ختم شيخ القبيلة والحمض النووي





الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
أستعرض معكم إخواني الفضلاء موضوع هام جداً وهو مشروع علمي خطير وقادم وهو علم الجينات (علم المستقبل ) وسيحدث ثورة كبيرة في الطب وفي الوراثة ويساعد اليوم في التعرف على الأنساب والعلاقات الأسرية و يسمى ب(الحمض النووي) أو البصمة الوراثية ويرمز له DNa ويعتمد عليه في تحديد وتوضيح تسلسل العلاقات الأسرية وأنساب القبائل وعلاقتها ببعضها البعض وما هي العناصر الغير عربية التي دخلت في النسب العربي من الأحباش والأعاجم وغيرهم .

سبب اختيار الموضوع :
و سبب اختيار الموضوع ما يلاحظ على بعض شيوخ القبائل من حاملي الأختام في الجزيرة العربية بمنح النسب القبلي إلى بعض الأفراد أو الأسر الذين لا ينتسبون. وذلك لأسباب معلومة وأخرى غير معلومة.
و هذا الموضوع عبارة عن جولة قصيرة مع التقنية الحديثة في التعرف على العلاقات النسبية والسلالات العائلية بين الناس المبنية على التحليل العلمي الدقيق.
وقد بدأ بعض الأفراد في دول الخليج العربي وخاصة في الإمارات العربية المتحدة والمبتعثين العرب والخليجيين في أمريكا الاشتراك في تلك التجربة التقنية في معرفة التسلسل العائلي والقبلي لهم ومراسلة الشركات التجارية المعنية بذلك.

تعريف البصمة الوراثية : أو مايسمى بالحمض النووي: هي البنية الجينية (نسبة الى الجينات )أي الموروثات التي تدل على هوية كل إنسان بعينه وهي رموز كيميائية تحمل صفات الكائن الحي،هذه البصمة يرمز لها Dna وهي المادة المورثة الموجودة في خلايا جميع الكائنات الحية , فهي عبارة عن كتيب يحمل صفات وخصائص كل إنسان.
وأثبتت التجارب الطبية أن كل إنسان يمتلك صفات وراثية يختص بها دونما سواه لا يمكن أن يتشابه فيه مع غيره كبصمات الأصابع , ولذلك جرى إطلاق عبارة بصمة وراثية للدلالة على تثبيت هوية الشخص .
وأول من اكتشف الجينات الوراثية العالم البريطاني جيفيرز عام 1984الذي تعرف على
بعض طلاسم الجينات التي تنقل المقومات الوراثية من جيل لآخر وتحتوي تلك المقومات على كل الصفات الوراثية التي يحملها الإنسان , واكتشاف جيفيرز يكمن في العثور على اختلافات في تتابع الشفرة الوراثية ينفرد بها كل شخص مثل بصمة الإصبع

طريقة انتقال الصفات الوراثية :
الصفات الوراثية تنتقل بطريقة رقمية دقيقة محكمة يمكن للعلماء من خلالها إدراك الصلة بين الأب وأبنائه أو نفيها إذا لم يكن هناك صلة في التسلسل الجيني , وذلك أن الأب ينقل نفس تشفير الجينات إلى ابنه ثم تنتقل تباعاً إلى أحفاده وهي نفس الأرقام ولا تتغير إلا نادراً ,وكل ما يحتاجه الباحثون هو إيجاد تردد جيني مشترك بين أغلب أفراد القبيلة أو الأسرة ثم جعله رمز لها وكل من يحمل ذلك الرمز أو التردد فهو يعتبر من تلك القبيلة لأن الجينات لا تكذب إنما هي ترددات أو رموز كيميائية تنتقل من جيل إلى جيل آخر,
*يقول الدكتور عبد الهادي مصباح ـأستاذ التحليل الطبية والمناعة وزميل الأكاديمية الأمريكية للمناعة ـ إنه من خلال تحليل الحامض النووي Dna يمكن تتبع تسلسل الحامض النووي في العائلات المختلفة وبالتالي يمكن إثبات صلات القرابة.

مصادر البصمة الوراثية :
كان المصدر الوحيد للتعرف على الإنسان هو بصمة إصبع اليد حيث لا يتشابه إنسان مع إنسان آخر في هذه البصمة إطلاقا , أما إذا كان الإنسان ابناً لهذا الأب فمن الجائز أن يتشابه الابن مع أبيه في 16 شكلاً فقط من أشكال بصمة الأب .ولكن مع التطور العلمي والتقدم التقني تم التنوع في مصادر البصمة الوراثية ومنها : أخذ عينة من خلايا الدم البيضاء لأن كريات الدم البيضاء فقط هي التي يوجد فيها الحمض النووي ومنها كذلك أخذ عينة من الشعر وكذلك أخذ عينة من المني أو من نخاع العظم أو من اللعاب .ويمكن أيضا من أي نسيج داخل الجسم أو أي سائل من سوائل الجسم يحتوي على نواة .وتقدر الكمية المطلوبة والتي تكفي لمعرفة البصمة الوراثية بقدر حجم الدبوس.

أنواع التحليلات للبصمة الوراثية:
ويوجد حاليا ثلاثة أنواع من التحليلات للبصمة الوراثية :
الأول:فحص مبدئي يشتمل على 12نوع من الترددات الموجودة في الحمض النووي الثاني:فحص أكثر تفصيلاً يحتوي على 25 نوع من الترددات.
الثالث:فحص مفصل يحتوي على 37 نوع من الترددات.
وأكثر الفحوصات التجارية تستخدم 25 علامة لدراسة إسم العائلة المشترك

موقف العلماء من البصمة الوراثية:
بحث مجمع الفقه الإسلامي هذه المسألة وصدر فيها قرار جاء فيه : أن البحوث والدراسات قد أفادت بأن البصمة الوراثية من الناحية العلمية وسيلة تمتاز بالدقة لتسهيل مهمة الطب الشرعي ويمكن أخذها من أية خلية بشرية من الدم أو اللعاب أو المني أو البول أو غيره . وأيضا جاء فيه : أن نتائج البصمة الوراثية تكاد تكون قطعية في إثبات نسبة الأولاد إلى الوالدين أو في نفيهما عنهما فهي أقوى من القيافة العادية والخطأ في البصمة الوراثية ليس واردا من حيث هي وإنما الخطأ في الجهد البشري أو في عوامل التلوث ونحو ذلك , وجاء في قرار المجمع أنه لايجوز الاعتماد على البصمة الوراثية في نفي النسب ولا يجوز تقديمها على اللعان الواردة صفته في سورة النور . وكذلك لايجوز استخدام البصمة الوراثية بقصد التأكد من صحة الأنساب الثابتة شرعا.

مجالات الاستفادة من البصمة الوراثية:
أجاز مجمع الفقه الإسلامي استخدام البصمة الوراثية في مجال إثبات النسب في الحالات التالية :
الأولى : حالات التنازع على مجهول النسب .
الثانية : حالت الاشتباه في المواليد في المستشفيات ,ومراكز رعاية الأطفال و وأطفال الأنابيب نحوها .
الثالثة : حالات ضياع الأطفال واختلاطهم بسبب الحوادث أو الكوارث أو الحروب أو أسرى الحروب والمفقودين ونحو ذلك .

الواقع الغربي مع الحمض النووي :
كانت تقنية اختبارات الحمض النووي دي إن ايه حتى وقت قريب حكراً على مختبرات الأبحاث الجينية (الوراثية) والجنائية ,فقد لجأ إليها الجيش الأمريكي للتأكد من رفات الجنود الأمريكان الذين قتلوا في فيتنام في السبعينات , ومن القضايا التاريخية التي حسمتها تقنية التحليل الوراثي إثبات بنوة 137 حفيداً للرئيس جفرسون ـ ثالث الرؤساء الأمريكان وصاحب إعلان الاستقلال عن بريطانيا.
أما الآن فهي متاحة للأمريكيين للاستعمال المنزلي وتكتسب هذه الاختبارات رواجا متزايداً بينهم بسبب شغفهم بالبحث عن سلالاتهم العائلية, وهناك الآن نحو 12 شركة أمريكية تنتج وتسوق اختبارات الحمض النووي وتتراوح
أسعار الاختبارات بين 100 و900 دولار, وقد بلغت مبيعات شركة فاميلي تري (شجرة العائلة )من هذه الاختبارات في العام الماضي نحو خمسة ملايين دولار, وأتاحت اختبار الحمض النووي لـ 20 ألف شخص.

النتائج المتوقعة لفحص البصمة الوراثية:
ـ تحديد ما إذا كان هناك قرابة بين شخصين.
ـ تحديد ما إذا كان الشخصان ينحدران من سلف مشترك.
ـ اكتشاف ما إذا كان هناك قرابة بين أفراد يشتركون في اسم العائلة.
ـ إثبات أو نفي نتائج أبحاث سلسلة نسب معين.
ـ تحديد الملامح العرقية لشخص ما .

وأخيراً :
وحيث أن اختبارات الحمض النووي اليوم في بلادنا العربية لا تستخدم إلا على المستوى الحكومي وحسب طلب الجهات القضائية والجنائية وفي نطاق محدود فإنه من المتوقع في الأيام القادمة ومع الانفتاح التقني والتجاري العالمي أن تدخل هذه الخدمة البيوت العربية دون أي تحفظ .
علماً أنه يوجد عدد من العرب المقيمين في الدول الغربية بدأ بطلب تلك الخدمة.
فهل نستطيع في المستقبل القريب أن نتعرف أكثر على السلالة القبلية من خلال الشجرة الرقمية التي نحصل عليها من البصمة الوراثية والحمض النووي , وبعدها يتبين كثير من الغش النَسََبي لمن يقومون بإصدار شهادات الانتساب لمن يستحق ومن لا يستحق .
إن المختبرات التجارية القادمة لفحص الحمض النووي سوف تكون البديل الخطير في مواجهة ختم شيخ القبيلة. إن DNA هو الختم المعتمد مستقبلاً عند المجتمع وهو الحكم والفصل في دعوى الانتساب الفردي والجماعي لمن يدعي ذلك. وكذلك سوف تؤدي إلى عزوف عن البحث في الوثائق والمخطوطات التاريخية القديمة التي تختص بالأنساب.
كما أنني أتوقع أن يكون لهذا العلم فتح كبير لبعض الأسر و العوائل التي تعاني من جهالة في نسبها لظروف قاسية مرت بها قبل أكثر من مائة سنة.

والخاتمة :
فإنني في هذا الموضوع لا أملك حاليًا رؤية واضحة بالموافقة أو الرفض لهذه الوسيلة المعاصرة في إمكانية إثبات العلاقات القبلية حتى تتبين الأمور في الجانب الشرعي والتقني بشكل كبير ودقيق ومتكامل ولعله في القريب العاجل بإذن الله تعالى.

أسأل الله لي ولكم دوام التوفيق والسداد ,,,


منقول للفائدة
بحث رائع ( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ الْسَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ ) بالصور