مما لاشك فيه ان العرف العشائري الذي استقر في اذهان الناس ردحا من الزمن وجد له افكارا قبلية بفضل الظروف التاريخية المستمدة من الواقع والارض التي نشأ عليها سكان وادي الرافدين ، وبما ان سكان المناطق الجنوبية هم امتداد للاسر الفلاحية التي نزحت نحو تلك الاراضي الخصبة
واستوطنت هناك وبمرور الزمن رافق حياتهم الاقتصادية المعتمدة على الزراعة والرعي حيث اصبح ذلك العرف القبلي الذي هيمن على جميع مرافق الحياة مهيمنا على الواقع الاجتماعي والسياسي واصبح ملازما لحياتهم وهم يتعاطفون معه ويرونه القانون الامثل لحل جميع معضلاتهم ، ولانه جزء مهم لتصريف الحياة اليومية في شتى المجالات ، ومن دونه لا يستطيع الافراد الحصول على حمايتهم الحقوقية حينما يكون الناس خاضعين وموافقين لتطبيق ذلك القانون .
وبقي الريف العراقي الى وقت ليس بالبعيد يطبق هذه القوانين العشائرية التي تعد الثقافة التي يتعامل بها السكان المحليون في تلك المناطق وتقسيم الناس الى افخاذ وعشائر ومسميات عديدة ، الامر الذي شجع جميع ( الاسر الفلاحية ) على التاكيد التام لمناصرته والدفاع عنه ، وقد ساهمت فيه جموع سكان الريف وتابعوا نصوصه وقوانينه تتبعهم الاجيال المتعاقبة تدريجيا مع جميع المفردات الناجمة عنه ، كما اصبح مواكبا لمراحلهم في ترحالهم واستقرارهم لذلك فقد نتج عن هذا القانون او ذلك العرف ( نصوص ) قانونية عديدة عرفت بكلمة الفصل و ( الفجرية ) و ( التلوية ) ولتوضيح هذه القوانين نوجز ما يلي
1- الفجرية
--------------
( الفجرية ) هي احدى المواد القانونية المتعلقة بنظام العرف العشائري اي انها احدى قوانين ( الفصل ) ويعني ذلك استحصال مبالغ نقدية او اعطاء نساء يقدمن فورا للعشيرة المتضررة في مثل حالات القتل الي تتضر منه قبيلة اخرى ، وتكون هذه الغرامة وطبيعة دفعها حسب نوعية ودرجة الحادث الذي من اجله تؤخذ تلك النساء والمبالغ ، وعلى هذا الاساس فان كلمة ( الفجرية ) هي الفصل المدفوع فورا ويعرف في الريف انه استحصال امرأة ( نسافة الكلة ) اي انها بالغة سن الرشد ، وبموجب ذلك فقد حصل ان الفصل الذي يقع بطريقة ( الفجرية ) يشمل ما بين امرأة واحدة او عدة نساء .
2- التلوية
----------------------
اما فيما يتعلق بمعنى ( التلوية ) فهي ايضا واحدا من بين انظمة قوانين الفصل الاخرى المرتبطة بقانون ( العرف العشائري ) الذي تحدثنا عنه في نظام الفجرية ، اي ان النساء اللواتي يؤخذن بطريقة التلوية يتعين ابقاؤهن لفترة زمنية غير محددة وحسب الوقت المناسب الذي تقرره تلك العشيرة المتضررة فكثيرا من النساء غالبا ما يكون بقاؤهن تحت اليد مع عدم التصرف بهن في زواج الغير حيث اصبحن محجوزات لافراد هذه العشيرة او تلك بموجب ذلك القانون الذي ندعوه بـ ( التلوية )، ومن الشروط الواضحة في نظام الريف ان مثل هؤلاء النساء اللواتي اعطين بهذه الطريقة ان لا يتم الاّ في نظام قضائي وهو نظام الفصل الذي يجمع فيه جميع المتخاصمون امام ( الفريضة ) وهم الرجال الذين لديهم خبرة طويلة في ممارسة القضاء العشائري ويكون قرارهم ملزماـ
للجميع ومنهم ( سلمان بن غيلان ) ( وشلاكة ) ( وكبار السواعد ) ( وآل ازيرج ) ( سلمان بن شنجار ) و ( عيادة بن فارس بن علكم ) و ( كاظم السدخان ) من البهادل وطبيعي ان مثل هذه الاعراف كانت تلزم الاشخاص بذكر مسميات النساء اللواتي يعطين بهذه الطريقة وهي فصل التلوية اي المرأة اللاحقة .
واصبح في الريف لسنوات طويلة ان فصل ( الفجرية ) وحتى ( التلوية ) وفق هذه الاساليب جعل من حالة اعطاء النساء بهذه الطريقة تجنيا واضحا بحق المرأة التي تصبح الضحية الاولى في حسم المنازعات والجسر الذي تعبر عليه المارة ، لكن اهل الريف يعدون ذلك حالة اجتماعية سائدة ومألوفة مرت عليها مراحل حياتهم وهو ما يشبه الاعراف الاجتماعية والعادات والتقاليد لبعض القبائل الموجودة في بقية بلدان العالم ، وعلى هذا الاساس فقد اصبحت تلك الامور من بين الانظمة الاجتماعية التي تهيمن على مجمل الحياة التي وما زالت تمارس اعمالها في داخل المدن حتى الان وتتخذ قرارات قانونية وتطبق بحقها كما نشاهده .
وبموجب ذلك النظام ( القضائي ) الذي فرضته الحياة في تلك البقاع قلت اهمية بروز المعارك والاقتتالات بسبب هذه القواعد او هذه الانظمة التي اخذ شباب اهل الريف يفهمون ويعطون مسمياتهم وفق هذه القوانين ، وان اشد ما يزعجهم اجتماعيا مثل هذه الحالات او تدفيعهم مبالغ نقدية باهظة .
وهناك انظمة محلية اخرى عبر عنها بكلمة ( صاية او رواية ) ولتوضيح ذلك فهو معنى التقليل من شدة التوترات فيما بين القبائل المتحدة مثل ( بني لام و وكعب ) او بين ( بيت زامل والكورشة ) من عشيرة السواعد او بين القبائل المتداخلة في ( عشيرة آل ازيرج ) فيكون الفصل ( صاية او رواية ) اما في حالة عدم وجود ذلك الاتحاد فان موضوع الفصل يفتش عن منافذ اخرى ويتخذ مأخذا اخر تدخل فيه اعتبارات عشائرية عديدة مما يؤدي بالتالي الى اضعاف العلاقات الاجتماعية فيما بينهم واشعال الفتن بين الناس ، واذا لم يحسم فانه يسبب في تعطيل الانتاج الزراعي واشغال الناس بالتهيؤ للمعارك الجديدة احيانا ، ومن جراء نشوب هذه الخلافات يتقمص الفرد لباسا اخر ثم يحصر
آراءه نحو ارتكاب الجريمة لاخذ الثأر انتقاما لعشيرته او للفرد الاخر وقد تصل طريقة اخذ الفصل كما بينا في السابق الى امور عديدة ، اما النظام الاخر الذي نتحدث عنه فهو النهوة والعطوة .
2- النهوة والعطوة
--------------------------
اما نظام النهوة ( والعطوة ) فهو واحد من بين تلك الانظمة العشائرية الاخرى التي تتصل في واقع الحياة الريفية بجميع خصائصها الاجتماعية والانسانية ، ومعنى ذلك ان نظام النهوة والعطوة متمم للقوانين التي تحدثنا عنها ويمكن توضيح ذلك بان كلمة ( النهوة ) جاءت على الوجه التالي :
فلو اعطيت امرأة لرجل في الريف من غير ابناء عمومتها والذين يرغبون في الزواج منها فعندئذ ترسل الى عشيرتها كلمة ( النهوة ) وخصوصا الى ذلك الرجل الذي يروم الزواج من ابنة عمه باسم ( النهوة ) ، وغالبا ما تكون الانذارات هذه موجهة من اقرباء البنت التي اعطيت الى رجل اخر ، كما لا يقتصر مفهوم النهوة على هذا الامر فقد استعملت ايضا في حالات عديدة .
اما العرف العشائري الذي ندعوه بـ ( العطوة ) فقد يحصل في حالات النزاع والاقتتالات ثم يطلب فيما بعد من القبيلة المتضررة الحصول على ( الهدنة ) وهي ايقاف الاقتتالات التي تنشب بين القبائل او بين بعض الاشخاص وتمزيق حالات الاستقرار العام والتهيؤ الى المعارك الجانبية الجديدة ، فعندها يطلب من السيد ( سروط ) او سيد سعد السيد صافي في قلعة صالح وبقية السادة الموجودين مثل ( سيد محمد العايد ) والسيد نور الدين ( او السيد يوسف ) او كبار ا الوجهاء مثل سلمان بن غيلان او سلمان بن شنجاراو الشيخ مناتي او صحين بن كنهاروغيرهم التقدم بطلب ( العطوة ) حفظا لسفك الدم لحين حصول تاريخ بدء ( الفصل) ، وجرت العادة هناك ان فترة طلب العطوة تكون لشهر او شهرين وهي قابلة للتجديد ، كما حصل ذلك في كثير من المعارك التي جرت بين البو محمد وقبائل بني لام ( وعشائر اخرى ، وعند قبول ( العطوة ) يعود الجميع الى العشيرة التي ارتكبت الجريمة ضد العشيرة الاخرى ويتم تبليغهم بأمر العطوة الصادر من الجهات المعنية بحسم الامور ، وبعد
انقضاء الفترة المطلوبة يتهيأ الجميع الى طبيعة الحالة الثانية وهي تقرير الفصل ، وغالبا ما تكون مدة العطوة اياما معدودة واستصحابهم معهم الى مكان القبيلة المتضررة لاعطائها مطاليب حسب قوانين العرف العشائري المتداول في المنطقة ، وفي حالة عدم ايجاد الحلول المناسبة للمنازعات تتجه القبيلة المتضررة فيما بعد الى سلوك الاساليب الاخرى مثل القتل والسلب والاعتداء على الاشخاص الذين ليست لهم صلات بموضوع القتل ، وتلجأ الى حفر الملاجىء التي يدعونها في الريف باسم ( الطوامير ) لحماية انفسهم .
وبهذا فان قانون العطوة يفصح عن كونه طلب ( المدة ) الموقت للقبائل المتخاصمة ، فغالبا ما كان يستحيل حل المنازعات بالطرق السلمية دون الاستعانة باهل المعرفة والدراية
لذلك فلا غرابة في كون هذه التقاليد الريفية حالة مالوفة فيما كان يعتقد به رجل الريف ، الامر الذي مكن اهل المعرفة لهذه المكانة البارزة في حل تلك المعضلات مع قبول آرائهم في حل جميع المنازعات التي كانت تحدث في جميع المناطق ، وطبيعي ان طاعة الناس لنداء كبار السن امثال السادة ورجال الفريضة هو امتداد تاريخي للمعتقدات الدينية والقبلية الموروثة في العراق كما كان يجري في اداء القسم فيحلف البعض منهم في كربلاء والنجف ، وهذه الامور وغيرها جاءت نتيجة السلطة المركزية ولكون الريف يقع تحت الادارة الذاتية وهي قوانين الريف .
أحكام الفريضة
-------------------------
في موضوع احكام الفريضة نسلط الاضواء على بعض الامور التي تتعلق القضايا القانونية الاخرى بكل من نظام الفجرية ـ والتلوية ـ والنهوة ـ والعطوة ، وخصوصا في تلك المناطق التابعة الى محافظة العمارة .
ومما تجدر الاشارة اليه ان سكان ريف العمارة للفتر ه السابقة كانت تشكل نسبة كبيرة من حجم المقاطعات للمحافظات المجاورة مثل الناصرية والكوت وغيرهما ، ولابد لهذا الحجم الواسع من
السكان التعامل مع الحياة بضوابط ونظم قانونية تؤمن سلامة الاسر الفلاحية في تلك المناطق النائية ، حيث ان الريف العراقي في الجنوب كان قائما بذاته ضمن ( الادارة الذاتية ) ، وحتى العرف العشائري واحكام الفريضة كانت تمارس تحت وصاية الاقطاع ثم رجال الفريضة ، وهاتان السلطتان هما الاثنان يشرعان القوانين ويصدران الاحكام القضائية ويتم تنفيذها بحق جميع الافراد مهما كان نوع الجريمة في داخل الريف ، ومعظم الحالات التي تتعلق بقضايا القتل والسطو وغيرها كانت تحسم ايضا وفق تلك القوانين والانظمة التي برهنت على فعاليتها في اخمادها ، لذلك فان ديمومة الحياة في الريف وتجديدها كان مكفولا وفق نظام يحمي حقوق الاخرين وعدم توقف حركة الانتاج الزراعية ، ولغرض تاكيد اهمية قانون النظام العشائري وتنفيذ بنوده على ايدي رجال تمرسوا في معرفة ادق التفصيلات وحل المعضلات العشائرية اطلق عليه اسم ( الفريضة ) التي انحصرت في بيت عيادة وبيت فارس من ازابج العمارة ( عبودة ) و ( بيت نصر الله ) ( وعرار بن صابر ) وكذلك عند ( غيلان ) الذي تزعم نظام الفريضة من بعده ابنه ( سلمان بن غيلان ) رئيس ( البو علي ) الذي عاصر وادي بن خليفة والد عريبي ، وكان بارعا حقا حتى ذاع صيته في جميع الاماكن بين ( البو محمد والسواعد ) ، وبعد وفاته جاء من بعده ابناؤه كما ظهر من بين القبائل الاخرى من بيت ( اشميل ) ومن بيت سعدون ، وبيت مولى ومن عشيرة البيضان ( مطلق بن معلا ) و ( عبد النبي بن كلخان ) و ( مناتي بن زبون ) اما الاشخاص الاخرون الذين برزوا من بين الرجال الذين ذكرنا عنهم في احكام الفريضة فهم ( منخي بن كريم ) ( وشلاكة ) من قبيلة البو ( اسليم ) ومن قبيلة البو زيد ( شريف بن معله ) الموجود في مدينة جميلة ومن قبيلة السواعد ( شبل الثامر ) و( محمد الموسى ) و ( محمد السبهان ) ، وولده ( اربيع بن سبهان ) و ( حسين بن حسان ) و ( عزيز بن شياع ) ، ومن عشيرة البهادل ( كاظم السدخان ) و ( شواي ) و ( خلف الشواي ) ، وكذلك لدى ( خلف آل ربيع ) في بيت ( جويلي ) وفي قبيلة الحريشي ( بيت حيدر) .ومن عشائر الفريجات سلمان بن شنجار وعيادة بن فارس بن علكم وستير ال وكف وفرحان بن لهد .........
ولغرض الوقوف على بعض الاحكام المتشابكة نستعرض هذا الحدث الذي وقع في عهد قديم وكان قد حصل في بعض الاجزاء الريفية الجنوبية وهو
ان ( شابة ) ريفية ظريفة كانت قد احبت شابا ريفيا من ابناء منطقتها لغرض الزواج منه ، لكن عشيرتها واشقاءها رفضوا زواجها منه ، وبعد ان علمت مؤخرا بعدم رغبة اهلها به ، اشتد غضبها وجزعها لما عرفته من اهلها وعشيرتها برفضهم عشيقها هذا ، ثم طلبت منه فيما بعد تدبير خطة للهرب بها الى مكان مجهول يبعدها عن محل سكناها الحالي لكي يتزوج منها هناك ..وبعد ان تم الاتفاق على الموعد المذكور في المكان والزمان المعنيين ، وفي الموعد المحدد سارعت الى المكان المطلوب غير ان عشيقها اخلف في الموعد المقرر ، واصبحت في حيرة من امرها في ذلك المكان النائي ، ثم خطر ببالها انه اوعد واخلف ، وعلمت فيما بعد انه تنكر لها ، وقررت بانها لم تعد بحاجة اليه ، وفي هذه الحالة المحرجة في وسط المنطقة الزراعية النائية ظهر هنالك شاب يروم الذهاب الى بعض الاماكن ، فاهتدى بصره اليها ، ولدى وصوله اليها اخذ يلح عليها لمعرفة سبب مجيئها الى هذا المكان النائي الذي لم تصل اليه اية شابة ، وبعد ان عرضت عليه قصتها كاملة ، وتحت وطأة الظروف المحرجة عرض عليها في الحال بان يكون بديلا لعشيقها الذي خذلها بسبب تخلفه ، ثم اكد لها بانه يكون موضع ثقتها ويجعلها زوجة له في مكان اخر ، وتحت وطأة الظروف المعروفة بالرغبات والياس قبلت بذلك العرض لكونها اصبحت محرجة ، وكرد فعل واتقاما من عشيقها ، وبينما هما سائرين في تلك المنطقة النائية ، اهتدى نظرها الى رجلين كانا مسرعين نحوهما وعلمت انهما شقيقاها لا محالة ، ثم اسرعت هي وذلك الشاب نحو رجلين يحرثان الارض وطلبا منهما النجدة ، وفجأة وصل شقيقاها ونظرا اليها مع ذلك الشاب الذي ليست لديهما اية معرفة سابقة به لانه ليس من منطقتهما ، وبعد لحظات استقر رأيهما بطلب عودتها معهما وصرخت بصوت عال بطلب النجدة مرة ثانية واخيرا اراد شقيقاها استخدام قوتهما ضد جميع الاشخاص الذين ساهموا بعدم موافقتهم على اعطاء( الدخيل ) في نظام العرف القبلي ، وحصلت معركة ضارية جرح على اثرها شقيقها الاكبر بجروح بالغة وانهزم الاخر ، كما جرح الرجلان اللذان كانا يحرثان الارض واللذان احتمت بهما هذه البنت ، واخيرا تمكن
هو وتلك الشابة من الذهاب الى مكان ناء يقع في وسط الاهوار بعد ان اصبحا ضيفين لدى بعض الاشخاص الموجودين هناك وضلت هي وذلك الشاب هناك ، اي لدى رجل البو غنام في منطقة الاهوار وحلا ضيفين لديه .
وبعد ان علم مضيفهما بقضيتهما وجميع الملابسات التي حصلت في طريقهما اخبرهما انهما سيكونان في مامن هنا وانهم سيصبحان معززين مكرمين في هذا المكان فضلا عن كون اهلهما وعشيرتهما اصبحوا مشغولين في موضوع هروبهما والحادث الذي سبب جرح احد اشقائها وعدم معرفتهم بمكان ابنتهم وما حل بها .
وعلى كل حال فانهما اصبحا معززين مكرمين لدى رجل البو غنام وكانت توجد في داره شقيقته البكر ووالدته المسنة ، وبعد مكوثها عدة اشهر طلب الشاب من رجل البو غنام موافقة على ذهاب شقيقته معه للتوغل في داخل الاهوار لقطف القصب والبردي وهذه عادة مالوفة هناك واطلاقا من ايمانه بان ذلك الشاب قد اصبح واحدا من عائلته وافق في الحال على طلبه ، وكالعادة المتبعة في الريف ان معظم النساء كانت لاتقيم حواجز بين الرجل والمرأة لان معظم النساء كانت تمارس الاعمال الزراعية واعمال الصيد مع الرجال ، سيما وان شقيقته كانت تقوم ببيع الاسماك على المناطق الزراعية المجاورة ، ومن بعد السير الطويل في اعماق ( الاهوار ) الآمنة وصلوا الى مسالك عديدة وفي لحظات الهدوء والسكون وهم بين ذوابات القصب والبردي امتزجت الاحاديث مع مشاعر ودية غيرت من مفاهيم عقد الزواج الذي تم بين ذلك الشاب والمرأة المتروكة في دار رجل البو غيام مما جعله يفقد الهدف الذي استند اليه مؤخرا .
لذلك فقد انقلب على زواجه الاول وقرر الهروب معها الى مكان اخر يبعدها عن اهلها لكي يتزوج منها هناك ومن خلال هذا العرض الذي توافق مع امانيها وافقت هي ايضا على قبول ذلك العرض .
واخيرا نفذت خطة الهروب العصيبة وتم هروبهما نحو بعض القرى الفلاحية القريبة من الاهوار وفي اماكن بعيدة عن اماكن سكناها السابقة وعند حلول المساء لم ير رجل البو غنام عودة شقيقته فاشتد غضبه وجزعه ولم يعرف
الاسباب التي ادت الى ذلك ، فقد اخذ يفتش عنها في جميع الاماكن ولم يعثر على اي اثر عن مكانها ، وأخبر الشابة التي تركت في ( داره ) بخيانة صاحبها ونتيجة للبحث الطويل علم بمكانهما وطلب من القبيلة التي آوته ان تقوم بطرده لفعله هذا ولم يفلح بسبب التقاليد والعادات المتبعة في الريف ، ومن خلال تلك الملابسات تكشفت معظم الامور بكل تفاصيلها مما حمل معظم القبائل التي تهمها هذه الحالات ان تشرف على المنازعات فيما بينها للاسباب المارة الذكر فكانت قبيلة البنت المختطفة تطلب الثأر من القبيلة التي ينتسب اليها الرجال الثلاثة اللذين احتمت بهم شقيقتهم ومعرفة الشاب الذي اختطفها وهم يجهلون اسمه كما اصبح رجل البو غنام وعشيرته يطلبون الثأر من القبيلة التي آوت الشاب الذي اختطف شقيقتهم ، ومن ثم اصبحت القبائل تروم القتال فيما بينها مما حمل معظم افرادها على طلب التحكيم من الفريضة وهو ( سلمان بن غيلان ) وعند وصولهم اليه طرحت امامه جميع القضايا وطلب منهم في بداية الامر ما يلي :
1 ـ الطلب باحضار الشاب الذي اوعد واخلف في بادىء الامر مع احضار رئيس قبيلته واشقائه .
2 ـ احضار الرجل الذي اختطف شقيقة رجل البو غنام مع رجل البو غنام ورؤسائهم .
3 ـ ثم التحدث مع الرجال الثلاثة ورئيسهم الذين احتمت بهم الشابة والذين كانوا يحرثون الارض والذين تسببوا في جرح شقيقي البنت المخطوفة ، وبعد احضار الجميع ذهب ( سلمان بن غيلان ) لمشاورة جميع اصحاب الاقضية كل على انفراد وطبيعي ان معظم هؤلاء كانوا متواجدين مع رؤسائهم في مضيفه ، وكبار السادة والاشراف من القبائل الاخرى .
طبيعة الجلسة
==============
كانت معظم الجلسات التي تتم في مكان وجود ( الفريضة ) تشهد اجتماعا يثير الرهبة والدهشة لما كانت تتمتع به تلك التقاليد الريفية ، لان معظم اصحاب القضية مهأيون لاستلام نهاية القضية ، حيث يجتمع المتخاصمون جميعا لحضور ذلك المشهد الغريب وبالرغم من حضور جميع المتخاصمين فكان لايسمح لاي فرد مهما كانت صفته وصلاحيته ان يتصرف بما لا يتناسب في هذا الاجتماع ، فكانت ( السادة ) والرجال الذين جلبوا لهذه المهمة يجلسون على السرير ، ويجلس اصحاب العشيرة المتضررة على الارض ويجلس رجال ( الفريضة ) في الجهة المقابلة ويتقابل الطرفان وتطرح القضية ، وبعد دراسة كافة الامور يصدر قراره على الوجه التالي الذي يصبح ملزما وكانه صادر من محكمة قانونية :
1 ـ قرر طرد الشاب الذي اختطف شقيقة رجل البو غنام وفصله من العشيرة وجميع العشائر ثم تضمينه فصل فجرية امرأة ( نسافة الكله ) تعطى الى رجال البو غنام وتضمينه ايضا فصل مبلغ نقدي يعطى الى عشيرة البنت الاولى لكونه المسبب في هروب شقيقة رجل البو غنام .
2 ـ استحصال مبلغ نقدي وامرأة فصل فجرية ( نسافة الكله ) تؤخذ من الشاب الذي اوعد واخلف وتعطى الى عشيرة البنت الاولى لنكايته بها وخذلانه لها في بادىء الامر .
3 ـ موافقة جميع الاطراف على الطلب الذي تقدم به الفريضة ( سلمان بن غيلان ) بزواج البنت المتروكة في دار رجل البو غنام الى ذلك الرجل الذي بقيت بعهدته وهو رجل البو غنام وطلاقها من الاول .
4 ـ الطلب من رجل البو غنام وعشيرته الموافقة على قبول زواج شقيقتهم الى الشاب الذي اختطفها وعدم الاعتداء عليهما واعتبار هذا الزواج قضية شرعية .
وقرر اخيرا استحصال موافقة جميع القبائل المتخاصمة على اعطاء
( كبارة ) الى رجل البو غنام لقاء الحفاظ على البنت التي تركت في داره لنزاهته وحسن ضيافته ، وفي النهاية وافق الجميع على ذلك القرار الذي تمت جلسته في مضيف الفريضة وبالتقاليد البسيطة وكتبت القرارات من قبل الكتاب وتمت المصادقة عليها امام الحاضرين من كبار الاقطاعيين والسادة ونفذت جميع تلك القرارات التي صدرت من قبل رجل الفريضة .
وصفوة القول فان ذلك جزء من القوانين المتعلقة بالعرف العشائري الذي ساد المنطقة ، واستجابة لمتطلبات البيئة التي يحتمي بها العديد من الاسر الفلاحية كما لا توجد هناك اي انظمة او قوانين تمكنهم من استبدال هذا النظام وخصوصا في المراحل الزمنية المنصرمة .
وعلى اية حال فان نظام العرف العشائري يعد جزءا مهما لنظام ( الادارة الذاتية )
------------------------------------------------
من مصادر البحث/اهل الريف في جنوب العراق
سكان الاهوار
منقول