مات زوج بدرية فجأة , وترك لها خمسة بنات أكبرهن لم تبلغ الخامسة عشر من عمرها ولعدم وجود نظام لرعاية الارامل واليتامى القاصرين , ورغم وجود وزارة حكومية تحمل اسم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ....
هكذا ظلت بدرية حائرة هي ووالدتها العجوز تفكر في بناتها الخمسة وتبحث عن السبيل الذي من خلاله سوف تحمي وترعى هذه الاسرة البائسة .
لاتحتاري يأبنتي فسوف نقوم انا وانتي بحياكة ( الليفة ) وبيعها ونعيش على واردها , وهكذا أستمرت بدرية ووالدتها بهذا العمل لمدة عامين ...حتى شعرت بألام في اسفل بطنها يصاحبها اسهال دموي بين حين وأخر , وكانت تراجع المستوصف القريب الى منزلهم دون جدوى , نصحها الطبيب الجراح بمراجعة أختصاصي , وساعدوها ببعض المال .
أجرى الطبيب الجراح ناظورا لبدرية وأرسل عينة من المستقيم الى الزرع .
بعد عشرة أيام ظهرت نتيجة الزرع فاذا ببدرية مصابة بسرطان المستقيم .
لم توافق بدرية في البداية باجراء عملية جراحية لها ولكنها في النهاية أضطرت بالموافقة لتفاقم أعراض المرض .
أجريت العملية من قبل طبيبين وبعد العملية نقلت الى الردهة الجراحية للمتابعة .
تصادف بعد العملية أضطررت لأخذ اجازة لقضاء بعض الاشغال , عدت الى الدوام بعد خمسة أيام وحين ولجت الردهة توجهت صوب سرير بدرية وجدتها تنتحب وتبكي حظها السئ .
- ماذا بكي يابدرية ..؟
- وافقت على اجراء العملية لأتخلص من الآمي واليوم مضت خمسة أيام لم أستطع النوم لا في الليل ولا في النهار بسبب الآم أشد من الآم قبل العملية .
- لماذا لم تخبري الممرضات ..؟
- دكتور وانت غائب لم تزرني اي ممرضة ولم يتم تضميد جرحي منذ ان خرجت من العملية .
صدمتني بكلامها ..كدت أجن ..
- كيف .. هل صحيح ماتقولين ..؟
- اي والله يادكتور ...ياطيب .
فورا ناديت الممرضة المسوؤلة عن الردهة وأستفسرت منها عن هذا الذنب الجسيم .
تلعثمت في جوابها ولم تنبس بكلمة .
-على كل سيكون حسابكم عسيرا .... افتحي الجرح الان .
حين أزالت اللاصق والشاش واذا انا امام منظر مخيف ..!
مئات من الدود الابيض كل واحد بطول سنتمتر واحد ملئت فسحة الجرح تتحرك يمينا ويسارا
أتصلت بالجراح الذي أجرى العملية وحضر فورا وهو يشتط غضبا ..
- هذا اهمال قاتل ..!
فعلا بعد يومين توفيت بدرية ..
جثة بدرية مسجاة على سريرها ووالدتها وبناتها الخمسة على الارض حول سريرها وهن يصرخن بصوت حزين ليودعن هذه المسكينة التي ذهبت ضحية الاهمال ..
ودعت بدرية اطفالها وتركتهن في مهب عواصف الحياة الدنيا ..دائما هنا ..المستقبل مجهول ..
حياتنا نفق مظلم لابصيص في نهايته ...
ولكن يبقى الامل وحسن الظن بالله تعالى .
بقلم الدكتور محمد فاتح رفيق