إليها ليغدو آمناً على حياته وعياله وماله وبفضل ذلك استطاع الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أن يقوم برسالة ربه وهو مقيم بين قومه المشركين لأنه كان تتمتع بحماية عمه أبي طالب ولم يجرؤ أحد من المشركين على مديد الأذى إليه ما كان أبو طالب على قيد الحياة وللإجارة مظاهر وتقاليد متعارف عليها، فكان يكفي ليدخل رجل في جوار آخر أن يصل رشاءه أو يتحرم بطعامه أو يستجير بقبر أبيه أو أحد أجداده أو يأكل شق ثمرهَ من ثمار الرجل لينال حق الجوار عنده حتى لو كان المستجار به غائباً عن الحي وتكون الإجارة بعقد شفهي يذاع نبأه على القبيلة ويلتزم المجير بمقتضاه بحماية جاره والثأر له إذا قتل وإلغاء هذا العقد يجري وفق مراسم متعارف عليها ويقترن بإعلان المجير تبرأه من جاره على ملأ من القوم منها على سبيل المثال إجارة الوليد بن المغيرة لعثمان بن مظعون في بداية الإسلام ثم تبرئه من جواره، وكذلك دخول أبي بكر رضي الله عنه جوار ابن الدغنه سيد الأحابيش ثم رد جواره عليه، وحق الإجارة وقف على طبقة الصرحاء من أبناء القبيلة أما الحليف فليس من حقه أن يجير وهذا يشمل دخول جماعهَ ما في جوار إحدى القبائل وتحلفها فلا تكون منزلتها مساوية لمنزلة حليفتها لأن التماس الحلف ناجم عن ضعفها وشعورها بالحاجة إلى حليف تعتز به وقد تؤثر الجماعة الدخول في نسب حليفتها وحينئذ تخلى عن نسبها وتقطع كل صلة لَربطها بقبيلتها الأم فعلى سبيل المثال فإنه دخلت اليرابيع وهم بطن من النمر بن قاسط بن جديلة بن ربيعه في نسب خلفائهم بني القني من تغلب، وهناك بعض القبائل التي كانت في الأصل مجموعة من البطون المتحالفة ثم اندمج بعضها ببعض مكوناً كقبيلة مستقلة ومن هذه القبائل تنوخ وغسان العباد، وقد تجد القبيلة الصغيرة نفسها في جوار قبيلة قويةَ كثيرة العدد فتسعى إلى محالفتها حرصاً على سلامتها ولتحتمي بها من أعدائها، وربما اضطرت القبيلة إلى أداء الأتاوة إلى سيد القبيلة التي تبسط عليها حمايتها ولم يزل هذا الحق معتزماً به إلى اليوم للعشائر القوية فشيخ العشيرة َالقوي يتقاضى الخوة من القبائل الضعيفة لقاء تعهده بحمايتها والدفاع عنها وكما برع العرب في حماية الجار فإنهم لم يخونوا عهداً قطعوه على أنفسهم حتى لو كان هذا العهد معقوداً مع أعدائهم والوفاء يعد من مكارم الأخلاق ومن عظماء الناس في ذلك رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأتباعه وهناك قصهَ الأعرابي وخلاصتها أن أعرابياً حكم عليه بالموت في عهد الخلافة العباسية ولما أحضر ليعدم طلب من الخليفة أن يعطيه مهلة ثلاثة أيام للذهاب إلى قومه من أجل تسديد ذمم وديون لأناس يطلبونه بها إلا أن الخليفة رفض ذلك فقام أحد الحاضرين ليقدم تعهد وكفالة بأن يقدم رقبته فداء فيما إذا لم يعد ذلك الرجل في المهلة التي حددها فقبل الخليفة ذلك وأطلق الرجل الذي وضع كفيله بديلاً له في سجنه وتمر ثلاثة أيام ولم يعد الرجل وقد حان تنفيذ الحكم بصاحبه الذي أحضر لتنفيذ الحكم فيه ويقدم الرجل بخطى ثابتة ليقدم نفسه فداء وتضحية إلا أن غباراً قد ثار عن بعد لينجلي عن رجل فإذا هو الرجل المحكوم عليه والذي طلب المهلة لتسديد الذمم وقد قدم نفسه معتذرا ً إن كان حصل أيِ تأخير في مقدمه، ويستحسن الخليفة صنيعه ويعفو عنه، وهناك قصة جابر عثرات الكرام وهي أن عكرمة الفياض قد ولي على البصرة في العراق لأحد الخلفاء العرب وكان عكرمة كريماً مفرطاً وصدف أن جاوره أحد كرماء العرب وقد أدبرت عنه الدنيا فكان يعيش حياة الكفاف وعلم عكرمة بحالة الرجل فقام في ليلة وأخذ معه كيسين من المال وطرق باب بيت الرجل وألقى عليه المال ولما ألح على اسمه قال له عكرمة إن اسمي جابر عثرات الكرام فعاد الرجل إلى عاده الكرم وبدأ الناس يتحدثون عنه حتى وصك خبره للخليفة الذي استدعاه ليوليه على أمارة البصرة خلفاً لعكرمة الفياض وتم عزل عكرمة ووضع في السجن نتيجة لتفريطه في مال المسلمين وهو المبلغ الذي قدمه تضحية للرجل وتوضع القيود في قدميه ويديه وتزوره زوجته وتطلب منه أن يطلع الرجل على صنيع عكرمة (جابر عثرات الكرام) فتسارع إلى مقابلهَ الأمير لتقول له أهكذا يكون مصير جابر عثرات الكرام وتقص عليه القصة فيسارع للذهاب إلى السجن معتذراً لعكرمة ثم يذهب للخليفة ليخبره بقصة عكرمة معه راجياً أن يعيد عكرمة لإمارة البصرة بدلاً عنه فيعجب الخليفة بهما ويعين الاثنين أحدهما إمارة البصرة والآخر إمارة الكوفة
منقول