يوم الرقم:

قال أبو عبيدة: غزت عامر بن صعصعة غطفان، ومع بني عامر يومئذ عامر بن الطفيل شاباً لم يرئس بعد، فبلغوا وادي الرقم، وبه بنو مرة بن عوف بن سعد ومعهم قوم من أشجع بن ذئب بن غطفان وناس من فزارة ابن ذبيان، فنذروا ببني عامر وهجمت عليهم بنو عامر بالرقم، وهو وادٍ بقرب تضرع، فالتقوا فاقتتلوا قتالاً شديداً، فأقبل عامر بن الطفيل فرأى امرأةً من فزارة فسألها. فقالت: أنا أسماء بنت نوفل الفزاري. وقيل: كانت أسماء بنت حصن بن حذيفة. فبينا عامر يسألها خرج عليه المنهزمون من قومه وبنو مرة في أعقابهم. فلما رأى ذلك عامر ألقى درعه إلى أسماء وولى منهزماً، فأدتها إليه بعد ذلك، وتبعتهم مرة وعليهم سنان بن حارثة بن أبي حارثة المري، وجعل الأشجعيون يذبحون كل من أسروه من بني عامر لوقعة كانت أوقعتها بهم بنو عامر، فذلك البطن من بني أشجع يسمون بني مذبح، فذبحوا سبعين رجلاً منهم، فقال عامر بن الطفيل يذكر غطفان ويعرض بأسماء:
قد ساءت أسماء وهي خفيّة ** لضحائها أطردت أم لم أطرد

فلأبغيّنكم القنا وعوارضاً ** ولأقبلنّ الخيل لابة ضرغد

ولأبرزنّ بمالك وبمالك ** وأخي المرورات الذي لم يسند

في أبيات عدة. فلما بلغ شعره غطفان هجاه منهم جماعة، وكان نابغة بني ذبيان حينئذ غائباً عند ملوك غسان قد هرب من النعمان. فلما آمنه النعمان وعاد سأل قومه عما هجوا به عامر بن الطفيل، فأنشدوه ما قالوا فيه وما قال فيهم، فقال: لقد أفحشتم وليس مثل عامر يهجى بمثل هذا، ثم قال يخطئ عامراً في ذكره امرأة من عقائلهم:
فإن يك عامرٌ قد قال جهلاً ** فإنّ مطيّة الجهل الشباب

فإنّك سوف تحلم أو تباهي ** إذا ما شبت أو شاب الغراب

فكن كأبيك أو كأبي براءٍ ** توافقك الحكومة والصواب

فلا تذهب بحلمك طامياتٌ ** من الخيلاء ليس لهنّ باب

إلى آخرها. فلما سمعها عامر قال: ما هجيت قبلها.