرى لساعات. أصحاء يحلمون بالعيش كمعوقين. وسيدات يفرطن بالبدانة بحثاً عن موقع في تجارة الجنس. هذه النماذج وغيرها ستمّر على برنامج «الخطايا السبع المميتة»، والذي تعرضه قناة «شوتايم» الأميركية، ويُعلق ويقود المشاهد فيه مخرج الأفلام التسجيلية الأميركي المعروف مورغان سبورلوك.

خطوة أبعد

لوهلة، يبدو البرنامج غير مختلف عن كثير من البــرامج التي تُقدمها قنوات تلفزيونية ترتجي الإثارة، عبـــر عرضها نماذج إنسانية في إطار يقترب من السيرك البشري الذي يركز ويحتفي بالشاذ والمُتطرف. لكن سرعان ما يتبدى إن القناة ومورغان سبورلوك، الذي يُعدّ من أشهر مخرجي الأفلام التسجيلية في العالم اليوم (صاحب أفلام مثل: «سوبر سايز مي» و«فــي أي مكان في العالم إسامة بن لادن؟») سيذهبان الى خطوة أبعد مما تنشده برامج الإثارة العادية، اذ ينافسان شبكة الإنترنيت - المكان الطبيعي للأفكار الشاذة اليوم - ليقدما تلك المواضيع الى جمهور أكبـــر، نافضين عن بعض من تلك المواضيع كثيراً من الصـــور النمطية الملتصقة بها، والأهم من ذلك عرضـــها لجمهور واسع، وجعله يُقرر بنفسه اذا كانت هذه النماذج تستحق العطف والتفهم، او إن الإنترنيت والغرف السريّة هي المكان الطبيعي لها.

يحاكي البرنامج التلفزيوني الجديد أفلام الرعب، بشكله وطريقة عرض محتواه وتوليفه الخاص، والذي بدا الأفضل لتقديم القصص التي يتضمنها، بسودايتها وشرّها أحياناً. كما يستعيد البرنامج خطايا المسيحية المميتة السبع المعروفة («الرغبة»، «الشراهة»، «الجشع»، «الكسل»، «الغضب»، «الحسد» و«الغرور»)، ويربطها بالقصص التي يقدمها من القرن الحادي والعشرين، ليقترح إن جذور كل الرغبات والمُحرّمات، ضاربة في قدم التاريخ والحضارة الانسانية والنفس البشرية.

كما ينزع البرنامج هالة الغرابة وأحياناً الخوف عن القصص والناس الذين يتم تقديمهم في حلقاته. فالحلقة الاولى تُصوّر عائلة أميركية عادية تملك مصنعاً لإنتاج ألبسة ووجوه من البلاستيك، مطلوبة في كل مكان في العالم، ويَكثر استخدامها بين الرجال الذين يرغبون أن يتنكروا بأزياء النساء. تصرّ السيدة التي تملك المصنع وتعمل فيه مع ثلاثة من أبنائها الذكور، على إن ما يفعلون لا يحمل اي ضرر، بل على العكس يشكل متنفساً مُهماً للكثيرين، وإنهم يعيشون حياة عائلية عادية لا تختلف عن حياة غيرها من العوائل في البلد. كما يُشرك شاباً معافى من الحلقة نفسها المشاهدين برغبته بالجلوس في كرسي متحرك للمعوقين والحياة مثلهم، ويكشف إن مئات غيره يحملون الرغبة ذاتها، وإنه يتواصل مع بعضهم عبر شبكة الإنترنيت.

دعوة الى التفكير

ولعل واحدة من مميزات البرنامج، هو دفعه مشاهديه للتفكير بخلفيات أصحاب القصص المُقدمة، والذي ربما يقود الى البحث في الموضوعات بشكل أوسع، فحلقة مطعم (مشويات سكتة قلبية)، وهو مطعم حقيقي موجود في مدينة لاس فيغاس يقدم وجبات مفرطة في مخالفتها الشروط الغذائية الصحية ويحتفي بالبدانة، في شكل لا يمكنه إلا أن يدفع المشاهدين الى طرح أسئلة عن شراهة الطعام وعلاقتها بالسعادة الشخصية والوحدة، وكيف يجد البعض العزاء من تعقيدات حياته وتردّيها في تناول مُفرط للطعام.

تلقى البرنامج منذ بدء عرضه قبل أسابيع ردود أفعال مُتفاوته في الصحافة الأميركية، فمنها من اعتبره إثارة خالصة لا تليق بقناة تلفزيونية يعرف عنها التجديد والجديّة. فيما أعجب الشكل العام للبرنامج البعض. في كل من الأحوال، يؤكد البرنامج الجديد إن التلفزيون قادر على دخول المُحرّمات الإجتماعية، وإنه، واذا توافرت الذهنية والرغبة، قادر أيضاً على منافسة الإنترنيت، من دون أن يفقد عناصر أساسية من هويته، كجهاز إعلامي مُحافظ بطبعه بسبب توجهه لجمهور واسع، وبالتالي يخضع لمعايير رقابية مُختلفة.


منقول