قصة توضح التنافس بين قادة القبائل العربية في المروءة والتسامح

وهي قصة نقلتها من كتاب "من شيم العرب" للأستاذ فهد المارك ، الجزء الرابع ، الصفحة 35 ، الطبعة الثانية.

وهذه القصة توضح التنافس بين قادة القبائل العربية في المروءة والتسامح والفضل ، وقد حدثت بين عامي 1325-1330 هـ ، عندما غزا جماعة من قبيلة شمر بقيادة غريب بن معيقل قبيلة بني صخر. وكان مع الغزاة فتى حديث السن من عنزة ، وكان هذا الفتى وحيد والدته التي نزح بعلها من قبيلته إلى قبيلة شمر حتى توفاه الله. وعندما أراد فرسان شمر المسير قالت أم الفتى لغريب: إن ابني هذا حديث السن ، ولم يسبق له الغزو ، وهذه أول تجربة ، وحاولت أن أثنيه عن عزمه فأصر على مشاركتكم ، وكما تعلمون هو ولدي الوحيد. ثم توجهت إلى غريب ، وقالت له : إن ابني في ذمتك ، ثم أجهشت بالبكاء.

وجد غريب نفسه ملزماً بتعهده للصبي من عدة وجوه ، فالفتي هو العنزي الوحيد بين غزاة شمر ، إضافة إلى ما ألزمته أم الفتى.
سار الغزاة متجهين إلى بني صخر، وبدأوا بسبر المغزوين ، وعاد السابرون مسرورين لأنهم كشفوا مواقع إبل بني صخر ، ولم يلاحظوا عدداً كافياً من فرسانهم. ولكن الفارس غريب ، وهو البطل المجرب ، لم يكن مطمئناً ، فرسم خطة محكمة بأن قسم رفاقه إلى مجموعتين ، تذهب الأولى لكسب الإبل ، والثانية تبقى في مكان متوار عن الأعين ، حتى يتمكنوا من مهاجمة فرسان بني صخر من الأمام والخلف.
وعيّن غريب موعدين لقومه يلتقون بعد المعركة ، الموعد الأول يسمى (وعد الكذاب) والثاني (وعد الركاب). والوعد الأول هو لمراجعة وضعهم فإن تكاملوا استغنوا عن الموعد الثاني ، وموعد الركاب هو الموعد النهائي الذي لم يحضر فيه يكون قتيلاً أو أسيراً أو جريحاً متروكاً في أرض المعركة.

كانت هذه هي الخطة ، وصب فرسان شمر غارتهم على بني صخر. وربح الغزاة الجولة الأولى ، ولكن سرعان ما تبدل فرحهم إلى بؤس عندما أحاط بهم فرسان بني صخر. المهم أن المعركة انتهت ولم يحقق فرسان شمر ما أرادوا، وانسحبوا من أرض المعركة.

وصل فرسان شمر في الموعد المعين ، وتفقدوا بعضهم فوجدوا أنهم فقدوا الصبي العنزي سالف الذكر. انزعج غريب لفقد الفتى ، ولم يجد بداً من المغامرة لإنقاذ الفتى فيما إذا كان أسيراً ، مهما كلفته هذه المغامرة من ثمن.
طلب غريب من قومه أن يختاروا لهم رئيساً غيره ، وأن يعودوا لديارهم ، مؤكداً لهم عزمه على أن يعود من أجل الفتى.
كان غريب يعلم أن بني صخر لو ظفروا به لن تأخذهم به رأفة ، فحاول التسلل إلى أحد بيوتهم ويشرب من قهوتهم قبل أن يقبضوا عليه لعلمه أن ذلك سيكون حصانة له ، على حسب عادات العرب.

ذهب غريب حتى إذا قرب من بيوت بني صخر أوثق عقال ذلوله ، وتسلل تحت جنح الظلام ، فسمع اسمه على ألسنة بعض الرجال: سوف لايتركه غريب ، وسمع أخر يقول : خذوا حذركم منه فإنه قد يأتي الليلة أو ليلة الغد. المهم أن غريباً تربص قليلاً ثم تسلل إلى بيت أحد رؤساء القبيلة وهو الشيخ حديثة الخريشا ، وظل يحتسي من القهوة التي عند مدخل البيت. صاح صاحب البيت: من هذا؟ أجاب البطل: ضيف.
الخريشا: أأنت غريب بن معيقل؟ قال غريب: نعم.
الخريشا: أجئت تسأل عن رفيقك الصبي؟
غريب: نعم ، أين هو؟
الخربشا: كان هنا ، ولكنه حدثنا عن نفسه ، ورحمناه لأنه وحيد والدته ، ولم يكن عندنا شك أنك ستأتي لتطلبه ، وكنا ننتظر مجيئك. ولاتظن أننا حريصون على مجيئك لننتقم منك من أجل ما قمت به نحونا ، وإنما كان حرصنا من أجل أن نكرمك على وفائك مع رفيقك. ويجب أن تعلم أنك حتى لو لم تشرب من قهوتي فإنك لن تر مني إلا واجبات الضيافة والكرم.
غريب: هذا شي لا أستغربه منكم ، ولكن أعظم إكرام لي أن تسلموني الفتى.
الخريشا: إن الفتى وجد عقيلات قاصدين الشام فذهب معهم ، وحاولنا أن نرده عن عزيمته مقدرين أنك ستأتي على أثره ، ولكن أصر طمعاً بالأجرة.
غريب: هل تسمح لي أن أذهب متبعاً أثره لعلي ألحق به قبل أن يصل للشام.
الخريشا: معاذ الله ، كيف تذهب قبل أن نقدم لك واجبات الضيافة؟
غريب: لا أشك في كرمكم ، ولكن أرجو أن تسمحوا لي بالذهاب.

وبعد أخذ ورد بين البطلين الكريمين وافق حديثة الخريشا على الاكتفاء بغداء مبكر للضيف.
وفعلاً بعد الغداء الذي أقيم على شرف الفارس غريب ، وحضره وجوه قبيلة بني صخر ، ذهب غريب للشام بحثاً عن رفيقه العنزي ، ثم تبعه إلى العراق، ووجده هناك ، وأعاده سالماً غانماً إلى أمه.
__________________
منقول