ذكر حرب كعب بن عمرو المازني:

ثم إن بني جحجبا من الأوس وبني مازن بن النجار من الخزرج وقع بينهم حرب كان سببها أن كعب بن عمرو المازني تزوج امرأةً من بني سالم فكان يختلف إليها. فأمر أحيحة بن الجلاح سيد بني جحجبا جماعةً فرصدوه حتى ظفروا به فقتلوه، فبلغ ذلك أخاه عاصم بن عمرو، فأمر قومه فاستعدوا للقتال، وأرسل إلى بني جحجبا يؤذنهم بالحرب. فالتقوا بالرحابة فاقتتلوا قتالاً شديداً، فانهزمت بنو جحجبا ومن معهم وانهزم معهم أحيحة، فطلبه عاصم بن عمرو فأدركه وقد دخل حصنه، فرماه بسهم فوقع في باب الحصن، فقتل عاصم أخاً لأحيحة. فمكثوا بعد ذلك ليالي، فبلغ أحيحة أن عاصماً يتطلبه ليجد له غرة فيقتله، فقال أحيحة:
نبئت أنّك جئت تس ** ري بين داري والقبابة

فلقد وجدت بجانب ال ** ضّحيان شبّاناً مهابه

فتيان حربٍ في الحدي ** د وشامرين كأسد غابه

هم نكّبوك عن الطري ** ق فبتّ تركب كلّ لابه

أعصيم لا تجزع فإن ** نّ الحرب ليست بالدّعابه

فأنا الذي صبّحتكم ** بالقوم إذى دخلوا الرّحابه

وقتلت كعباً قبلها ** وغلوت بالسيف الذّؤابه

فأجابه عاصم:
أبلغ أحيحة إن عرض ** ت بداره عنّي جوابه

وأنا الذي أعجلته ** عن مقعدٍ ألهى كلابه

ورميته سهماً فأخ ** طأه وأغلق ثمّ بابه

في أبيات. ثم إن أحيحة أجمع أن يبيت بني النجار وعنده سلمى بنت عمرو بن زيد النجارية، وهي أم عبد المطلب جد النبي، صلى الله عليه وسلم فما رضيت، فلما جنها الليل وقد سهر معها أحيحة فنام، فلما نام سارت إلى بني النجار فاعلمتهم ثم رجعت، فحذروا، وغدا أحيحة بقومه مع الفجر، فلقيهم بنو النجار في السلاح، فكان بينهم شيء من قتال، وانحاز أحيحة، وبلغه أن سلمى أخبرتهم فضربها حتى كسر يدها وأطلقها وقال أبياتاً، منها:
لعمر أبيك ما يغني مكاني ** من الحلفاء آكلةٌ غفول

تؤوّم لا تقلّص مشمعلاًّ ** مع الفتيان مضجعه ثقيل

تنزّع للحليلة حيث كانت ** كما يعتاد لقحته الفصيل

وقد أعددت للحدثان حصناً ** لو أنّ المرء ينفعه العقول

جلاه القين ثمّت لم تخنه ** مضاربه ولاطته فلول

فهل من كاهن آوي إليه ** إذا ما حان من آلٍ نزول

يراهنني ويرهنني بنيه ** وأرهنه بنيّ بما أقول

فما يدري الفقير متى غناه ** وما يدري الغنيّ متى يعيل

وما تدري وإن أجمعت أمراً ** بأيّ الأرض يدركك المقيل

وما تدري وإن أنتجت سقباً ** لغيرك أم يكون لك الفصيل

وما إن أخوةٌ كبروا وطابوا ** لباقية، وأمّهم هبول

ستشكل أو يفارقها بنوها ** بموتٍ أو يجيء لهم قتول