جهاد قبائل بنو هلال في الأندلس 1375707_377945522338

الوجود الهلالي بشرق الأندلس
—————————————–
كان عبد المؤمن الموحدي يحرّض قبائل بني هلال على الجهاد في الأندلس، وكتب إليهم في ذلك قصيدة ورسالة مشهورة بين الناس يقول فيها :

أَقِيمُوا إِلَى الْعَلْيَاءِ هُوجَ الرَّوَاحِلِ وَقُودُوا إِلَى الْهَيْجَاءِ جُرْدَ الصَّوَاهِلِوَقُومُوا لِنَصْرِ الدِّينِ قَوْمَةَ ثَائِرِ وَشُدُّوا عَلَى الْأَعْدَاءِ شَدَّةَ صَائِلِ
فَمَا الْعِزُّ إِلَّا ظَهْرُ أَجْرَدَ سَابِحٍ وَأَبْيَضُ مَأَثُورٌ وَلَيْسَ بِسَائِلِ
بَنِي الْعَمِّ مِنْ عَلْيَا هِلَالِ بْنِ عَامِرٍ وَمَا جَمَعَتْ مِنْ بَاسِلٍ وَابْنِ بَاسِلِ
تَعَالَوْا فَقَدْ شُدَّتْ إِلَى الْغَزْوِ نِيَّةٌ عَوَاقِبُهَا مَنْصُورَةٌ بِالْأَوَائِلِ
هيَ الْغَزْوَةُ الْغَرَّاءُ وَالْمَوْعِدُ الَّذِي تَنَجَّزَ مِنْ بَعْدِ الْمَدَى الْمُتَطَاوِلِ
بِهَا نَفْتَحُ الدُّنْيَا بِهَا نَبْلُغُ الْمُنَى بِهَا نُنْصِفُ التَّحْقِيقَ مِنْ كُلِّ بَاطِلِ
فَلَا تَتَوَانَوْا فَالْبِدَارُ غَنِيمَةٌ وَلِلْمُدْلِجِ السَّارِي صَفَاءُ الْمَنَاهِلِ
قال ابن خلدون :
” ولم يزل الموحدون يستنفرونهم في جهادهم بالأندلس وربما بعثوا إليهم في ذلك المخاطبات الشعرية فأجازوا مع عبد المؤمن ويوسف ابنه كما هو في أخبار دولتهم.”
وقال أيضا :
” ثم سرح الخليفة أبو يعقوب معه أخاه السيد أبا حفص إلى الأندلس في عساكر الموحدين لما بلغه من إلحاح ابن مردنيش على قرطبة، بعد أن احتشد معه قبائل العرب من زغبة ورياح والاثبج، فاجتاز البحر وقصد ابن مردنيش، وقد جمع جموعه وأولياءه من النصارى. ولقيهم عساكر الموحدين بفحص مرسية، فانهزم ابن مردنيش وأصحابه وفر إلى مرسية، ونازله الموحدون بها ودوخوا نواحيه.”
كان الدخول القبائل الهلالية إلى الأندلس بعد خضوع كامل بلاد المغارب جميعا تحت يد عبدالمؤمن الموحدي بعد معركة سطيف 547 هـ — ومعركة المهدية 555 هـ
فكان عبدالمؤمن يضغط على بني هلال مرة ويستميلهم مرة لكي يقاتلوا معه في الأندلس … حتى تم له مراده فيما بعد هذه التواريخ … وإنتصر الموحدون والهلاليون على ابن مردنيش … وسيطر الهلاليون على إقليم شرق غرناطة وأقاموا فيه الحصون .




دور العرب الهلالية في الجهاد في بلاد المغرب والأندلس
حتى نهاية القرن السادس الهجري / الثاني عشر الميلادي
كان قدوم قبائل بني هلال وقبائل بني سليم وحلفائهم من باقي القبائل التي هاجرت معهم إلى المغرب من مصر في منتصف القرن الخامس للهجرة الحادي عشر للميلاد ، والتي تعرف بالهجرة الهلالية دورا كبيرا في الجهاد في بلاد المغرب والأندلس وكانت هجرتهم على أثر القطيعة التي حدثت بين صاحب إفريقية الأمير الزيري المعز بن باديس وبين الخليفة المستنصر الفاطمي في مصر (). وسرعان ما اجتاحت قبائلهم سائر إفريقية بعد الهزيمة الكبرى التي ألحقها الهلاليون بجيش المعز بن باديس في وقعة جبل حيدران سنة 444 هـ / 1052 م، وأقام رؤساؤها إمارات مستقلة لهم في قابس وصفاقس والقيروان وباجة وقرطاج وبنزرت. أما المعز بن باديس ، فقد انتقل من القيروان إلى المهدية، ولم تعد سلطته تتجاوز الشريط الساحلي القريب منها().
لقد كان لقدوم العرب الهلاليين إلى المغرب آثار سياسية واقتصادية واجتماعية() وعنصرية ولغوية عميقة في كافة أقطار الشمال الإفريقي، إلا أننا في بحثنا هذا سوف نقصر الحديث عن دورهم في الجهاد ضد الروم دفاعا عن أرض الإسلام والمسلمين، مما يدحض التهمة التي نسبها بعض الباحثين الفرنكفونيين المحدثين لهذه القبائل من ضعف شعورها الديني().
جهاد الهلاليين في إفريقية :
لم تحُل سوء العلاقات بين رؤساء قبائل بني هلال وبين الأمراء الزيريين دون مبادرة هذه القبائل الوافدة إلى المشاركة في التصدي لغزوات الروم على مدن ساحل إفريقية ، ففي عام 481 هـ/ 1088م ، هاجم أسطول جنوي بيزي كبير عاصمة الزيريين المهدية وضاحيتها زويلة ، فطلع جنود الروم إلى البر ، ونهبوا وخرّبوا وأحرقوا ودخلوا زويلة ونهبوها، وكانت عساكر الأمير تميم بن المعز غائبةً عنها في قتال الخارجين عن طاعته، ثم صالحهم تميم على ثلاثين ألف دينار بشرط أن يردوا جميع السبي ففعلوا ذلك ورجعوا(). وكان للقبائل الهلالية دور في التصدي للمغيرين على المهدية حيث تدفقوا نحو الساحل وملأوا الشاطئ وأوقعوا هزيمة ببقية البيزيين الذين كانوا يحرسون المرسى()، ولقد كانت البابوية دون شك وراء هذه الحملة التي سبقت أولي الحملات الصليبية في المشرق بعشر سنوات .
إن نجاح حملة الروم على المهدية كان لعدة أسباب أوردها التيجاني، من أهمها “غيبة عسكر السلطان عن المهدية ومفاجأة الروم دون استعداد لهم، وأخذ أهبة للقائهم ، وخلو كافة الناس من الأسلحة والعدد ، وقصر الأسوار وتهدمها وسوء رأي متولي تدبير البلد”، فضلا عن ضخامة الحملة التي كانت تضم بين 300 و 400 قطعة بحرية ().
وكان للقبائل العربية دور مرموق في الهزيمة التي ألحقت بالنورمان في جزيرة الأحاسي وحصن الديماس قرب المهدية في صيف عام 517 هـ/ 1122م، فعندما نزل قسم كبير من عسكر النورمان إلى البر بجزيرة الأحاسي تصدت لهم طائفة من العرب والأجناد “وكشفوا من كان بها من الروم عن مواضعهم ، وقتلوا منهم قوما وانتهبوا بعض أسلحتهم” . وأحاط العرب بقصر الديماس – وكان قد اعتصم به نحو مائة من جند النورمان- إلى أن نفد ما في الحصن من ماء وطعام . فخرج النورمان من الحصن “فتخطفتهم سيوف الأعراب فقتلوا عن آخرهم”().
ويذكر ابن الأثير أن صاحب المهدية الأمير الزيري الحسن بن علي استنفر المقاتلة لحماية المهدية “فأتاه من أهل البلاد ومن العرب جمع” . ويضيف ابن الأثير أنه لما نازل النورمان الحصن المعروف بالديماس “قاتلتهم طائفة من العرب كانوا هناك“().
وقد نوّه الأمير الزيري بدور القبائل العربية في إحراز النصر ودفع عادية النورمان، فقال في أحد كتبه“فاستظهرنا باستقدام قبائل العرب المُطيفة بنا ، فأقبلوا أفواجا أفواجا ، وجاءوا مجيء السيل يعتلج اعتلاجا ويتدفق أمواجا ، وكلهم على نيات في الجهاد خالصة ، وعزمات غير مترددة في مواقف الموت ولا ناكصة … (وعلى أثر نزول عسكر النورمان إلى البر في جزيرة الأحاسي) تسرّع إليهم من جندنا ومن أنضاف إليهم من العرب المنجدة لنا طائفة أوسعت أعداء الله طعنا وضربا ، وملأت قلوبهم خوفا ورعبا .. (وبعد احتلال النورمان حصن الديماس) تسربت العرب إليهم من كل فج …)().
وفي سنة 537 هـ/ 1142 م، تعرضت مدينةُ طرابلس الغرب لهجوم النورمان من البحر()، وكادوا أن يستولوا على المدينة لولا النجدةُ السريعة والحاسمة التي وصلت من القبائل العربية الهلالية (على رأسها زغبة التي كانت قد استقرت في أحواز طرابلس الغرب). ويحدثنا ابن الأثير عن ذلك فيقول : “وفي هذه السنة (537 هـ) سارت مراكب الفرنج من صقلية إلى طرابلس الغرب فحصروها . ونازلوا البلد وقاتلوه، وعلقوا الكلاليب في سوره ونقبوه . فلما كان الغد ، وصل جماعة من العرب نجدة لأهل البلد ، فقوي أهل طرابلس بهم ، فخرجوا إلى الأسطول ، فحملوا عليهم حملة منكرة ، فانهزموا هزيمة فاحشة ، وقتل منهم خلق كثير ، ولحق الباقون بالأسطول ، وتركوا الأسلحة والأثقال والدواب والآلات ، فنهبها العرب وأهل البلد ، ورجع الفرنج إلى صقلية”() .وهنا يظهر دور القبائل العربية الهلالية حيث إنها قامت بدور بارز في نجدة سكان طرابلس ودحر المغيرين النورمان()، فرجع الاسطول النورماني يجر أذيال الخيبة والهزيمة.
وفي عام548 هـ / 1153 م حاول رجار الثاني (المسيحي) صاحب صقلية الاستيلاء على قلعة اقليبية فلم يستطع، وفي ذلك يقول ابن أبي دينار القيرواني إن صاحب صقلية – وهو رجار الثاني- “نازل قلعة إقليبية فلم يقدر عليها لتجمُّع أكثر العرب فيها“().
ولقد ورد عند ابن الأثير ما يفيد رفض رؤساء القبائل العربية الهلالية القاطع تلقي معونة من غير المسلمين ضد سلطان مسلم ، ففي سنة 548 هـ / 1153 م استولي سلطان الموحدين عبد المؤمن بن علي على بجاية مُنهيا بذلك دولة بني حماد أصحاب القلعة ، فأبت قبائل بني هلال النازلة في شرق الجزائر الخضوع لسلطان الموحدين ، لأنها كانت تخشى أن يقوم الموحدون بترحيلهم جملة من بلاد المغرب . فعقدت لذلك العزم على الوقوف في وجه سلطان الموحدين، وإخراجه من البلاد وتحالفوا على التعاون والتضافر وان لا يخون بعضهم بعضا ، وعزموا على لقائه بالرجال والأهل والمال ليقاتلوه، يقول ابن الأثير : “واتصل الخبر بالملك رجار الفرنجي – صاحب صقلية- فأرسل إلى أمراء العرب وهم محرز بن زياد ، وجبارة بن كامل ، وحسن بن ثعلب، وعيسي بن حسن ، وغيرهم، يحثُهم على لقاء عبد المؤمن ، ويعرض عليهم أن يرسل إليهم خمسة آلاف فارس من الفرنج يقاتلون معهم على شرط أن يرسلوا إليه الرهائن ، فشكروه وقالوا : ما بنا حاجة إلى نجدته . ولا نستعين بغير المسلمين، وساروا في عدد لا يحصى … وجهز عبد المؤمن من الموحدين ما يزيد على ثلاثين ألف فارس … وكان العرب أضعافهم”().جهادهم في الأندلس قبل قيام دولة الموحدين :
إن أخبار قدوم بني هلال إلى إفريقية وأخبار إقدامهم وبلائهم في القتال قد وصلت إلى بلاد الأندلس. فلما ازداد خطر صاحب قشتالة على ممالك الطوائف في الأندلس بعد أخذه طليطلة، اجتمع مشايخ قرطبة عام 479 هـ / 1086 م بالقاضي عبد الله بن أدهم ، وعرضوا عليه الكتابة إلى عرب إفريقية مستغيثين بهم حتى إذا “وصلوا إلينا قاسمناهم أموالنا وخرجنا معهم مجاهدين في سبيل الله . قال القاضي : نخاف إذا وصلوا إلينا يخربون بلادنا كما فعلوا بإفريقية .. والمرابطون أنفع منهم وأقرب إلينا”() .
إن هذه الرواية التي يوردها كل من ابن الأثير والنويري ينبغي أن تؤخذ بتحفظ وحذر شديدين . ففي سنة 479 هـ / 1086 م كان المرابطون قد أتموا سيطرتهم على المغرب الأقصى وغرب المغرب الأوسط ، وكانوا قد وعدوا بنصرة أهل الأندلس بمجرد أن يتحقق لهم ذلك . ثم إن القاضي ابن أدهم – كسائر فقهاء الأندلس- كان يميل إلى المرابطين ويتطلع إلى مجيئهم لما تناهي إلى الأندلس من تقريبهم للفقهاء وتعظيمهم لهم . كما أن المعتمد بن عباد – صاحب اشبيلية وقرطبة- كان على علم بما حلّ بالإمارتين الصنهاجيتين في القيروان وقلعة بني حماد على أيدي بني هلال ، فكان يخشى بطبيعة الحال أن يحلّ به نفس المصير لو تم استدعاء تلك القبائل إلى الأندلس . ثم إن سمعة القبائل الهلالية في الأندلس كانت قد شوهتها الروايات المغرضة والمبالغ فيها كثيرا التي أذاعها النازحون عن بلاط بني زيري في القيروان إلى الأندلس كابن شرف والحُصري والحلواني ، والتي نجد صداها في التراجم التي عقدها ابن بسام الشنتريني لهؤلاء الأدباء ، وفي الفصل الذي أورده عن قدوم العرب الهلالية إلى إفريقية اعتمادا على تلك الروايات ().
ومهما يكن من أمر ، فإن مجرد تفكير زعماء الأندلس باستصراخ بني هلال لهو دليل في حد ذاته على أن أخبار كفايتهم القتالية ورغبتهم في المشاركة في الجهاد ضد الروم كانت قد ذاعت في الأندلس بعد فترة قصيرة من وصولهم إلى المغرب . وإن الباحث في تاريخ المغرب في النصف الثاني من القرن الخامس للهجرة / الحادي عشر للميلاد يلاحظ تشابها كبيرا بين العرب الهلالية وبين المرابطين . فهما جماعتان متزامنتان من (البدو )الرُحًّل الأشداء ذوي البأس والمراس قدمتا من أطراف الصحراء وقامتا بدور خطير في تاريخ الشمال الأفريقي والأندلس لتلك الحقبة . إلا أنه في حين أن المرابطين قُيّض لهم زعامة روحية تتمثل في المصلح عبد الله بن ياسين وزعامة سياسة موحدة تتمثل في أمراء المرابطين ، وعلى رأسهم يوسف بن تاشفين ، فتمكنوا بفضلهما من تحقيق وحدة الصف والعمل ، فإن بني هلال افتقروا إلى مثل هذه الوحدة ، مما بدد جهودهم وفرق صفوفهم ، وجعلهم عرضة للاستغلال من قبل أمراء الشمال الإفريقي لأغراض هؤلاء الأمراء الخاصة .
أحرز المرابطون في جهادهم في الأندلس انتصارات باهرةً كانتصارهم في وقعة الزلاقة سنة 479هـ/ 1086م في عهد يوسف بن تاشفين ، وفي وقعة أُقليش سنة 501 هـ/ 1108م في عهد ابنه علي بن يوسف . وكانت جيوش المسلمين تضم عناصر من المرابطين وأخرى من الأندلسيين ، إلا أن مما يلفت النظر أن عناصر من العرب الهلاليين شاركت هي الأخرى في وقعة أُقليش ، مما يدل على أن العرب الهلاليين انخرطوا في جيوش المرابطين مجاهدة في الأندلس منذ مطلع القرن السادس الهجري . ويشار إلى هؤلاء العرب في رسالة لأبي الفضل جعفر بن شرف كتبها عن الأمير تميم بن يوسف بن تاشفين قائد الحملة إلى أخيه أمير المسلمين علي بن يوسف في فتح حصن أقليش حيث يقول “فبرز فارس من العرب . فطعن فارسا منهم (الروم) فأذراه من مركبه ، ورماه بين يدي موكبه ، فانتهج ، ما ارتج ، وانفتح المبهم وأفصح المعجم …” (). ويصف المؤرخُ الموحدىُّ ابن القطان وقعة أقليش بأنها “من غر الوقائع وجليلها … واستشهد في هذه الوقعة الإمام الجزولي … وجماعة من الأعيان والعربان رحمهم الله تعالي” ().

جهادهم في الأندلس في عهد الموحدين :
لما قامت دولة الموحدين في المغرب الأقصى في منتصف القرن السادس الهجري/ الثاني عشر الميلادي أدرك سلاطينها منذ البداية القيمة القتالية لقبائل العرب الهلالية ، فحرصوا على توجيههم للجهاد معهم في الأندلس() التي كان يحيق بها خطر كبير من جانب ممالك قشتالة والبرتغال، ويكونون في الوقت ذاته قد تخلصوا من شغب تلك القبائل عليهم متعاونة – كما حدث أكثر من مرة- مع القائمين على دولة الموحدين كبني غانية الميورقيين ، وقراقوش الغزي()، مغتنمين فرصة بعدهم في إفريقية عن عاصمة الدولة في مراكش وانشغال الموحدين في المغرب الأقصى والأندلس .
والمصادر التاريخية العربية حافلة بأخبار الدور الذي قامت به قبائل بني هلال في الجهاد في الأندلس إلى جانب الموحدين ، وهي أخبار تشهد بشجاعتهم واستماتتهم في القتال ذودا عن المسلمين وديارهم .
فبعد أن فرغ أول سلاطين الموحدين عبد المؤمن بن علي من تحرير المهدية من الاحتلال النورماني سنة 555 هـ / 1160 م “جمع أمراء العرب من بني رياح ، الذين كانوا بإفريقية وقال لهم : قد وجبت علينا نصرة الإسلام ، فإن المشركين قد استفحل أمرهم بالأندلس واستولوا على كثير من البلاد التي كانت بأيدي المسلمين، وما يقاتلهم أحد مثلكم . فبكم فتحت البلادُ أول الإسلام وبكم يدفع العدو منها الآن ، ونريد منكم عشرة آلاف فارس من أهل النجدة والشجاعة ، يجاهدون في سبيل الله ، فأجابوا بالسمع والطاعة”() .

ويذكر ابن صاحب الصلاة أن الأمير أبا يعقوب يوسف كان ينتظر بفارغ الصبر في أشبيلية وصول المدد إليه من المغرب، فعلم أن والده في أحواز فاس “وقد استاق في أتباعه من العرب بني روح وبني جُشم وبني عدي (من بني هلال) وقبائلهم ما يضيق بهم الفضا ، على عدد الذباب وعدد الحصى”().
وعلى أثر قيام ابن مردنيش ومحاولته الاستقلال في شرق الأندلس بمعاونة النصارى ، وصل الخليفة الموحدى عبد المؤمن بن علي إلى سلا . وقال ليوسف بن سليمان – من أصحاب المهدي بن تومرت- “ركّب لي العرب ، ركّب لي منهم أربعة عشر ألفا وأُعطيك البشارة ، فركبهم حتى تخاطفت العربُ على الخيل . ودخل عليه يوسف بن سليمان بالبشارة”() .
ولما أراد عبدُ المؤمن بن علي الجواز إلى الأندلس ، استنفر أهل المغرب عامة فكان فيمن استنفره العرب الذين كانوا بمملكة حماد بإفريقية وهم قبائل من هلال بن عامر “فكتب إليهم رسالة يستنفرهم إلى الغزو بجزيرة الأندلس ، وأمر أن تُكتب في آخرها أبيات قالها – رحمة الله- في ذلك المعني ومنها :
اقيموا إلى العلياء هُوج الرواحل وقودوا إلى الهيجاء جُرد الصواهل
وقوموا لنصر الدين قومة ثائـر وشدوا على الأعـداء شدة صائـل
بني العم من عُليا هلال بن عامر وما جمعت من باسـل وابن باسـل
تعالوا فقد شدت إلى الغزو نيـة عواقبهـا منصــورة بالأوائــل
فاستجاب له منهم جمع ضخم ، فلما أراد الانفصال عن الجزيرة رتبهم فيها ، فجعل بعضهم من نواحي قرطبة ، وبعضهم من نواحي إشبيلية مما يلي مدينة شريش وأعمالها ، فهم بها باقون إلي وقتنا هذا – وهو سنة 621 (1224 م)- وقد انتشر من نسلهم نتلك المواضع خلق كثير ، وزاد فيهم أبو يعقوب وأبو يوسف حتى كثروا هنالك ، فبالجزيرة اليوم من العرب من زُغبة ورباح وجُشم بن بكر وغيرهم نحو من خمسة آلاف فارس سوي الرّجّالة” ().

وفي وقعة الجلاب قرب مُرسية (560 هـ / 1165 م) ، التي هزم فيها الموحدون ابن مردنيش وجموعه من الإفرنج ، استشهد سبعة من شيوخ العرب ، ويذكر ابن خلدون أن أغلب العرب في تلك الواقعة كانوا من زغبة ورياح والأثبج () .
ولما عزم ثاني سلاطين الموحدين يوسف بن عبد المؤمن على الغزو في الأندلس عام 566 هـ/1170م ، استدعي العرب وخاطبهم بهذه القصيدة يحرضهم إلى الجهاد ، ويستدعيهم إلى العروة العظمي ، ويصفهم فيها بما هم فيه من الشهامة والزعامة ، ويستقربهم بالقربى التي تجمعهم في قيس عيلان ، وأنهم السيف الماضي في نصر الدين وحمايته ، وهي من قول طفيل ، نجتزئ منها الأبيات التالية :
أقيموا صدور الخيل نحو المغارب لغزو الأعادي واقتناء الرغائب
ألا فابعثــوها همـــة عربية تحف بأطراف القنا والقواضب
أفرسان قيس من هلال بن عامـر وما جمعت من طاعن ومضارب
بكم نصـر الإسلام بدءا فنصـره عليكـم، وهذا عوده جد واجب
فقومـوا بما قامـت أوئلكم بــه ولا تغفلـوا إحيـاء تلك المناقب

فاستجابت له القبائل العربية (على رأسها الهلالية ) في إفريقية والزاب والقيروان، وكان عدد الخيل الواصلة من إفريقية أربعة آلاف فارس، ومن تلمسان ونظرها ألف فارس(). ويقول ابن خلدون إن يوم قدومهم على الخليفة في مراكش” كان يوما مشهودا، فأعرضهم وسائر عسكرهم ، ونهض الى الأندلس”().
ويذكر ابن أبي زرع الفاسي أنه وفد على أمير المؤمنين يوسف بن عبد المؤمن بن علي بمراكش سنة 571 هـ “أبو سرحان مسعود بن سلطان الرياحي في جيش عظيم من وجوه رياح برسم الخدمة”(). ويذكر النويري أن الخليفة يوسف بن عبد المؤمن ظل يجمع العساكر بين سنة 568هـ وسنة 571هـ ويرسلها في كل وقت إلى بلاد الإفرنج، “وكان في هذه المدة عدة وقائع وغزوات ظهر فيها من شجاعة العرب مالا يوصف ، حتى كان الفارس من العرب يسير بين الصفين ويطلب مبارزة الفارس المشهور من الفرنج ، فلا يبرز إليه أحد ثم عاد أبو يعقوب إلى مراكش” ().
وفي إحدى الرسائل الرسمية الموحدية المؤرخة في منتصف شوال 576 هـ/ 4 مارس 1181 م، من إنشاء الكاتب أبي الفضل بن طاهر بن محشرة، إلى الطلبة والموحدين والشيوخ والأعيان والكافة بقرطبة، أن أشياخ العرب وأعيانهم من جميع قبائل رياح جُمّعوا، فيقول
“وعرّفوا أن الغرض فيهم إنما هو غزو الروم الذين بجزيرة الأندلس … ونُدبوا إلى أن ينفروا إلى ذلك بقضهم وقضيضهم … ونفروا إليه بجملتهم من غير استثناء … ولم يبق من جموع رياح كلها على اختلاف قبائلها وتعدد عشائرها واتساع أفخاذها وعمائرها … وكل أظهر من جميل البدار … ما أقر العيون وشرح الصدور وملأ بالبشرى القلوب”() .

وتضيف الرسالة أنهم قد استصحبوا معهم من تتعلق به الخواطر من أهل وأبناء ونعم وشاء وأن يكون رباطهم في سبيل الله عوضا عن الفتنة والفساد الذي ارتكبوه ، وكان ممن حضر معهم الشيخ أبو سرحان مسعود بن سلطان بن زمام الذي خرج بنفسه وأهله وولده، وكلهم رجا أن يختم عمله بالرباط في تلك الجزيرة ، محتسبا على الله بنفسه…حتى يمحو ما سلف” (). واعتبر الخليفة أنه لو لم يكن في حركة الجهاد إلى الاندلس إلا ما كان من أمر العرب وكف أيديهم عن البلاد وصرفهم إلى الجهاد وطاعتهم بعد أن كانوا لا ينقادون لأحد لكفته دليلا على أن هذا الأمر مؤيد من الله.
ولما اعتزم الخليفة أبو يعقوب يوسف بن عبد المؤمن على معاودة الجهاد في الأندلس سنة 580 هـ، ونهض إلى سلا، وأفاه بها أبو محمد بن أبي إسحاق بن جامع من إفريقية بحشود العرب (). وأمر الخليفة الناس بالجواز “فجازت قبائل العرب أولا ، ثم قبائل زنانة ثم قبائل المصامدة …وأصناف البربر، ثم جازت جيوش الموحدين والأغزاز ...” ()، لغزو مدينة شنترين من بلاد غرب الأندلس().
ولما سقطت مدينة شلب بغرب الأندلس في يد صاحب البرتغال بمساعدة الصليبيين عام 585 هـ/ 1189م، جهز أبو يوسف يعقوب المنصور حملة كبرى لاستردادها، فاستنفر الموحدين “وإخوانهم العرب – وفقهم الله- … فبادر كلهم بنيات صادقة وعزائم إلى اغتنام الأجور مسابقة”() . ويذكر ابن أبي زرع الفاسي أن المنصور سير في تلك الحملة جيشا من الموحدين ومعهم جمع كثير من العرب ، ففتح بهم أربع مدن كان الفرنج قد دخلوها . وهي شلب ، وباجة ، ويابرة ، وقصر أبي دانس() .
إن أكبر عزوات المنصور في الأندلس الغزوة التي تكللت بالانتصار في وقعة الأرك عام 591 هـ/ 1195م على حلف كبير على رأسه صاحب قشتالة ، وكان لقبائل العرب الهلالية دور في إحراز ذلك النصر العظيم يذكره ابن أبي زرع الفاسي فيقول : “فكان أول من جاز البحر قبائل العرب ثم قبائل زناتة” . وقبل اللقاء ، استشار المنصور رؤساء القبائل اتباعا لأمر الله تعالي ، واقتداء بسنة رسول الله صلي الله عليه وسلم … فدعا أولا أشياخ الموحدين فاستشارهم ، ثم أشياخ العرب ، ثم أشياخ زناتة” . تم عقد الرايات لأمراء القبائل، لكل أمير راية() . ولما لزمت كل قبيلة رايتها ، “خرج جرمون بن رياح أمير العرب يمشي بين صفوف المسلمين ، ويقوي قلوب المجاهدين ، ويتلو هذه الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ()، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُم)() . وأقبلت قبائل العرب والأغزاز فأحاطت بالنصارى . ولما انسحب النصارى إلى الربوة التي بها ألفونس ليعتصموا بها، وجدوا عساكر المسلمين قد حالوا بينهم وبينها ، فرجعوا على أعقابهم ، فرجعت عليهم العرب وهنتاتة والأغزاز والرماة، “فطحنوهم طحنا، وأفنوهم عن آخرهم”، وأسرعت خيل من العرب إلى أمير المؤمنين … وقالوا له : “قد هزم الله تعالي العدو” ().



منقوول