حرب حاطب:

ثم كانت الوقعة المعروفة بحاطب. وهو حاطب بن قيس من بني أمية ابن زيد بن مالك بن عوف الأوسي، وبينها وبين حرب سمير نحو مائة سنة. وكان بينهما أيام ذكرنا المشهور منها وتركنا ما ليس بمشهور. وحرب حاطب آخر وقعة كانت بينهم إلا يوم بعاث حتى جاء الله بالإسلام.
وكان سبب هذه الحرب أن حاطباً كان رجلاً شريفاً سيداً، فأتاه رجل من بني ثعلبة بن سعد بن ذبيان فنزل عليه، ثم إنه غدا يوماً إلى سوق بني قينقاع، فرآه يزيد بن الحارث المعروف بابن فسحم، وهي أمه. وهو من بني الحارث بن الخزرج. فقال يزيد لرجل يهودي: لك ردائي إن كسعت هذا الثعلبي. فأخذ رداءه وكسعه كسعةً سمعها من بالسوق. فنادى الثعلبي: يا آل حاطب كسع ضيفك وفضح! وأخبر حاطب بذلك، فجاء إليه فسأله من كسعه، فأشار إلى اليهودي، فضربه حاطب بالسيف فلق هامته، فأخبر ابن فسحم الخبر، وقيل له: قتل اليهودي، قتله حاطب، فأسرع خلف حاطب فأدركه وقد دخل بيوت أهله، فلقي رجلاً من بني معاوية فقتله. فثارت الحرب بين الأوس والخزرج واحتشدوا واجتمعوا والتقوا على جسر ردم بني الحارث بن الخزرج. وكان على الخزرج يومئذ عمرو بن النعمان البياضي، وعلى الأوس حضير بن سماك الأشهلي. وقد كان ذهب ذكر ما وقع بينهم من الحروب فيمن حولهم من العرب، فسار إليهم عببنه بنى حصن ابن حذيفة بن بدر الفزاري وخيار بنى مالك بن حماد الفزاري فقدما المدينة وتحدثا مع الأوس والخزرج في الصلح وضمنا أن يتحملا كل ما يدعي بعضهم على بعض، فأبوا، ووقعت الحرب عند الجسر، وشهدها عيينة وخيار. فشاهدا من قتالهم وشدتها ما أيسا معه من الإصلاح بينهم، فكان الظفر يومئذ للخزرج. وهذا اليوم من أشهر أيامهم، وكان بعده عدة وقائع كلها من حرب حاطب، فمنها: