لا نعرف بالضبط تاريخا محددا لدخول السلاح الناري إلى العشائر في جنوب العراق بعد أن كان السلاح المعتاد في تلك الفترات يقتصر على الأسلحة البدائية كالسيوف والرماح والسكاكين والخناجر والعصي و(المكوار و الصخرية والفالة) ولكن من المعتقد أن القرن التاسع عشر هو البداية التي عرفت فيه العشائر العراقية في الجنوب السلاح الحديث في ذلك الوقت والمتمثل بالأسلحة النارية((البنادق)) أو ما يطلق عليه محليا((التفكه)) حيث بدأ يتسرب بعد التوغل البريطاني في منطقة الجزيرة العربية وما تحصل عليه هذه العشائر من غنائم خلال معاركها مع الجيش العثماني.



وكان حصول العشائر على الأسلحة النارية يعتبر نقلة نوعية في تاريخ هذه العشائر فاستطاع حامل هذا السلاح الجديد من الفلاحين ومربي الحيوانات حماية مزروعاتهم وحيواناتهم من هجمات الحيوانات المفترسة كالذئاب والأسود في بعض المناطق والخنازير وبنات أوى..وكذلك من اللصوص.
كما أن حصول العشائر العراقية في الجنوب على الأسلحة شجع هذه العشائر على التمرد والثورة ضد السلطات المحتلة سواء كانوا عثمانيين أو بريطانيين،وتعتبر((معركة البطنجه عام))1916من أهم المعارك التي خاضتها عشائر الازيرج شمال الناصرية ضد القوات البريطانية المحتلة والتي حصلت فيها عشائر الازيرج وخفاجة والبوسعد والعبودة على غنائم كثيرة وأهمها السلاح والعتاد وكذلك في ثورة العشرين... ولكن من المساوئ التي رافقت هذه الأسلحة وانتشارها بكثرة في الريف هو دخولها سلاحاً فعالاً في المنازعات والمعارك العشائرية وراح ضحيتها الآلاف من الضحايا نتيجة هذه النزاعات والتي غالبا ماتكون لأسباب بسيطة.
ولذلك نستعرض تأثير البندقية على شخصية ابن الريف
1ـ اعتبرت البندقية مكملة لشخصية المواطن الريفي حيث أصبحت جزءاً من شخصيته في ملبسه وجزءاً من مدخراته في بيته وأصبحت موضعاً للتباري في اقتناء أحسن واحدث النوعيات حتى لو باع كل ما يملك في سبيل الحصول على البندقية الحديثة ما دفع بعضهم إلى بيع ابنته أو اخته لكي يحصل عليها((تسويين أم جرغد يم جنام)) كما ردد المهوال هذه الهوسة أي أنها أفضل من البنت أو الأخت.
2ـ أججت الروح العدوانية والاستعلاء على الغير عند البعض باعتباره يملك القوة والمنعة ولا يستطيع احد أن يرد له طلباً...
3ـ كانت سبباً لآلاف الضحايا كما ذكرنا نتيجة امتلاكهم سلاحاً فتاكاً قياسا بالأسلحة البدائية.
4ـ أدت إلى سيطرة الإقطاعيين وملاكي الأراضي على الفلاحين إذا عرفنا أن اقتناء الأسلحة النارية بادئ ذي بدء كان لهؤلاء نظرا لارتفاع أسعارها وصعوبة الحصول على العتاد اللازم لها.وكان العتاد يسمى ((الفشك)).
5ـ أدت إلى ازدياد حالات الفقر بين الفلاحين الذين يبيعون كل مدخراتهم في سبيل الحصول على هذا السلاح كي يجاروا أقرانهم ولا يبقوا أذلاء وسطهم.
6ـ ظهور سنن وأعراف خاصة في البندقية أصبحت جزءاً من القوانين العشائرية السائدة.
*ولكن كل ما ذكرنا أعلاه ربما لا يرقى إلى الفائدة المتوخاة من اقتناء هذا النوع من السلاح
أ-البنادق الأولى التي اقتنتها العشائر في الجنوب لنأخذ منطقة ريف الناصرية مثالاُ على التطور التسليحي للعشائر.
1ـ أقدم الأنواع التي انتشرت في هذه المناطق هي البندقية المعروفه محليا باسم ((الجعازه)) أو ((الدنكيه)) وهي من الأنواع القديمة جدا ولا نعرف تاريخا دقيقا لوصولها إلى هذه المنطقة وهذه البندقية يطحن لها البارود أو يدق ثم يوضع في داخل حجراتها مع كرات حديدية((الصجم)) أو الحصى أو حبوب الماش عند استخدامها للصيد.
2- أم عبية... وهي بندقية غير آليه توضع فيها طلقة واحدة وبواسطة الترباس تدخل في حجرتها ثم تطرق بالزناد فتنطلق منها الرصاصة.
3ـ أم صفح أو المخروطة و الباشية وأم خبر والطرمة((الكركه)) أم ركبه و التركية والألمانية والانكليزية والسلافية وهي بنادق ذات حجرات تستوعب خمس اطلاقات.
4ـ البرنو وهي ثلاثة أنواع القصيرة والمتوسطة والطويلة.
5ـ الصليبية وهي بندقية نصف آليه تتسع حجرتها لعشر أطلاقات
وقد خلد شاعر الريف ((المهوال)) الاعتزاز بالبندقية وذكر صفاتها حيث قال احدهم:
التركي ملكنه والوزير الباش
والطرمهيين المفوض وأم خبر فراش
الماعنده من ذني ما نذبله فراش
وكذلك
جبنالك برنو ما ملعوب بسركيهه
وكذلك
على الخير بالعافية جبناله تفكه اسلافية
بـ مرحلة الكلاشنكوف: وتسمى محليا أم تلاثين وهذه تعتبر قفزة نوعية في تسليح العشائر العراقية وتسمى أم تلاثين نسبة إلى عدد الاطلاقات في شاجورها أو مخزنها.. اعرف احد أقاربي في الريف باع نصف ما يملك من الماشية واشترى هذه البندقية بحوالي ألف دينار في الوقت الذي لا يتجاوز مهر أجمل امرأة في تلك الفترة أكثر من مائتي دينار.
7ـ آر بي كي وهي سلاح أيضا روسي المنشأ وتختلف قليلا عن الكلاشنكوف من ناحية المدى وعدد الاطلاقات.
8ـ بي كي سي وهي آخر واحدث تسليح اقتنته العشائر الآن.
9ـ كما دخلت بعض أنواع الغدارات منها البور سعيد المصرية.
10ـ في الوقت الحاضر ونتيجة لانهيار الجيش العراقي حصلت كثير من العشائر على الأسلحة الحربية أي الأسلحة الثقيلة والهاونات والدوشكات بأنواعها.
رافق سلاح البنادق المسدسات وأحيانا يسمى((الورور)) وأقدم نوع وصل إلى ريف الناصرية هو مسدس((أبو وحدة)) أو((الفرد) ثم المسدس الوبلي الكامل والنصف والربع ومسدس سميث وكلاهما يعملان بالية الدوران((البكرة)) وسمي أيضا أبو البكرة ويستوعب حسب التصميم ست أو خمس أطلاقات بعدها دخل مسدس أبو المخزن وهو نصف آلي ومنه أنواع معروفة حاليا.
ج - طرق الحصول على السلاح
اغلب الأسلحة التي وصلت إلى العشائر العراقية هي إما غنائم من المعارك التي خاضتها العشائر العراقية ضد الجيش العثماني أو البريطاني وخاصة في ثورة العشرين كما ذكرنا أعلاه، بعد ذلك تم تداولها كتجارة سرية يمارسها تجار السلاح((القجقجيه)) عن طريق الأراضي ا لسعودية وخاصة عن طريق حفر الباطن أو عن طريق الاهوار المحاذية للحدود الإيرانية أو عن طريق الشمال.. وخلال فترة النظام السابق وضمن خطته في عسكرة الشعب قامت السلطات بتوزيع السلاح وبكميات هائلة إضافة إلى ذلك هزيمة الجيش العراقي عام 1991مكنت العشائر من الحصول على أنواع مختلفة من الأسلحة وكذلك في انتفاضة آذار
وبعد سقوط النظام وانهيار المؤسسة العسكرية عام 2003حصلت العشائر على أنواع وأعداد كبيرة من الأسلحة
د- الحالات التي تستخدم فيها البندقية في الريف
1ـ عند رؤية هلال شوال يقومون بإطلاق العيارات النارية ابتهاجا بقدوم العيد.
- في العراضات التي تستعرض فيها العشيرة قوتها.
3ـ عند تشييع الموتى الذكور فقط...! يقومون بإطلاق العيارات النارية مع الهوسات.
4ـ عند ختان الأطفال ابتهاجا وعند ولادة طفل ذكر عند العائلة.
5ـ في الأعراس عندما تزف العروس أو العريس تطلق العيارات النارية وعند مجيء احدهم من بيت الله الحرام
6ـ وأسوء حالة يتم فيها إطلاق النار هو في المعارك التي تحدث بين العشائر والتي يذهب ضحيتها عشرات الأشخاص أو عند((الدكه)) عندما يقومون بإمطار بيت المعتدي بوابل من الرصاص لإجباره على الاعتذار أو دفع الحشم.
7ـ عند صيد الحيوانات أو الطيور.
8ـ عندما تطلق رصاصة لكنها لا تخرج من البندقية يقولون عليها((خانت))أي فسدت وغالبا تحدث هذه الحالة عندما يكون العتاد من النوع المعاد((الشد)) أو إذا كان العتاد تعرض إلى الرطوبة.
9ـ لا يوجد منهج في العشائر للتدريب على السلاح وإدامته وإنما بالممارسة اليومية وبالاستخدام تتولد الخبرة في الاستخدام والإدامة.
في بداية انتشار الأسلحة النارية عانى أبناء الريف من مشكلة وهي كيفية إصلاح هذا السلاح ولكن بمرور الزمن ونتيجة لالتحاق أعداد من أبناء الريف بالجيش العراقي سواء مكلفين أو متطوعين ظهر عدد كبير ممن يجيدون إصلاح البنادق وانتشروا في الأرياف ويطلق عليهم ((الصويجل)) وكان يطلق على العتاد الأصلي ((الكر خان)).
أما العتاد المعاد الذي يصنعه شخص يطلق عليه((الشادود)) فيسمى((شد)) وهو غير فعال حيث يقوم الشادود باستخدام الظرف الفارغ مرة أخرى بعد تغيير الكبسولة.
كما برع الغجر في هذه المهنة أي إصلاح البنادق وهم عوائل متنقلة يطلق عليهم((الحداحدة)) وهؤلاء لا يمارسون الغناء أو الرقص كبقية الغجر الموجودين في المنطقة وإنما مارسوا أعمال الحدادة وصناعة السكاكين والمناجل والخناجر وأدوات الحراثه القديمة.

منقول