من الآثار التي تركها الاسبان في الجزائر ومازالت باقية (بعيدا عن الآثار المادية المتمثلة في العمران ) ، هي بدون شك تلك الكلمات التي نتداولها في لهجتنا اليومية ، فمثلا هناك كلمتين شائعتين اعتدنا استعمالهما في اللهجة الجزائرية وهما في الحقيقة من أصل اسباني ( من اللغة الاسبانية القديمة ) و هما :
الكلمات الإسبانية في اللهجة الجزائرية ( وهران مثالا : أكثر من 800 كلمة اسبانية في اللهجة الوهرانية ) santa_cruz.jpg?w=535
– قلعة سانتا كروز ، أشهر معالم وهران الحالية : هي من الاثار العمرانية الشاهدة على تواجد الاسبان في وهران –

- الفيشطة : وهي في الحقيقة كلمة ( فييستا في الاسبانية الحالية ) لأنه في الماضي في اللغة الاسبانية القديمة كانت تنطق السين شينا …و المثال على ذلك مدينة اشبيلية التي تنطق اليوم ( سيفيليا)
- السمانة : و هاته كلمة اخرى لديها نفس المعنى باللغة الاسبانية و معناها الأسبوع
ومن الكلمات الاسبانية التي نفذت للهجة الجزائرية هي : شنـڨلة ، الكالنتيكا (وهو اسم الأكلة المشهورة في وهران والمعروفة في العاصمة بـ”الفرنطيطة”) … الخ

للعلم أكثر المناطق التي تأثرت بالكلام الاسباني .. هي تلك المناطق التي شهدت تواجد اسباني طويل نسبيا ، فمثلا المعلوم أن وهران خضعت للاحتلال الاسباني لعدة مرات متتالية ومازالت اللهجة الوهرانية لحد اليوم تحتوي على العديد من الكلمات ذات الاصل الاسباني تعود لتلك الفترة
وكشف الأستاذ بن علو في مداخلته بعنوان: ”الكلمات الإسبانية في العامية الوهرانية”، بأنه أحصى في إطار أبحاثه الجامعية قرابة 800 كلمة إسبانية في اللغة العامية لسكان وهران، على غرار كلمات ”كلانتيكا، شانكلة، كولا، طرابندو، كاريكو…”. ويرى المحاضر أن: ”توظيف هذه الكلمات، بغض النظر عن كونه ظاهرة عادية، دليل انتماء لفضاء ثقافي متعدّد، وثورة سوسيولغوية”. واعتبر استعمال هذه اللغة الهجينة محصّلة تعايش واحتكاك بين اللغتين الإسبانية والعربية لعدّة قرون.

جهلنا باللغة الاسبانية يعجلنا نظن أن تلك الكلمات من أصل عربي أو من اللهجات القديمة كالزناتية أو من كلام الكراغلة ( العثمانيون ) .. والصحيح أنها اسبانية تعرضت للتحريف ، كما لا ننسى دور الموركسيين المسلمين الذين خالطوا الاسبان ثم فروا من بطشهم، في نقل بعض الكلمات الاسبانية ونشرها في الجزائر خلال هجرتهم الثانية إليها …. وهذه الكلمات عموما منتشرة بكثرة في سواحل مستغانم و بجاية ودلس وآرزيو ومناطق من العاصمة وكل هذه مناطق إما خضعت للاحتلال الاسباني (1) أو شهدت توافد كبير للمور سكيون المسلمون .
—————-
1: تمكن الإسبان خلال الفترة 911 – 942هـ/ 1505 - 1535 م من أن يحتلوا ويخضعوا مواقع ومدنـا عديدة في الساحـل الجزائري . كـانتا لمرسـى الكبـير أولهـا 911هـ/1505م، ثم وهران ثانيها في 914هـ/1509م، و بجاية ثالثها في 915هـ/1510م وفي أعقاب احتلالهم لــهذه الأخيــرة، سـارعت المدن الصغيرة الواقعة بينها وبين وهران إلـــى إعلان خضوعها، والقبول بـشروط الإسبان مهما كانت مذلة، خشية أن يصيبها مـا أصاب سكـان وهران، وبجـاية، من قـتل وأسر وتشريـد. ومن أهم تلك المدن، مستغانم، والجزائر وقد بنى الإسبان في مواجهة هذه الأخيرة في سنة 916هـ/ 1510م حصنا منيعـا على صخرة لا تبعد عن شاطئ المدينة إلا بنحو مائة متر فقـط، وجعلوا فيــه حاميـة قوية. وبذلك أصبحت مدينة الجزائـر هي الأخرى شبـه محتلة، إذ غـدت تحت المراقبـة المباشرة للحامية الإسبانية، وتحت رحمة مدافعها وكانت تنس قد خضعت للإسبان، بعد احتلالهم للمرسى الكبير سنة 911هـ/1505م ، ولم يلبث أبو عبد الله محمد الزياني، ملك تلمسان، أن بعث في سنة 918هـ/ 1512م وفدا إلى إسبانياليعلن خضوعه وتبعيته للملك الإسباني ، وفي سنة 938هـ/1531م تمكن الإسبان من احتلال مدينة هنين الساحلية الواقعة غربي وهران ، وبعد نحو أربع سنوات تمكنوا أيضا من احتلال مدينة عنابة الساحلية بعد احتلالهم لتونس في صيف 1535م/942هـ ، و طرابلس في سنة 1510م/916هـ ولا يبدو أن السرعة التي تمكن بها الإسبان من فرض سيطرتهم على الشواطئ الجزائريـة والسهولـة التـي احتلـوا بها بعضها، تعود فقط إلى التفكك الذي كانت تعاني منه الجزائر خاصة في مطلع القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي، ولكنها تعود أيضا إلى تطور سلاح الإسبان بمقارنته مع سلاح الجزائريين ووسـائل دفـاعهم، إذ كان هؤلاء يحاربون كما يقول (بروديل) كرفاق عقبة بالسيف والرمح، في حين كان الإسبـان يحاربون بالسـلاح الناري والمدفعية ومـع ذلك فإن الإسبــان لم يحققوا كل ما كــانوا يهدفون إليه، من فصـل بين مسلمــي الأندلــس والجزائـر، واستغـلال خيـرات هذه الأخيــرة، واحتــلال سـواحلهـا ودوا خلها… الخ . بل ظــل احتلالهم مقصـورا على بعض المواقع والمدن الساحلية فقط، يشكون فيها الخوف، كما تؤكد ذلك وثائق اسبانية كثيرة ويعزو بعضهم عدم احتلال الإسبان للمدن، والمناطق الداخلية إلى أنهم لم يركزوا جهودهم على غزو الجزائر دون غيرها، فقد كانوا في الوقت نفسه منشغلين بحروبهم في المناطق الأخرى في أوربا كإيطاليا، وكذلك بغزو العالم الجديد. ويضاف إلى ذلك أن المقاومة الجزائرية، ما لبثت أن انتظمت بزعامة بعض المرابطين المجاهدين، كابن القاضي، ثم بزعامة الإخوة بربروس، ومن تلاهم. وأشعرت الإسبان بالخطر الكبير عليهم حتىفي المدن الساحلية القريبة من اسبانيا، والتي يمكن تموينها عن طريق البحر، فكيف بهم لو توغلوا أو أقدموا على احتلال المدن الداخلية ، ا لتي لا يمكن تمويلها عن طريق البحر ولكن الغزو الإسباني، وإن اقتصر على الشواطئ الجزائرية لسبب أو لآخر، فإنه قد ألحق أضرارا جسمية ليس فقط بالمدن المحتلة، و لكن أيضا بالمناطق الداخلية، المجاورة لها وغير المجاورة، إذ أن إحتلال الإسبان لكل من وهران ، وبجاية وعنابة، التي كانت كلها من المراكز الهامة لمختلف النشاطات الاقتصادية والاجتماعية، و الثقافية، كــان له انعكاسه السيئ على المناطق و المدن الداخلية، التي كانت تعتمد عليها في تلك المجالات و يتجلى ذلك في هجرة السكان المدن المحتلة ، و المناطق المجاورة لها المهددة بالمحتلين



منقول