من هو قاتل عمّار بن ياسر؟

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

قال أبو الغادية الجهني وهو يحدث عن قتله لعمار:
فلما كان يوم صفين، أقبل يستن أول الكتيبة رَجِلاً، حتى إذا كان بين الصفين فأبصر رجلٌ عورة، فطعنه في ركبته بالرمح فعثر، فانكشف المغفر عنه، فضربته فإذا هو رأس عمار. ثم قتل عماراً، واستسقى أبو غادية/ فأتي بماء في زجاج، فأبى أن يشرب فيها،
فأتى بماء في قدح فشرب، فقال رجل:... يتورع عن الشرب في الزجاج ولم يتورع عن قتل عمار[1]،
ويخبر عمرو بن العاص رضي الله عنه الخبر فيقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: قاتل عمار وسالبه في النار[2]. قال ابن كثير ومعلوم أن عماراً
كان في جيش علي يوم صفين،
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة


وقتله أصحاب معاوية من أهل الشام،
وكان الذي تولى قتله يقال له أبو الغادية، رجل من أفناد الناس، وقيل إنه صحابي[3]،
وقال ابن حجر: والظن بالصحابة في تلك الحروب أنهم كانوا متأولين للمجتهد المخطيء أجر،
وإذا ثبت هذا في حق آحاد الناس فثبوته للصحابة بالطريق الأولى[4]،
وقال الذهبي: وابن ملجم عند الروافض أشقى الخلق في الآخرة، وهو عندنا أهل السنة ممن نرجو له النار،
ونجوّز أن الله يتجاوز عنه، لا كما يقول الخوارج والروافض،
وحكمه حكم قاتل عثمان، وقاتل الزبير، وقاتل طلحة، وقاتل سعيد بن جبير،
وقاتل عمار وقاتل خارجة، وقاتل الحسين، فكل هؤلاء نبرأ منهم ونبغضهم في الله،
ونكل أمورهم إلى الله عز وجل[5]، وقد وفق الألباني في تعليقه على

قول ابن حجر: هذا حق، لكن تطبيقه على كل فرد من أفرادهم مشكل،
لأنه يلزم تناقض القاعدة المذكورة بمثل حديث الترجمة، أي
(قاتل عمار وسالبه في النار)[6]، إذ لا يمكن القول بأن أبا غادية القاتل لعمار مأجور،
لأنه قتله مجتهداً، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قاتل عمار في النار[7]،
فالصواب أن يقال: إن القاعدة صحيحة، إلا ما دل الدليل القاطع على خلافها،
فيستثنى ذلك منها كما هو الشأن هنا، وهذا خير من ضرب الحديث الصحيح بها[8]
. وقد ترجم لأبي الغادية الجهني ابن عبد البر فقال: اختلف في اسمه،
فقيل: يسار بن سًبُع وقيل يسار بن أزهر، وقيل إن اسمه مسلم. سكن الشام ونزل في واسط،
يعدُّ في الشاميين أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام، رُوي عنه أنّه
قال: أدركت النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أيفع، أرد على أهلي الغنم،
وله سماع من النبي صلى الله عليه وسلم قوله صلى الله عليه وسلم:
لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض[9]، وكان محباً لعثمان،
وهو قاتل عمار بن ياسر، وكان يصف قتله إذا سئل عنه لا يباليه
وفي قصته عجبٌ عند أهل العلم[10].
7 ـ المعاملة الكريمة أثناء الحرب والمواجهة:
إن وقعت صفين كانت من أعجب الوقائع بين المسلمين..
كانت هذه الوقعات من الغرابة إلى حد أن القارئ لا يصدق ما يقرأ ويقف مشدوهاً أمام طبيعة النفوس عند الطرفين، فكل منهم كان يقف وسط المعركة شاهراً سيفه وهو يؤمن بقضيته إيماناً كاملاً، فليست معركة مدفوعة
من قبل القيادة يدفعون الجنود إلى معركة غير مقنعين بها، بل كانت معركة
مدفوعة من قبل القيادة، معركة فريدة في بواعثها وفي طريقة أدائها وفيما خلفتها
من آثار فبواعثها في نفوس المشاركين يعبر عنها بعض المواقف التي وصلت إلينا
في المصادر التاريخية، فهم إخوة يذهبون معاً إلى مكان الماء
فيستقون جميعاً ويزدحمون وهم يغرفون الماء وما يؤذي إنسان إنساناً[11]،
وهم إخوة يعيشون معاً عندما يتوقف القتال فهذا أحد المشاركين
يقول: كناإذا تواعدنا من القتال دخل هؤلاء في عسكر هؤلاء وهؤلاء في معسكر هؤلاء..
وتحدثوا إلينا وتحدثنا إليهم[12]، وهم أبناء قبيلة واحدة ولكل منهما اجتهاده،
فيقتل أبناء القبيلة الواحدة كل في طرف[13]، قتالاً مريراً، وكل منهما
يرى نفسه على الحق وعنده الاستعداد لأن يُقْتَل من أجله، فكان الرجلان يقتتلان حتى يُثْخِنا
(وهنا وضعفاً) ثم يجلسان يستريحان، ويدور بينهما الكلام الكثير، ثم يقومان فيقتتلان كما كانا[14]،
وهما أبناء دين واحد يجمعهما، وهو أحب إليهما من أنفسهما، فإذا حان وقت الصلاة توقفوا لأدائها[15]،
ويوم قتل عمار بن ياسر صلى عليه الطرفان[16]،
ويذكر شاهد عيان إشترك في صفين: تنازلنا بصفين، فاقتتلنا أياماً فكثر القتلى بيننا حتى عقرت الخيل،
فبعث علي إلى عمرو بن العاص أن القتلى قد كثروا فأمسك
حتى يدفن الجميع قتلاهم فأجابهم، فاختلط بعض القوم ببعض
حتى كانوا هكذا وشبك بين أصابعه، وكان الرجل من أصحاب علي يشد فيقتل في عسكر معاوية
، فيستخرج منه، وقد مر أصحاب علي بقتيل لهم أمام عمرو، فلما رآه بكى
وقال: لقد كان مجتهداً أخشن في أمر الله[17]. وكانوا يسارعون إلى التناهي
عن المنكر حتى في مثل هذه المواقع، فكانت هناك مجموعة عرفوا بالقراء
، وكانوا من تلامذة عبد الله بن مسعود من أهل العراق ومن أهل الشام معاً،
فلم ينضموا إلى أمير المؤمنين علي، ولا إلى معاوية بن أبي سفيان
وقالوا لأمير المؤمنين: إنا نخرج معكم ولا ننزل عسكركم،
ونعسكر على حدة حتى ننظر في أمركم وأمر أهل الشام،
فمن رأيناه أراد ما لا يحل له، أو بدا منه بغي كنا عليه
فقال علي: مرحباً وأهلاً، هذا هو الفقه في الدين، والعلم بالسنة من لم يرضى بهذا فهو جائر خائن[18].
والحقيقة أن هذه المواقف منبعثة من قناعات وإجتهادات استوثقوا منها في قرارة أنفسهم وقاتلَّوا عليها[19]
لا يلتفت إلى ما قاله ابن حجر في ترجمة أبي الغادية في « الإصابة » وجزم ابن معين بأنه قاتل عمار.
- لم نجد رواية ثابتة جاءت من طريق صحيح لإثبات قتل أبي الغادية لعمار
- وهو ما أكده شيخ الإسلام ابن تيمية: «لا بد من ذكر الإسناد أولاً فلو أراد إنسان أن يحتج بنقل لا يعرف إسناده في جزرة بقل لم يقبل منه، فكيف يحتج به في مسائل الأصول» (منهاج السنة النبوية8/110).
- والإسناد من الدين كما قال عبد الله بن المبارك «الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء» (مقدمة صحيح مسلم). وقال سفيان الثوري «الإسناد سلاح المؤمن إذا لم يكن معه سلاح فبأي شيء يقاتل» (مقدمة المجروحين1/27). وهناك أحاديث في (الإصابة7/259-260) مهمة جدا في هذا الشأن.


قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
والذي قتل عمار بن ياسر هو أبو الغادية وقد قيل أنه من أهل بيعة الرضوان ذكر ذلك ابن حزم فنحن نشهد لعمار بالجنة ولقاتله إن كان من أهل بيعة الرضوان بالجنة .
منهاج السنة النبوية ج: 6 ص: 205

قال ابن حجر :
"والظن بالصحابة في تلك الحروب أنهم كانوا فيها متأولين وللمجتهد المخطيء أجر وإذا ثبت هذا في حق آحاد الناس فثبوته للصحابة بالطريق الأولى"
الإصابة ج: 7 ص: 312
وقال عبد العزيز بن باز:
وقال صلى الله عليه وسلم في حديث عمار: تقتل عمار الفئة الباغية: فقتله معاوية وأصحابه في وقعة صفين، فمعاوية وأصحابه بغاة،
لكن مجتهدون ظنوا أنهم مصيبون في المطالبة بدم عثمان[1].
و ـ وقال سعيد حوى:

بعد أن قتل عمار الذي وردت النصوص مبينة أنه تقتله الفئة الباغية، تبين للمترددين أن علياً كان على
حق وأن القتال معه كان واجباً ولذا عبّر ابن عمر عن تخلُّفه بأنه يأس بسبب هذا التخلف، وما ذلك
إلا أنه ترك واجباً وهو نصرة الإمام الحق على الخارجين عليه بغير حق كما أفتى بذلك الفقهاء[2]
* ـ الرد على قول معاوية رضي الله عنه: إنما قتله من جاء به[3]:
إن جل الصحابة والتابعين قد فهموا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمار: تقتلك الفئة الباغية[4]، إن
المقصود جيش معاوية رضي الله عنه، مع أنهم معذورون في اجتهادهم فهم يقصدون الحق ويريدونه،
ولكنهم لم يصيبوه، وفئة علي أولى بالحق منهم كما قال صلى الله عليه وسلم[5]، ومع أن
الأئمة لم يعجبهم تأويل معاوية ـ كما سأنقل ـ إلا أنهم عذروه في إجتهاده، فهاهو ابن حجر
يقول في قوله صلى الله عليه وسلم: يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار[6].
فإن قيل: كان قتله بصفين وهو مع علي، والذين قتلوه مع معاوية، وكان معه
جماعة من الصحابة، فكيف يجوز عليهم الدعاء إلى النار؟ فالجواب: أنهم
كانوا ظانين أنهم يدعون إلى الجنة، وهم مجتهدون لا لوم عليهم في إتباع طنونهم،
فالمراد بالدعاء إلى الجنة الدعاء إلى سببها، وهو طاعة الإمام وكذلك معذورون للتأويل الذي ظهر لهم[7].
وقال القرطبي: وقال الإمام أبو المعالي في كتاب الإرشاد، فصل: علي رضي الله عنه، كان إماماً حقاً في توليته،
ومقاتلوه بغاة، وحسن الظن بهم يقتضي أن يظن بهم قصد الخير وإن أخطأوه[8]، وقال أيضاً: وقد أجاب
علي رضي الله عنه عن قول معاوية بأن قال: فرسول الله صلى الله عليه وسلم إذن قتل حمزة حين أخرجه،
وهذا من علي رضي الله عنه إلزام، لا جواب عنه، وحجة لا اعتراض عليها قاله الإمام الحافظ أبو الخطاب ابن دحية[9]،
وقال ابن كثير: فقول معاوية: إنما قتله من قدمه إلى سيوفنا، تأويل بعيد جداً، إذ لو كان كذلك لكان
أمير الجيش هو القاتل للذين يقتلون في سبيل الله، حيث قدمهم إلى سيوف الأعداء[10]، وقال ابن تيمية:
وهذا القول لا أعلم له قائلاً من اصحاب الأئمة الأربعة ونحوهم من أهل السنة، ولكن هو قول كثير من المروانية ومن وافقهم[11]،
وقال ابن القيم معلقاً على هذا التأويل: نعم التأويل الباطل تأويل أهل الشام قوله صلى الله عليه وسلم لعمار: تقتلك الفئة الباغية[12]،
فقالوا: نحن لم نقتله إنما قتله من جاء به حتى أوقعه بين رماحنا، فهذا هو التأويل الباطل المخالف لحقيقة اللفظ وظاهره،
فإن الذي قتله هو الذي قتله، لا من استنصر به[13].





[1] الطبقات الكبرى (3/260 ، 261) .
[2] السلسلة الصحيحة (5/18 ـ 19) .
[3] البداية والنهاية (6/220) .
[4] الإصابة (7/260) .
[5] تاريخ الإسلام ، عهد الخلفاء الراشدين صـ654 .
[6] السلسة الصحيحة (5/18 ـ 19) .
[7] المصدر نفسه (5/18 ـ 19) .
[8] المصدر نفسه (5/19) .
[9] مسند أحمد (4/76) وسنده حسن .
[10] الاستيعاب في معرفة الأصحاب رقم3089 .
[11] تاريخ الطبري (5/610) ، سير أعلام النبلاء (2/41) ، مرويات أبي مخنف صـ296 .
[12] البداية والنهاية (7/270) ، دراسات في عهد النبوة صـ423 .
[13] تاريخ الطبري ، نقلاً عن دراسات في عهد النبوة صـ424 .
[14] البداية والنهاية (10/272) .
[15] تاريخ الطبري ، نقلاً عن دراسات في عهد النبوة صـ424 .
[16] تاريخ دمشق (8/233) دراسات في عهد النبوة صـ424 .
[17] أنساب الأشراف (6/56) بسند حسن .
[18] صفين صـ115، دراسات في عهد النبوة صـ424 .
[19] دراسات في عهد النبوة صـ424 .




[1] فتاوى ومقالات متنوعة (6/87) .

[2] الأساس في السنة (4/1710) .
[3] مسند أحمد (2/206) إسناده حسن .
[4] مسلم رقم 2916 .
[5] معاوية بن أبي سفيان صـ210 ـ 214 .
[6] البخاري رقم 447 .
[7] فتح الباري (1/645) .
[8] التذكرة (2/222) .
[9] التذكرة (2/223) .
[10] البداية والنهاية (6/221) .
[11] منهاج السنة (4/406) .
[12] مسلم رقم 2916 .
[13]الصواعق المرسلة (1/184 ، 185) .
الدكتورالصلابي الدولة الاموية
اعداد هيام عبدة مزيد
Share
رد مع اقتباس