السائل: نايف من تبوك، المملكة العربية السعودية

سؤال:هل يوجد ذكر لليهود في جزيرة العرب بمصادر عبرية؟ بمعنى آخر هل كان ليهود بلاد العرب اتصال بيهود فلسطين والشام؟

جواب: نشكركم جزيلاً على أسئلتكم الهامة عن تاريخ اليهود في الجزيرة العربية. تتألف ردنا هذا من أربعة أقسام رئيسية مخصصة للفترات الزمنية المحددة وهي: فترة الكتاب المقدس العبري، فترة المِشنا (أو مشناه)، فترة التلمود، وأخيراً فترة الإسلام.

فترة الكتاب المقدس العبري
نجد في الكتاب المقدس العبري علاقة قوية بين القبائل الذين عاشوا في الشام وبين القبائل الذين عاشوا في الحجاز. وفقاً للتاريخ المرسوم في التوراة كانت هذه القبائل من ذرية سام وخاصة من بني يقطان بقوله تعالى ﴿وَأَنْجَبَ يَقْطَانُ أَلْمُودَادَ وَشَالَفَ وَحَضَرْمَوْتَ وَيَارَحَ، وَهَدُورَامَ وَأُوزَالَ وَدِقْلَةَ، وَعُوبَالَ وَأَبِيمَايِلَ وَشَبَا، وَأُوفِيرَ وَحَوِيلَةَ وَيُوبَابَ. وَهَؤُلاَءِ جَمِيعُهُمْ أَبْنَاءُ يَقْطَانَ﴾ (التكوين 10: 26 – 29 ترجمة كتاب الحياة)، كذلك نرى عند أبناء إبراهيم الخليل عليه السلام (التكوين 25: 1 – 5) وخاصة عند ابنه إسماعيل (التكوين 25: 13 – 16) الذي جاءت منه اثنا عشرة قبيلة القاطنة في أراضيهم في الحجاز وكذلك أيضاً عيسو بن إسحاق عليه السلام الذي سكن في شمال هذه الجزيرة مع أبنائه (التكوين 36: 11 – 12).

إن مملكة سبأ القديمة امتدت من شواطئ البحر الأحمر والحبشة وضمت جنوب جزيرة العرب حيث تقع اليمن في أيامنا هذه واستمرت حتى استيلاء الدولة الحميرية عليها في أواخر القرن الثالث بعد الميلاد. ونجد في الكتاب المقدس العبري العلاقة القوية التي كانت بين الملك سليمان عليه السلام وملكة سبأ (الملوك الأول 9: 26 – 28 و 10: 1- 13) وتدل تلك العلاقة على سفر بعض من بني إسرائيل إلى هناك وربما قد سكنوا في جزيرة العرب منذ هذه الفترة.

ربما كانت أرض عوص التي عاش أيوب عليه السلام فيها في جزيرة العرب لأننا نرى أسماء أصحابه تشير إلى أصلٍ عربيٍ (أيوب 2: 11) وبالإضافة لذلك وفقاً للمفسر الأندلسي إبراهيم بن عزرا (في تفسيره على نفس الآية) تُرجم كتاب أيوب من لغة أجنبية إلى اللغة العبرية وربما كانت هذه الترجمة من الأصل وهي اللغة السامية القريبة من العربية.

فترة المشنا (حوالي 70 – 220 بعد الميلاد)
تبدأ فترة المشنا زمن تدمير الهيكل في أورشليم القدس عام 70 ميلادي وتستمر حتى السنة220. وطيلة هذه الفترة كان مركز ديني واحد في أرض إسرائيل لليهود. جاء في المشنا بأن النساء العربيات اليهوديات اللواتي يعشن في الصحراء يستطعن ارتداء النقاب في يوم السبت (سبت 6: 6) كما تذكر في مكان أخر ("كيليم" 29: 1 ) الوشاح الذي لبسه الرجال العرب. وفي مكان أخر ("كيليم" 24: 1 ) تذكر المشنا "ترس صغير" المسمى "ديصا" بالعبرية الموجود عند العرب. زار الحاخام عاقيبا الذي كان رجلاً هاماً جداً في أيامه وحتى الآن، جزيرة العرب في بداية القرن الثاني بعد الميلاد وذكر بأن اليهود هناك يطلقون على القرن (وهو البوق) اسم "يوبلا" (التلمود البابلي "رأس السنة" 26أ). تشير تلك المقتطفات على وجود مجتمعات يهودية بدوية في هذه الفترة وكانت لها لغة خاصة بها، ربما كانت قريبة للعربية. وأبدت حكماء المشنا اهتماماً خاصاً إزاء حالة اسر بدو اليهود. ربما سكن هؤلاء البدو في جنوب أرض إسرائيل وأحياناً سافروا إلى جزيرة العرب متنقلين من مكان إلى أخر طلباً للمرعى والماء.

فترة التلمود (حوالي 220 – 425 بعد الميلاد)
كما وجدنا في المشنا نجد أيضاً في التلمود. إن التلمود يذكر في أماكن صغيرة عادة من عادات سكان جزيرة العرب وسوف نذكر مثالين منها. يشير هذان المثالان إلى علاقة بين الحاخامات في أرض إسرائيل وسكان جزيرة العرب. وتشير القوانين الخاصة باليهود هناك على وجود مجتمعات يهودية فيها. وعلى الرغم من وجود هذين المثالين في التلمود البابلي كذلك نجد تفاصيل أوسع موجدة في التلمود الأورشليمي.

المثال الأول: تحرم التوراة على بني إسرائيل زراعة الحقل مع صنفين من البذور بقوله تعالى ﴿لاَ تَزْرَعْ حَقْلَكَ صِنْفَيْنِ مِنَ الْبُذُورِ، لئلا يتقدس الملء الزرع الذي تزرع ومحصول الحقل﴾ (التثنية 22: 9 ترجمة سميث). نجد في المشنا ("كِلْآييم" 5: 8) خلافاً بين الحاخامات والحاخام إليعزر (الذي عاش في بداية القرن الثاني الميلادي) عن هذا الموضوع. حرم الحاخام إليعزر حتى إذا كان واحد من الصنفين شجراً شائكاً من الفصيلة الوردية شوكة مثل الزعرور. وفقاً للحاخامات هذا مسموح لأن الناس ليسوا بحاجة إلى ذلك وهو مثل الحقل الذي يوجد فيه صنف واحد. وجاء في التلمود الأورشليمي ("كِلْآييم" 26د) قول الحاخام أباهو الذي عاش في منتصف القرن الثالث في مدينة قيصرية جنوب حيفا. قال السبب لموقف الحاخام إليعزر لوجود أماكن يُطعم الناس نوقهم الشوك. ويقول التلمود إن هذه العادة موجودة في جزيرة العرب، ووفقاً للتلمود يحرم الحاخامات زراعة الشوك مع بذور أخرى في حقل واحد في هذه الجزيرة وفي كل مكان في العالم يستخدمون الشوك كلأً لبهائمهم.

المثال الثاني: نجد في التلمود الأورشليمي ("كتوبوت" 33د) باسم الحاخام يوناتان (أو يوحنان، يحيى) عادة لدى اليهود في الجزيرة العربية بالنسبة لميثاق الزفاف. واجب على كل زوج من اليهود أن يكتبَ مبلغاً من المال يكون على استعدادٍ لدفعه لزوجته إذا أراد أن يطلقها أو تأخذ المبلغ المذكور عند وفاة الرجل. وقال هذا الحاخام الذي عاش في القرن الثالث الميلادي بأن يهود جزيرة العرب كانوا يدفعون هذا النقد المتأخر بالنوق والبهارات.

بالإضافة لذلك نجد في التلمود البابلي (حُلّين 49ب) في القرن الثالث بعد الميلاد كان في الجزيرة العربية حاخام اسمه "ملوك"، عاش في جزيرة العرب. وكان خلاف بين الحاخامات في أرض إسرائيل والحاخامات في بابل على ما قال هذا الحاخام "ملوك" عن موضوع شرعي بالنسبة لرئة البهيمة التي بها ثقب صغير، إذا كانت حلالاً أم حراماً للأكل. وجاء في التلمود بأنه جاء حاخامات من أرض إسرائيل (اسمهم: زعيرا، حييا بن أبا، أمي) إلى مكان "ملوك" وسألوا تلاميذه هناك عن رأي أستاذهم. وتشير هذه القصة إلى الصلة القوية بين مركزيِ الديانة اليهودية آنذاك (بابل وأرض إسرائيل) وسكان اليهود في جزيرة العرب. وبالإضافة لذلك، كان في هذه الجزيرة علماء مثل الحاخام "ملوك" الذين تلقنوا وتناقلوا النصوص من مصادرها الأساسية واحداً إلى الأخر.

من المصادر العربية
مما موجود في التفاسير الإسلامية القرآنية نرى بأن يهود الحجاز يستخدمون ثلاث كلمات خاصة بيهود الشام وهي:

1. "حبر" (ج) "أحبار" بالمعنى "حاخام": هذه كلمة موجودة في التلمود الأورشليمي باللغة الآرامية مرات عديدة «حابر» أو (ج) «حابرايا» وهي موجودة في التلمود البابلي أيضاً ولكن فقط بالنسبة لحاخامات أرض إسرائيل.

2. كلمة "رباني" بالمعنى "من الحاخامات": هي كلمة قريبة من الكلمة العبرية "ريبون" والحرف نون ليس من الجذور (لكنه ربّ "ربب" بالعبرية والآرامية والعربية)، ويدل هذا عن أصليتها من بلاد الشام لأنهم قد أضافوا حرف نون إلى كلمات كثيرة، مثل كلمة "أبا" (بالمعنى والد) التي صارت "أبون" وغير ذلك.

3. العبارة "يوم العروبة" بالمعنى "يوم الجمعة": هذه العبارة موجودة في «عون المعبود شرح سنن أبي داود» (903) «وَرَوَى عَبْدُ بْن حُمَيْدٍ وَعَبْد الرَّزَّاق عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ قَالَ…قَالَتِ الْأَنْصَارُ: لِلْيَهُودِ يَوْمٌ يُجَمِّعُونَ فِيهِ كُلّ أُسْبُوع وَلِلنَّصَارَى مِثْل ذَلِكَ فَهَلُمَّ فَلْنَجْعَلْ يَوْمًا نُجَمِّع فِيهِ فَنَذْكُر اللَّه تَعَالَى وَنَشْكُرهُ فَجَعَلُوهُ يَوْم الْعَرُوبَة.» ونجد في التلمود الأورشليمي هذه الكلمة ثمانية مرات بنفس المعنى وهي كلمة آرامية مغربية المتحدثة في بلاد الشام وليست موجودة أبداً عند لغة يهود بابل وكذلك هي غائبة من تلمودهم.

إن «كتاب الخلاف بين اليهود العراقيين واليهود في الشام»* أُلِّف في بداية الفترة الإسلامية ونجد فيه حوالي خمسين خلافاً لعادات بين الفئتين. نجد في هذا الكتاب فرقاً واضحاً في الأمور الصحية بين اليهود الشرقيين واليهود الشاميين. إن اليهود في الشام كانت عندهم النظافة والاستحمام والطهارة والمحافظة على نفوسهم وأجسامهم من الأمراض أكثر من أخوتهم في العراق. تعلموا ذلك من القول في كتاب الأمثال ﴿رُبَّ جِيلٍ نَقِيٍّ فِي عَيْنَيْ نَفْسِهِ، وَهُوَ لَمْ يَتَطَهَّرْ بَعْدُ مِنْ رَجَاسَتِهِ﴾ (30: 12 ترجمة كتاب الحياة)

نجد في الأحاديث الإسلامية عادة يهود الحجاز الذين عاشوا في مكان مسجد قُباء في جنوب غربي المدينة المنورة. كانت هذه العادة قريبة لما نعرف من المصادر اليهودية عن عادات يهود بلاد الشام.

على سبيل المثال نجد في مسند أحمد حديثاً (14938):

…عن‏ ‏عُوَيْمِ بْنِ سَاعِدَةَ الْأَنْصَارِيِّ:‏ ‏أَنَّهُ حَدَّثَهُ، أَنَّ النَّبِيَّ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏أَتَاهُمْ فِي مَسْجِدِ ‏ ‏قُبَاءَ،‏ ‏فَقَالَ: «‏إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ أَحْسَنَ عَلَيْكُمْ الثَّنَاءَ فِي الطُّهُورِ فِي قِصَّةِ مَسْجِدِكُمْ فَمَا هَذَا الطُّهُورُ الَّذِي تَطَّهَّرُونَ بِهِ؟» قَالُوا: «وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا نَعْلَمُ شَيْئًا إِلَّا أَنَّهُ كَانَ لَنَا جِيرَانٌ مِنْ ‏ ‏الْيَهُودِ ‏ ‏فَكَانُوا يَغْسِلُونَ أَدْبَارَهُمْ مِنْ الْغَائِطِ فَغَسَلْنَا كَمَا غَسَلُوا.»

وكذلك نجد في مسند أحمد حديثاً (22716):

…‏عَنْ ‏ ‏مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ ‏ ‏قَالَ: ‏لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏عَلَيْنَا‏، ‏يَعْنِي ‏ ‏قُبَاءً، ‏ ‏قَالَ: ‏ «‏‏إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَثْنَى عَلَيْكُمْ فِي الطُّهُورِ خَيْرًا، أَفَلَا تُخْبِرُونِي؟» قَالَ: ‏‏يَعْنِي قَوْلَهُ ‏ ﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ ‏ قَالَ: فَقَالُوا: «‏‏يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَجِدُهُ مَكْتُوبًا عَلَيْنَا فِي التَّوْرَاةِ ‏الِاسْتِنْجَاءُ ‏ ‏بِالْمَاءِ.»

إننا نكشف العلاقة بين يهود الحجاز وإخوانهم في الشام في الفترة الإسلامية، لأن لغتهم وعاداتهم كانت قريبة للغة ولعادات يهود الشام، ولكننا لم نجد ليهود بلاد العرب اتصالات بيهود الشام في المصادر اليهودية في هذه الفترة.

-----
* باللغة العبرية هي: «سِفِرْ هاحِلّوقيم [=كتاب الخلاف] شبّين [=الذي بين] أنشي مزراح [= اليهود الشرقيين] وبني أرص يسرائيل [وبني أرض إسرائيل]» مطبوع في أورشليم القدس عام 1938م (جامعة العبرية)، الذي قام بجمعه تحريره وتفسيره الباحث والحاخام مردوحاي مرغالِيُوث (الفصل ال15 صفحتان 123- 124)
منقوول