تقع منطقة كردستان في شمال العراق وشرق تركيا وشمال غرب إيران. ويتحدث أغلب سكانها اللغة الآرامية الحديثة في لهجات متعددة حسب مناطقهم. في منتصف القرن العشرين تركت أغلب الأقلية اليهودية من الأكراد بلادها وذهبوا إلى دولة إسرائيل، واندمجوا مع سكانها وتكلموا اللغة العبرية مما أدى إلى تركهم لهجتهم الكردية التي قاربت على الانقراض، للأسف الشديد، لأنها لم تنتقل من السلف إلى الخلف.

منذ القدم وبالتحديد بعد خراب البيت المقدس الأول وانتقال اليهود إلى بلاد الرافدين في العراق تعلموا اللغة الآرامية التي كانت آنذاك لغة بلاد الشام وبابل. وأصبحت الآرامية لغتهم في القراءة والكتابة ودخلت في صلواتهم مثل "القديش" بالمعنى تعظيم الله تعالى وقد كُتب التلمود بهذه اللغة. وما زال اليهود حتى يومنا هذا يدرسون التلمود باللغة الآرامية. إلا أن اليهود الأكراد وخاصة المسنين منهم ما زالوا يتكلمون هذه اللغة في بيوتهم لأنها اللغة الأم بالنسبة لهم.

تختلف لهجات اليهود الأكراد من منطقة إلى أخرى حتى تصل أحياناً إلى عدم فهم اللهجة بين سكان المناطق المختلفة. فعلى سبيل المثال، لا يفهم سكان منطقة بحيرة أورميا لهجة منطقة الموصل والعكس تماماً. ومن ناحية أخرى نجد في بعض الأماكن، حول مدينة الموصل، بأن اليهود والمسيحيين تحدثوا باللغة الآرامية كل منهم حسب لهجته ولكنهم كانوا يفهمون لهجات بعضهم البعض قدر المستطاع ويتحدثون فيها معاً.


صور يهود الأكراد اليوم وفي الماضي

الفترة القديمة
وفقاً لتاريخ اليهود الأكراد وصل اليهود الأولون إلى منطقة كردستان بعد الغزو الآشوري لمملكة إسرائيل خلال القرن الثامن قبل الميلاد، وبعد ذلك نُقِلوا إلى العاصمة الآشورية مدينة نينوى. وخلال القرن الأول قبل الميلاد اعتنق الملك اللهزواني وشعبه الديانة اليهودية وقامت الملكة التي كانت تدعى هيلين وابنها مُنباز ببناء قصور لهما في أورشليم القدس. وقد أطلق عل هذه المملكة أيضاً اسم شعب أديابين أو حدياب، وكانوا شعباً قديماً استوطن بلاد ما بين النهرين التي كانت تشمل الأرض الواقعة بين نهري دجلة والفرات ومنها أراض تقع الآن في سوريا وتركيا والعراق. أسس الهزوانيون مملكة واتخذوا من مدينة أربيل عاصمة لهم. وقد جاء في المشنا بأن الملك مُنباز صنع مقابض من الذهب للأواني التي استخدمها الكهنة في صوم يوم الغفران في الهيكل الكبير (المشنا غفران أو "كيفوريم" 3 : 10). كما صنعت الملكة هيلين ثريات من الذهب وضعتها في مدخل الهيكل، ولوحةً ذهبيةً كُتبت عليها مقاطع من التوراة المقدسة (العدد 5 : 19 - 22).

«رحلات بنيامين»
ذكر الرحالة اليهودي بنيامين من تطيلة في الأندلس، الذي عاش في النصف الثاني من القرن الثاني عشر الميلادي في كتابه المشهور «رحلات بنيامين» بأنه كان في كردستان حوالي مئة مستوطنة يهودية وكان عدد السكان اليهود كبيراَ ويتكلمون اللغة الآرامية ولهم لهجة خاصة بهم. وبعد أن اتجه بنيامين جنوباً إلى منطقة بابل، وإلى الموصل تحديداً، قال:

يوجد في هذه المنطقة قرابة سبعة آلاف يهودي بقيادة حاخام من سلالة الملك داود، عليه السلام، وهو رئيسهم. ويوجد في منطقة آشور [معابد يهودية عديدة أُطلق عليها أسماء الأنبياء عليهم السلام الذين عاشوا في هذه المنطقة مثل كنيس النبي عوبديا وكنيس النبي يونان (يونس) وكنيس النبي ناحوم.

ووصف أطلال نينوى القديمة. وذكر بأنه يوجد جسر واحد فقط يَصِل بين منطقة آشور وبين منطقة نينوى. كما وصف مدينة كركميش، وكذلك مدينة الأنبار الموجودة على نهر الفرات التي أُطلق عليها الاسم «فيرز شابور» في فترة المملكة الساسانية الفارسية (وهي قريبة من الفلوجة). ذكر الرحالة بأن الجامعة القديمة والشهيرة التي تأسست في القرن الثالث في «فُوم بديثا» وتحمل اسمها ما زالت موجودة ويعيش حولها حوالي ثلاثة آلاف يهودي. ويختلف الرحالة بنيامين مع الباحثين اليوم ويعتقد بأن مدينة «فُوم بديثا» هي مدينة الأنبار.

الفترة الصليبية
في القرن الثاني عشر الميلادي وبعد الغزو الصليبي للمناطق المقدسة وبلاد الشام ترك اليهود مناطقهم وانتقلوا إلى كردستان والعراق حيث كان إخوانهم اليهود ينعمون بالرخاء والغنى حيث كان لهم مركز تجاري وروحي.

خاف العديد من اليهود خوفا شديداً من اقتراب الصليبيين ولذلك هربوا كثير منهم من سوريا والأراضي المقدسة إلى بابل وكردستان. تمتع يهود الموصل وكردستان أثناء الفترة الإسلامية بحكم شبه ذاتٍي تمثل بالاستقلالية بإدارة شؤونهم الطائفية والدينية.

الفترة العثمانية
آلات موسيقية ‎كردية ‎‎(دولا وزيرنه‎‎)كانت المرشدة الدينية أَسْنَاتُ البرزانية التي وُلدت سنة 1590م وعاشت في الموصل (في كردستان العراق) حتى سنة 1670م. كانت ابنة الحاخام صموئيل بارزاني في كردستان وتزوجت في وقت لاحق من الحاخام يعقوب مزراحي الذي كان رئيساً لمدرسة دينية يهودية في العمادية وكان أستاذاً فيها. كانت أَسْنَاتُ البرزانية مشهورة لمعرفتها شرائع التوراة والتلمود وبعد وفاة زوجها في وقت مبكر أصبحت رئيسة المدرسة الدينية في العمادية وأستاذة كبيرة فيها لأنها كانت من أكبر العلماء العارفين بشرائع التوراة في كردستان. وَكُنِيَّتْ هذه الأستاذة باسم «أَسْنَاتُ التنائية» التي تعني عالمة وباحثة مثل العلماء في فترة المشنا والتلمود (حوالي القرن الأول حتى القرن الثالث الميلادي ‎ ). وكانت شاعرة نظمت القصائد باللغة العبرية التي كانت تجيدها، وكتبت قصيدة طويلة رثائية موزونة بأوزان الشعر العربي. كانت من أوائل النساء اللواتي كتبن قصائدهن الشعرية باللغة العبرية.

من الأماكن الأثرية اليهودية الهامة في كردستان قبور الأنبياء، عليهم السلام، التي ذكرت أسماؤهم في الكتاب المقدس العبري، مثل النبي ناحوم في مدينة القوش في شمال العراق، والنبي يونان (يونس) في مدينة نينوى القديمة، والنبي دانيال في كركوك.

منقول