تاريخ امارة الشابية لا يعرفه الا القليل في تونس وجزائر نظرا للتعتيم المقصود في العهد السابق .فلم تدرس في المعاهد و الجامعات . و لذلك بقى تاريخهم غير معروف مع انهم كونوا دولة مجاهدة في نهاية الدولة الحفصية بالقيروان دامت مدة 25 سنة .

تونس بين الشابية والسلفية

علالة حواشي نشر في جريدة الشعب يوم 03 – 03 – 2012

لعلّ أغلبنا يعلم أن تونس قد حضنت في العهد الحفصي دويلة دينية داخل الدولة الرسمية وهذه الدويلة هي الشابية التي انبثقت من حركة صوفية على الطريقة الشاذلية واستطاعت أن تدوم إثنتين وعشرين سنة (22) أي من 1535 م حين أسسها عرفة الشابي إلى سنة 1557 م حين قضى عليها العثمانيون بقيادة سنان باشا الذي قتل آخر أمرائها محمد بن عرفة الشابي وتشرد أتباعها وخاصة في القطر الجزائري الشقيق وسكنت أغلبيتهم سوق أهراس (لدى حلافئهم من عرب الحناشنة من شعب الاثبج ) كما تشتتوا في البلاد التونسية واستقر معظمهم في توزر حيث ابتنوا قرية الشابية تيمنا ربّما بمنبعهم الأول شابة المهدية أو بالحركة نفسها ومن هذه القرية جاء شاعر تونس الكبير أبو القاسم الشابي.
والشابية انبثقت كحركة إصلاحية تربوية واستمالت إليها القبائل واستطاع الشابيون بما لديهم من زوايا وكتاتيب ومشائخ في المدن والقرى والأرياف والصحراء, إستطاعوا أن يتغلغلوا في نفوس الناس من بدو ومن حضر حتى استمالوا إليهم العامة والخاصة وحتى المتمرّدين من الأعراب (حراكته الحنانشة ) والبربر (النمامشة )… وقد اختاروا القيروان عاصمة لهم لما لها من بعد حضاري وإسلامي وتاريخي وجغرافي… ثمّ لا ننسى أن المهدية منبت الشابيين عرفت هي الأخرى تسامحا دينيا تجلى خاصة في عصر الدولة الفاطمية بين الشيعة والسنة وبالخصوص في عهد الخليفة الفاطمي المنصور ولعلّ الذي رسخ قدم الشابيين بالبلاد التونسية هو طريقتهم التي تنبذ التطرّف الفكري فتعايشوا مع أهل البلاد ومع الجاليات في وئام والتصوف محبة كما قال الشيخ محيي الدين بن عربي : «أدين بدين الحبّ أنى توجهت * ركائبه فالحبّ ديني وإيماني».
وبذلك كانت الحركة الشابية مالكية المذهب مألوفة رغم تراث ابن خلدون العقلي وتركة الفقيه ابن عرفة المتشدّد نسبيا واباضية الخوارج وديانتي اليهود والنصارى… وما إلى ذلك ولعل هذا ما جعل بعض المعاصرين ينعت الشابيين بالقوميين الأوائل. وبهذا المنهج التونسي الصرف استطاع الشابيون تأسيس دويلتهم كردّة فعل على استهتار الحفصيين ومجونهم واستنجادهم بالإسبان لصد العثمانيين إلا أن هذه الدويلة كما قال المؤرخون وقفت في وجه الحكومات الثلاث الحفصية والإسبانية والعثمانية التي لم يرض بها الشابيون رغم إسلامها واعتبروها دولة غازية وهذه وطنية صرفة. وقد تكبد هذا الثلاثي ما تكبده من الشابية في محاولاته إخمادها, ولعل انشغال الحفصيين بالسياسة الخارجية للبلاد هو الذي فسح المجال للشابيين فكادوا يسيطرون على الداخل وكيف لا وقد وفروا العدل والأمن وهما أساس العمران واستطاعوا بذلك أن يستميلوا إليهم علماء الإسلام بالبلاد بل وكثيرا من رجالات الدولة الحفصية ومعلوم أن نسبة التحضر أو التمدن بالبلاد التونسية آنذاك كانت محترمة بل كانت تفوق ما تتصف به بلدان المغرب العربي من مدنية ومع ذلك فالمجتمع المدني التونسي لم يرفض في أغلبه دويلة الشابية وقد كانن زعماء هذه الحركة أشبه بأطباء النفوس كما قال المؤرخون ومن هؤلاء الزعماء أبو الطيب الشابي الذي تعزى إليه الكرمات وعبد الصمد الشابي صاحب الأقوال والأمثال المأثورة والتي لا نزال نعرّف بعضها ويردّدها بعضنا والتي تبدأ كلها بعبارة :»عبد الصمد قال كلمات…» والعجيب أن جدّ الأسرة الشابية أحمد بن مخلوف كانت له مدرسة تربوية بالعاصمة قبل أن ينتقل إلى القيروان وقد تربّى على يديه الكثيرون من أقطاب الصوفية كما تقول المصادر والمراجع ومعنى ذلك أنه درس المجتمع المدني طويلا قبل أن تؤسّس هذه الدويلة وبث في أبنائه ما بث من معارف إجتماعية ونفسية وغيرها وقال المؤرخ محمد المسعود الشابي حفيد عرفة الشابي مؤسس هذه الدويلة قال عن جدّ الأسرة أحمد الشابي المذكور آنفا أن صوفية المشرق كانوا يلقبونه «بزهرة أهل الغرب المنعمة» وقد جاء هذا في كتاب «الفتح المنير» للمؤرخ المذكور. والحاصل أن هذه الدويلة استطاعت أن تفرض وجودها رغم ما قد يشوب التصوّف من أباطيل وخزعبالات لا يرتضيها البعض إلا أن الشابية كما قال المؤرخون كانت ذات تنظيم سياسي وعسكري لم تعرفه إلا الطريقة السنوسية في القطر الليبي الشقيق في العصر الحديث وإن كانت جذور هذه الطريقة سلفية. أقول هذا وقد كثر في هذه الأيام الحديث عن إمارة سلفية في تونس فهل من موجب لقيامها وهل تستطيع أن تقوم فعلا خاصة وقد مرّ بنا أن ليبيا قد عرفت خطة إصلاحية مستمدة من السلفية الوهابية إسمها الطريقة السنوسية نسبة إلى المصلح الطرابلسي المعروف محمد بن علي السنوسي الذي مكث في مكة مدّة إطلع فيها على مذهب السلفية وتأثر به وخرج على الناس بطريقته تلك. وصحيح أن اقطار المغرب العربي تتشابه في دولها ومذاهبها وطرائقها وصحيح أن السعديين في المغرب الأقصى (نسبة إلى حليمة السعدية مربّية الرسول صلى الله عليه وسلم) استطاعوا أن يجعلوا من بلادهم دولة مستقلة في وجه الأتراك العثمانيين والبرتغاليين والإسبان وغيرهم. والسعديون ذوو النسب الشريف دولتهم إسلامية بالأساس إلا أن أقطار المغرب العربي قد لا تلتقي كثيرا في بعض الخصوصيات ولعل خاصية التمدن تختلف من قطر لآخر في شمال إفريقيا والحضارات المتعاقبة على تونس تبيّن ذلك. ولهذا فالتطرف الفكري في تونس أيا كان مصدره يكاد يكون مرفوضا وحتى الحركة الإصلاحية السنوسية في ليبيا فقد عمل باعثها على أن يجعلها تتماشى ومجتمعه ولهذا عمّرت ولا بدّ من التعديل. والقارئ وحده يمكن أن يحكم فلئن كانت الحركات الصوفية متسامحة بعض الشيء فالمذهب السلفي متشدّد لا يخاف في الله لومة لائم وأصحابه يؤمنون إيمانا راسخا بأن» ما صلح به أول الأمة هو نفسه الذي يصلح به آخرها» وهم يعملون بفرقهم المتنوعة على نشر مذهبهم كلفهم ذلك ما كلفهم كأنهم يعتقدون في فتح جديد للعالم سيتم على أيديهم. إن آجلا أو عاجلا . والشيخ محمد بن عبد الوهاب المولود سنة 1703 م والمتوفى سنة 1791م وباعث مذهب السلفية أو الموحدين لا يحكّم إلا القرآن الكريم والسنة المحمدية الشريفة قولا وفعلا وما أجمع عليه السلف الصالح من الأوائل وبذلك فهو لا يكاد يلتقي مع بقية مذاهب المسلمين وخاصة في الرأي والقياس وحتى حين دعا إلى الإجتهاد فمن منظور سلفي اي بالعودة إلى حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم وقد سبب له تشدّده هذا عدم الرضا عنه من قبيلته «عيينة» مما اضطره إلى الإلتجاء إلى آل سعود الذين أيدوه ودعا لهم وتظافرت السلطتان الروحية والسياسية وقويتا حتى أصبحت الجزيرة العربية كلها تقريبا على مذهب الموحدين أي الذي جاء به الشيخ محمد بن عبد الوهاب بعد تمحيص لآراء أحمد بن حنبل وشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وغيرهم ربما. بل إن مذهب الشيخ ابن عبد الوهاب استطاع أن يتخطى الجزيرة وقد ساعده على الإنتشار موسما الحج والعمرة وإطلاع الحجيج عليه ولعل إنتشاره يعزى كذلك إلى حالة الشعوب الإسلامية المزرية في تلك الفترة خاصة بعد وهن الدولة العثمانية وتفشي التخلف والجهل وإختلاط الإسلام بكثير من البدع والضلالات وطمع الغرب في تركة العثمانيين وبداية الإستعمار الأنقليزي والفرنسي وغيرهما…
فقامت على سبيل المثال إمارة سلفية في إقليم البنجاب الهندي في أواخر القرن 19 وتبنى الإمام الشوكاني المذهب السلفي ونشره باليمن وكذلك السنوسي الليبي كما تقدم . إلا أن المسألة تتطلب تحليلات إجتماعية ونفسية وغيرها… ممّا هو أعمق من هذا العرض بكثير. ومع إكتساح هذا المذهب لكثير من الأقطار, فإن التاريخ يقول لنا إن علماء الزيتونة قد ردّوا بالرفض تقريبا على رسالة الشيخ محمد بن عبد الوهاب التي يبين فيها مذهبه ويدعو إلى تبنيه وأدعو القارئ الكريم إلى قراءة الرسالة والردّ الذي كتبه الشيخ عمر المحجوب التونسي وسيجدهما في كتاب : (إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان الجزء : 3 لأحمد بن أبي الضياف) وقد يكون في هذا الردّ إملاء عثماني خاصة إذا علمنا أن العثمانيين قد أوعزوا إلى محمد علي حاكم مصر بملاحقة الوهابيين أينما وجدوا فطاردهم إلى داخل حدود الجزيرة العربية حيث استقرت دعوتهم.

سقطت الإمارة الشابية سنة 965هـ/ 1557م من المفيد التذكير بأن المقاومة الشابية للإحتلال العثماني تواصلت بعد سقوط الإمارة الشابية ثلاث وعشرون و مئة سنة، شهدت فيها أرض إفريقية من ظلم العثمانيين وعسفهم ما لم تشهده أرض إسلامية عداها، و لعهد قريب كانت النسوة الشابيات يقلن حين يفلت منهنّ الأمر «كيّة في الترك» كما أثّر على الشابية زرايتهم بتركيا و إرتياحهم لضعفها حين أدركها الوهن في قولهم «تركيا أُم بخنوق»، ومن ثم فإن القول بأن العثمانيين لم يعسفوا بتونس كما عسفوا بالمشرق قول لا طائل من ورائه . ومن سبب قلة المراجع التاريخية للشابين هو أن بعد سقوط إمارتهم قد أثنى على تلك التآليف وجعلها أثر بعد عين، و بين أيدينا و ثيقة تدل على أن دُور الشابية بالقيروان قد أنتهبت من طرف القرويين و سكان الضواحي عند هروب الشابية إثر الهزيمة، ونرى أن قادة الزاوية الغريانية و أتباعها هم الذين قاموا بهذا النهب لعميق حقدهم على الشابية الذين إستأثروا من دونهم لمدة طويلة بالسلطة و الثراء في القيروان، فهم قد حرضوا عليهم درغوث أولا و نهبوا دورهم ثانيا، و تبين أنهم نهبو من بين ما نهبوا المكتبة الشابيّة و تأليف أقطاي الطريقة منذ نشأتها و هم أحمد بن مخلوف و سيدي عرفة الشابي أبو الفضل و محمد الزفزاف و عبد العزيز و عبد الحفيظ و بدر الدين، و عمدوا إلى إتلافها حتى لا يبقى لذويها ذكر في القيروان.

بالنسبة لتاريخ الشابية فعلى من يحب التعرف عليهم اكثر ان يقرا كتابات الدكتور علي الشابي الهذيلي مؤرخ الاسرة الكريمة . و كتاب تاريخ العدواني المعاصر للحركة الشابية .

منقول