قضى الحاج عثمان اكثر من ثلاثين عاما وهو يسكن منزله الواقع في حي تسعين في كركوك ( كركوك مدينة عراقية غنية بالنفط ). هذا المنزل بناه بسلفة من شركة النفط حيث كان يعمل في قسم الانتاج وهو الذي نظم ورتب حديقة منزله وزرع فيها اشجار البرتقال والمشمش . واهتم بها اكثر خاصة بعد احالته على التقاعد منذ خمس سنوات .
كان يعود من الجامع بعد صلاة العشاء ويتناول وجبة العشاء , ثم يمدد ساقيه جالسا على الارض في صالون المنزل ويراقب التلفاز لغاية الساعة الحادية عشر ثم يذهب الى النوم ليتمكن من اداء صلاة التهجد في البيت ويذهب الى الجامع لاداء صلاة الفجر .
في احدى الليالي وقبل ذهابه الى النوم سمع طرقات على الباب .....
فتح الباب...
رجل غريب ذو ملامح لاتشبه ملامح اهل كركوك .
- تفضل ...
- شكرا ....هل انت حاج عثمان احمد محمد ؟
- نعم
- هل هذا رقم دارك .؟
- اخذ الحاج عثمان القصاصة الورقية وتمعن فيها ....
- نعم
- حاج ...هذه الدار هي داري فاارجو اخلائها خلال اسبوع .
تجمد حاج عثمان في مكانه ولم يتمكن من الكلام .
- في امان الله ياحاج .
صاحت زوجته الحاجة صبرية ...
- من في الباب ...؟
- زائر غريب جاء لشئ اغرب ....وقصى لها الحكاية ولم يعلما اولادهم وبناتهم .
لم يستطع الحاج والحاجة من النوم في تلك الليلة الحزينة .
كان ذلك الغريب ابلغه بضرورة حضوره في مقر الحزب في صباح اليوم التالي .
في اليوم التالي ادخلوه غرفة المسوْول الحزبي وهو خائف وقواه العقلية والبدنية على وشك الانهيار .
بادره المسوْول ....
- أتفضل حجي عثمان استريح .....نادى له بقدح من الشاي .
لقد تم تخصيص دارك للسيد ابراهيم ......وهو ضيف على مدينتنا كركوك وسوف نعوضك بقطعة ارض في حي الواسطي وكذلك بمبلغ جيد لتتمكن بناء منزلا جديدا لنفسك وعائلتك والان نعطيك مهلة اسبوع لتتمكن من تأجير دار سكن موْقتة .
سأل الحاج عثمان بصوت متهدج وعيناه امتلآتا بالدموع قائلا ...
- هل السيد ابراهيم ضيف عليكم ام هو ضيف علي ؟
بالرغم من ان سوْال الحاج عثمان اغاظ المسوْول الحزبي الا انه حاول السيطرة على رباطة جأشه وهدوْئه المفتعل .....عاد صوب الحاج عثمان محاولا تفسير معنى كلامه ....
- حاج الم تسمع بالمستفيدين وهم هوْلاء الذين تركوا بيوتهم في مناطق سكناهم في بغداد والمحافظات الجنوبية ولجأوا الى كركوك لخدمة اهاليها بعد استحصالهم موافقة قيادتنا الرشيدة .
ظل الحاج عثمان صامتا ولم يتمكن تمالك نفسه فاجهش بالبكاء ......ثم قال ..
- ولكن هذا ظلم يااستاذ !!
رد عليه المسوْول فورا .....
- حجي .....نحن هنا نناضل من اجلكم ومن اجل كل العراقيين وقيادتنا العادلة جاءت لتحمي حقوق الناس ... الم اخبرك بأننا سوف نعوضك ....هذا كلامي النهائي وامامك فقط اسبوع واحد .... أتفضل .
عاد حجي عثمان الى بيته واخبر اولاده بالخبر .
كانت سيارة الحمل على وشك التحرك لنقل اثاث بيت الحاج عثمان الى منزله الذي استأجره بسرعة وقبل ان يغلق باب السياج الخارجي , للمرة الاخيرة ....وقف على عتبة الباب وهو يلقي نظرته الاخيرة الى حديقته واشجار البرتقال التي زاد عددها على الثلاثين ....شعر بألم في صدره .....ثم هوى على الارض .....هرول الجميع نحو والدهم .....ولكن فات الاوان ......فالعبرات كانت قاتلة ..........
نور العيون123 أعجبه هذا.
منقول