أهمية النسب عند العرب ..


انفرد العرب دون غيرهم من الأمم والأقوام .. بإيلائهم النسب .. اهتماماً خاصاً ومتميزاً وقد حظي هذا العلم وما زال يحظى بقدر كبير من الأهمية لدى المعنيين بذلك ، وإن هذا التفرد وهذا الاهتمام بعلم الأنساب لم يكن ليحتل هذا الموقع المتميز في تاريخ العرب الممتد منذ عصور ما قبل الإسلام وحتى الوقت الحاضر .. ما لم تكن هناك حاجة ماسة وأمور مطلوب التعرف عليها وإدراكها .. ولكن هذا المنحى الذي سلكته العرب كانت تصاحبه – في أحيان كثيرة – العصبية القبلية .. مع ما رافق ذلك من حروب ومشاحنات وغزوات ودماء وضحايا .. حتى جاء الإسلام .. فشذب ذلك السلوك المتعصب .. ولكنه لم يحارب الأنساب ..

ولم يدع إلى الانسلاخ من اسم القبيلة .. ولم يمارس سياسة العنف ضد القبائل بسبب تعصبها لأنسابها ، وإنما وضع لذلك قيماً جديدة وأخلاقاً وأعرافاً تتماشى مع الدين الإسلامي الحنيف .. من قبيل التآخي والتسامح وحب الخير للجميع ووحدة المجتمع الإسلامي وعدم التعصب العشائري والقبلي .. فقال سبحانه في محكم التنزيل العظيم :
بسم الله الرحمن الرحيم
(( يا أيها الناس إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ )) آية 13 سورة الحشر .

ولم يتراجع علم الأنساب في ظل الإسلام - وبعد أن انتشرت الرسالة الإسلامية وغطت مساحة واسعة من أرض العرب وأرض فارس والهند وغيرها - بل إن المسلمين وخاصة رجال العلم أخذوا يمعنون في عنايتهم بالأنساب .. وظهرت لهم مؤلفات ومصنفات واسعة .. فدونوا فيها أسماء القبائل العربية والبطون والأفخاذ والعشائر وغيرها ومما يؤكد هذا الحديث المروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (( تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم )) وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو يخاطب معاذ بن جبل ( لا ترفع عصاك عن أهلك ) ، إن هذه الأحاديث الشريفة جاءت متطابقة مع كتاب الله وآياته الكريمة .. حيث كان النداء موجه إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) – وأنذر عشيرتك الأقربين – هو بمثابة حجر الزاوية في التوجه للأهل والعشيرة .

أن هذا وغيره الكثير يضعنا أمام حقيقة مهمة جداً وهي أن علم الأنساب من العلوم المهمة جداً لجلالة قدره وعظيم شأنه عند العرب . وفي وصية الإمام علي عليه لأبنه الحسن المجتبى عليهما السلام : يقول (( وأكرم عشيرتك فإنهم جناحك الذي به تطير وأصلك الذي إليه تصير ويدك التي بها تصول )) ، وروي عنه عليه السلام كلام آخر في هذا المعنى .. حيث نقرأ في نهج البلاغة – الجزء الأول (( أيها الناس إنه لا يستغنى الرجل وإن كان ذا مال عن عشيرته .. ودفاعهم عنه بأيديهم وألسنتهم وأنهم أعظم الناس حيطة من ورائه والمهم لشعثه وأعطفهم عليه عند نازلة إذا نزلت به )) ويضيف كذلك (( ألا لا يعدلن أحدكم عن القرابة .. ومن يقبض يده عن عشيرته فإنما تقبض منه عنهم يد واحدة وتقبض منهم عنه أيد كثيرة .. ومن تلن حاشيته يستدم من قومه المودة )) .

من كل ما تقدم يتبين أن التعارف بين الناس كان وما يزال لا يتم إلا عبر الانتساب لقبيلة من قبائل العرب المعروفة .. وهذه من الخصال الحميدة التي اتصف بها العرب دون غيرهم من الشعوب الأخرى .



ولذلك فإن هذا التأكيد على معرفة النسب الصحيح له مبررات معروفة فقد ورد في سبائك الذهب للسويدي ذكر لهذه الفائدة تمثل في قوله : ( حتى لا يعتزي أحد إلى غير آبائه ولا ينسب إلى سوى أجداده ) .

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين وعلى آله الغر الميامين ..


منقول :

المصادر /
-------------------
الفاخر المستخرج في تاريخ الخزرج ، تأليف : لفته عبدالنبي الخزرجي .