ولد قاسم وساقاه مشلولتان لايستطيع المشي الا بعكازتين وحين يمشي تراه وكأنه يسحل ساقيه خلفه ,
لم يستطع اكمال الصف السادس . رغم تلك العاهة كانت الابتسامة تعلو وجهه خفيف الظل وكلامه يتسم بالعذوبة واللباقة وهو دائما يحاول ان يتصرف امام الناس وكأنه انسان سوي وطبيعي . كان يهوى التمثيل وتأسيس الفرق المسرحية في المدرسة وفي الحي .
لايستحي من عاهته ولايتذمر ولا يحسد الاشخاص الاسوياء وهذا قدره , مؤمنا بقضاء الله تعالى .
بحديثه اللطيف ومجاملاته واسلوبه الشيق وشخصيته الجذابة جمع الكثير من الاصدقاء ولأنه كان مولعا بالقاء التحية ورد السلام للكبير والصغير .
توفي والده عندما كان في الرابعة من عمره وظلت والدته ترعاه هو وشقيقتيه , رباب وأميرة .
عين كاتبا في دائرة الصحة مع وجبة تعينات المعاقين بامر من نائب رئيس الوزراء في بداية الحرب العراقية الايرانية .
كانت سهام بنت الجيران صديقة رباب تزورهم يوميا وتقضي ساعات في بيت قاسم الذي كان يشاركهن في جلساتهن ويتجاذب الحديث معهن .
سهام اصغر سنا من قاسم بعام واحد وهي حبيبة وجذابة في محياها وكلامها , لطيفة المعشر وقد تمكنت من اصابة قلب قاسم بسهم دون ان تدري .
ولم يتمكن قاسم مصارحتها بحبه ولكنه باح بحبه لزميله أدهم .
أعتقد قاسم ان سهام تبادل حبه بتلك النظرات التي تختلسها من وراء رباب الا انها في الحقيقة كانت تشفق عليه بسبب عاهته .
رباب كانت مشغولة في تحضير الشاي وبعض المعجنات ... تجرأ قاسم وباغتها وصارحها قائلا ..
- أنا ولهان بك واحبك ياسهام ...ماذا تقولين ..؟
ظلت صامتة ولكنها أصدرت اشارة بنظراتها ..فهمها قاسم بانها موافقة ...ظل قاسم يعيش في أوهامه حتى شعر انها استقرت في قلبه وعقله . فطلب من والدته واخته رباب ان يخطبن سهام له .
كاد يطير من الفرح حين علم ان والديها أبديا موافقتهما المبدئية على طلبه ولكنهما طلبا مهلة لأستشارة رأي أبنتهم كما جرت العادة والعرف .
قطعت سهام زيارتها لبيت قاسم وظل ينتظر على جمرة من نار .
سهام أنقطعت عن الدوام في المدرسة كما أخبرت رباب قاسم بذلك . وبعد مرور شهر علم قاسم أن سهام تركت المدرسة ..
ألح قاسم على رباب كي تزور سهام وتستقصي عن الخبر اليقين .
وهو ينتظر عودة رباب سمع صرير الباب الخارجي . بدأت ضربات قلبه تتسارع حتى كاد يقفز من قفصه ....هرول نحوها ونسى عكازتيه فسقط على الارض ...هرولت والدته واخته نحوه ورفعتاه فجلس على الكرسي وهو يكاد ان يغمى عليه .
أخبريني بسرعة ماذا جرى لسهام يارباب.
لم تستطع رباب الكشف عن حقيقة رد سهام لانه كان قاسيا جدا ..اذا سمعها قاسم فسوف يفقد عقله .
- والله ياقاسم سهام بعثت لك السلام وقالت انها لاتنوي الزواج في الوقت الحاضر وقد منعها والدها من مواصلة الدراسة خوفا من القال والقيل .
أما الحقيقة التي ظلت خافية على قاسم فان سهام أبلغت رباب بأن قاسم شخص معوق فاذا تزوجته كيف سوف تمشي معه في الشارع كما ان قاسم مجرد كاتب عادي ..وهي قط لم تحبه انما كانت تعطف عليه ولم تجرح مشاعره .
أذعن قاسم لهذا الواقع المر ولم تمض ثلاثة اشهر سمع قاسم بأن سهام على وشك الزواج ..!
يوم الزفاف أصر قاسم لمعرفة شخص العريس فبعث رباب الى حفلة الزفاف ثم لم يصبر فذهب بنفسه وهناك كاد ان يقع من طوله على الارض ...
من ...أدهم ...صديقه الحميم ..!
أدرك الان لماذا قطع أدهم علاقته معه منذ أكثر من خمسة أشهر .
كان أدهم قد تخرج من الكلية العسكرية ضابطا برتبة ملازم ثان ولم يمضي سوى أربعة أشهر على زواجه من سهام حتى أصيب في احدى معارك الحرب العراقية الايرانية وبترت ساقيه من مفصل الركبتين فأصبح جليسا لكرسي متحرك ..تدفعه سهام في الشوارع .
.
تطلقت سهام من أدهم وبعثت بخبر الى قاسم تعلن موافقتها على الزواج منه ..
بعث قاسم اليها بهذه الكلمات ...
- ان من رفضتني بسبب عاهتي سوف أرفضها بسبب خيانتها وظلمها .......
بقلم الدكتور محمد فاتح رفيق