اليوم اسرد لكم فصلا من كتاب ( حكايات عن المنتفق) لمؤلفه الدكتور حميد حمد السعدون والذي يتناول فيه مأثر ووقائع حقيقية لامراء المنتفك منذ تأسيس الامارة الى حد احتلال الانكليز للعراق.

الفصل بعنوان (( بيت السخا))

( في عام 1842 م, تولى الامير -بندر بن محمد الثامر- امارة المنتفق خلفا لاخيه- عيسى بن محمد الثامر- الذي توفي محترقا في داره.
وقد رافق وجوده على رأس قيادة الامارة, تولى(( محمد نجيب باشا)) ولاية العراق, وهو من الولاة القساة الذين اشتهروا بالزهو والغطرسة والكبرياء, مستهدفا التخلص من جميع الزعامات المحلية التي تواجه الدولة, وفي المقدمة من ذلك امارة المنتفك.

وقد اشتهر عن الامير-بندر- كرهه الشديد للسطلة العثمانية, متحينا الفرصة للافلات من الشكل الرسمي الذي يربطه مع والي العراق, خاضة وان اجراءات الاخير, كانت شديدة في كيفية الحصول على الضرائب المستحقة للدولة, وتحديدا بعد استحداثه اشكالا جديدة لهذه الضرائب, كان اشهرها ضريبة الرأس وضريبة الحصان, مما دفع المنتفق الى طريق التمرد الدائم على سلطة الدولة واجراءاتها القسرية, هذا غير مساهماتها في جملة من التمردات التي استشرت في اعالى الفراتوفي حوض دجلة, مما جعل الاثنان( الدولة والمنتفق) في حالة صدام دائم, حتى وان اتخذ اشكالا هادئة في بعض الاحيان.

وقد سعى الامير-بندر- الى احتلال الكويت عام 1844 م بعد ان وجدها احد بؤر التوتور في داخلية المنتفق, حين ضرب الحصار حولها مستهدفا اجتياحها, لكنه الغى مشروعه بعد وساطات متعددة, اتخذت اشكالا عديدة, ليس من المناسب الوقوف عندها والاسهاب بتفاصيلها.

وقد وجدت الدولة استمرار وجود هذا الامير, يتقاطع مع سياستها في الحكم المركزي الذي كانت تسعى السلطة العثمانية لتحقيقه في اقاليمها المتعددة, لذلك سعت الى استدعائه الى بغداد طيلة عامي 1845 و 1846 م للتشاور, لكنه امتنع عن تلبية تلك الدعوات تهربا مما يخطط لاستهدافه, مما جعل الاثنان في حالة تأهب واستعداد للاتي من الاحداث.

ومع كل شجاعة وبسالة هذا الامير ورفضه لاي تسلط اجنبي ومشاركاته الكثيرة في العديد من المواجهات ضد الدولة وغيرها, لكنه لم يشتهر الا بالكرم والجود, بل ان البعض كان يقارنه بكرم( مانع السخا) وما زاد من هذه الشهرة, ما قاله فيه الشاعر عبد الله بن ربيعة:

بيت السلف بيت الخلف والمظاهير - بيت عمار المنتفق من عماره
بيت الرعايا والهفايا المقاصير -بيت سلاطين العرب من حراره
بين بناشيهم علامة عن الغير - ما لجلجت عينيه بخدار جاره
بيت لهم ورد الرياسة بتصدير - حلوين علقم للذي به مرارة
بيت الندى بيت الغنى للمعاسير - بيت الرياسة والحكم والوزارة
بيت تقصده الهلاكا من النير - الله يدمر من سعى في دماره

وقد طارت هذه القصيدة في عموم المنطقة وفي بوادي نجد والخليج, بحيث باتت في اشهر ما قيل في حينه, ومازال الليوم الكثير من ابناء البوادي يحفظونها عن ظهر غيب. وقد ثنى ابن ربيعة قصيدته تلك باخرى يقول فيها:

للملتجي ظل ظليل ونعيما - وللمعتدي نيران حربه مضاريم

بندر ليالز الحقب للبريما - حامي جوانب دار منشاعن الضيم
بيت الندى وبضاعتي من قديما - بيت الرجا بيت الغنى للمعاديم
بيت لعله للعرب مستقيما - امين قولوها معي بالخواتيم

ومن حكايات كرم بندر مع شاعره عبد الله بن ربيعة ما رواه فهد المبارك في احد كتبه انه: منحه ذات يوم 25 ناقة محملة بالز والحنطة والتمر والسمن والقهوة. فشلت الاعطية لسان ابن ربيعة عن الشكر, وحسب الامير بندر ان شاعره استقل الاعطية فأمر بمضتعفتها, وعند ئذ انفجرت عينا ابن ربيعة بالدموع, وقال(( لست باكيا يا بندر من قهر الرجال, ولا شاكيا من حاجة تعوزني من حوائج الدنيا ما دمت حيا, وانما ابكيك حيا, وابكي خوفا من ان يكون اجلك قبل اجلي , فتكون علي الطامة الكبرى))

وحين توفي الامير بندر رثاه الشاعر ابن ربيعة بقصيدة طويلة نستقطع منها التالي:

جودية شلت عن الزور وحوار - اكفوا بها كدغ عن حوارها زور
ان يمموها سهيل للجدي تندار - فاضت عن البجسة ترزم لجافور
عيني تنام وبندر باظلم الغار - استغفر الله ما ترى واضح النور
عليه دمعي جانح الليل مدرار - والكلب جنى من لظى النار مسعور
مرحوم يانار على ضلع سنجار - يفرح به الساري من الشام للطور


كما ساهم الشعر العربي في ابراز صفات الرجل الايجابية, خاصة في كرمه وسخاءه الكبير لجميع ابناء (( الديرة)) وبأريحية عالية فقال احد ممن رعاهم الامير-بندر- بيتا من البوذية , بعد وفته يقول فيه:
مني راح المهتلف واليسور
اللي معبرها كناطرها واليسور
انا عكازتي بندر واليسور

خلاني بهيمة وكطع بيه

وقال شاعرنا في هذا المأثور:

للجود بيت وللسعدون ابيات - وللمأثر في الافاق ايات
لكل ضفة جود نحن شاطئها - فالجود عمر واهل البخل اموات



المصادر
1- عثمان بن سند ص 228
2- عباس العزاوي- تأريخ-ج7-ص63
3- لونكريك-ص 340
4- د عبد العزيز نوار - تأريخ.. ص 167
5- حسين خلف الشيخ خزعل-تأريخ الكويت- ج1-ص 119
6- لوريمر-ص1999
7 طلال عثمان المزعل-ص 294-295
8- مركز المخطوطات-رقم الملف 6670
9- مركز المخطوطات- رقم الملف 17652

منقوول