العصر السومري الحديث ( عصر سلالة أور الثالثة )


منشد مطلق المنشداوي
ماجستير آثار

( 1 )

أولاً :- عصر سلالة أور الثالثة ( 2112 – 4/2006 ق.م ) .
لقد كانت من بين السباب التي أدت إلى سقوط الإمبراطورية الأكدية الهجوم الذي شنه أقوام عرفوا بالجوتيين ، وهم أقوام نزحوا من جبال ( زاجروس ) في المنطقة المتاخمة لحدود العراق الشرقية مع إيران . وحكم هؤلاء البلاد نحو ( 125 سنة ) ، وحكم خلالها ( 21 ملكاً ) ، وكانوا من الأقوام البربرية ولم يتركوا أثاراً محسوسة في ثقافة البلاد ومسيرة تاريخها العام ، ولكن أثناء وجودهم في العراق اقتبسوا أصول الحضارة السومرية والأكدية ، وبعد احتلالهم لجنوب العراق اسحبوا إلى الشمال ، واختاروا مدينة كركوك الحالية ( اربخا ) وجعلوها مركزاً لحكمهم .
وفي مدينة لجش تشكلت دولة مستقلة ، ومن أشهر ملوكها الأمير جودية الذي اهتم ببناء المعابد وتعميرها ، إضافة إلى العديد من التماثيل لهذا الأمير ؛ وحافظت دولة لجش على التراث السومري القديم رغم تسلط الأكديين وفترة حكم الجوتيين المظلمة(1) . وقد استمرت صفة التأليه للملوك وهي مشابهة لما كان سائداً خلال العصر الأكدي . فبالنسبة للملك جودية فربما يكون قد اعتبرَ إلهاً(2) خلال حياته ، وقدمت القرابين لتمثاله(3) . ثم استقل ( أوتو – حيجال ) أمير الوركاء وحارب ( تريقان ) أخر ملوك الجوتيين وقضى عليه ، إلا أنه لم يتمتع بالسلطة العليا في البلاد لفترة طويلة ؛ ذلك أن أمراء السومريين في مدن أخرى أخذوا يستقلون أيضاً ؛ فشكل أورنمو في أور دولة أخرى ؛ إضافة إلى مدينة لجش والتي كانت تتألف من جملة مراكز عمرانية أو مدن كبيرة اشهرها مدينة تلو ( جرسو ) ومدينة ( نينا ) مركز عبادة الإلهة ( نانشة ) ؛ ومدينة لجش التي سميت هذه الدويلة باسمها(4) .
تأسست أسرة أور الثالثة بعد موت الملك ( أوتو – حيجال ) ملك سلالة الوركاء الخامسة وانتقل الحكم إلى سلالة أور الثالثة ، التي تمثل واحدة من أزهى فترات تاريخ العراق القديم ؛ ليس فقط لأن ( أورنمو ) وخلفائه قد استعادوا رقعة الإمبراطورية الأكدية السابقة بكامل امتدادها واتساعها ؛ وإنما لأنهم قدموا لبلاد وادي الرافدين قرناً من العلاقات السمية والرخاء الاقتصادي ؛ كما عملوا على إحياء كل فروع الفن والأدب السومري . وهو ما حدى ببعض المؤرخين إلى إطلاق اسم ( عصر الإحياء السومري ) على فترة حكم هذه السلالة . وقد تجنب ملوك هذه السلالة العوامل التي أنهكت قوى الإمبراطورية الأكدية ، كالتفرقة بين السومريين والجزريين ؛ فاستعانت بالعنصرين معاً في الجيش وفي المناصب الإدارية . كما جمعت بين اللغتين السومرية والأكدية في بعض الوثائق الرسمية والأدبية . وحمل بعض ملوكها أسماء ذات طابع جزري ، مثل ( شو – سن ) و ( أبي – سن ) . ومع ذلك فلم يغفلوا عن انتسابهم إلى السومريين ؛ وتركيز الحكم في العاصمة أور ؛ التي ظلت تشرف على كل شؤون المدن والأقاليم التابعة ؛ كما اهتموا بنظام البريد لإبلاغ الأوامر إلى حكام الأقاليم ؛ اللذين اعتبروهم مجرد موظفين يخضعون للنقل من إقليم لآخر(5) . واتخذ ملوك هذه السلالة من مدينة أور عاصمة لهم ، وتم إعادة بناء المدينة كلياً على يد ملوكها ( أورنمو ، شلجي ، أمار- سن ) ؛ وكان لمدينة أور ميناء حيث ازدهرت التجارة فيه مع بلدان الخليج العربي وما ورائها حتى القرن الثامن شر قبل الميلاد ؛ كما كانت مركزاً هاماً لعبادة الإله القمر ( نانا – سن ) ؛ في الألفين الثاني والأول قبل الميلاد ؛ وقد شملها ملوك بابل بالرعاية والترميم . ويبدو أنها هجرت في القرن الرابع قبل الميلاد ، بسبب تغير النهرين لمجريهما . أما فيما يتعلق بالنصوص السومرية ، كانت أغلبها نصوصاً اقتصادية ؛ عثر عليها في لجش و أوما و أور ؛ كما ضمت نصوصاً قضائية أفادت في معرفة قواعد اللغة السومرية وتاريخ القانون السومري . كما وصلتنا تآليف أدبية من سلالة أور الثالثة ، كما عثر على كتابات أدبية سومرية ؛ وتعتبر كتابات جودية حاكم أسرة لجش الثانية أول إنتاج أدبي سومري(6) .
أما في المجال الحربي ، فقد أمتد نفوذ السومريين إلى الأقاليم المجاورة وخاصة مجان وعيلام وشمال العراق ؛ حيث قام أورنمو بحملة في البلاد المتاخمة للبحر العلوي تمشياً مع سياسة أسلافهم الأكديين في فرض سيطرتهم على سورية . ومن أعمال أورنمو ، حفر القنوات لتنظيم الري والنقل حيث أنصب اهتمام أورنمو على شق القنوات ؛ وهي من الأعمال ذات الأهمية القصوى في جنوب العراق ؛ يكمله تطهير المجاري القائمة في ترسبات الطمي(7) . والاهتمام ببناء المعابد ، حيث بنى معبد ( أيكور ) في نيبور ؛ بناءً على توجيهات الإله ( إنليل ) ، الجبل العظيم ؛ ( أختاره من بين كل شعبه ... ( ليعيد بناء ) الهيكل ( أيكور ) . أما تشريعات أورنمو فتُعد من أهم التشريعات العراقية القديمة(8) ، وقد دونت الشريعة على لوح ( نفر )(9) ، وهي موجودة حالياً بين مجموعات متحف الشرق القديم في اسطنبول . واللوح ينقسم إلى ثمانية أعمدة ، يوجد أربعة منها في كل وجه ؛ أما فيما يتعلق بمحتويات الشريعة فتشير كيف أن الإله ( ننا = سن ) قد اختاره ليحكم سومر و أور نيابة عنه ؛ وكيف أن أورنمو قد قام برعاية أور في مختلف الشؤون الإدارية والحربية ؛ وكيف استطاع أن يستعيد حدود دولة أور السابقة بفضل رعاية الإله ؛ ثم بدأ يركز على شؤون البلاد الداخلية ؛ فقد قام بالعديد من الإصلاحات ؛ وأقام النظم الخاصة بضبط الأوزان ؛ ودافع عن اليتامى والأرامل(10) .
ومن بين الأمور التي اهتم بها ملوك هذه السلالة وعلى وجه الخصوص الملك أورنمو وشولجي ، وهي العاصمة أور ذات الشكل البيضوي فأعاد تسويرها ؛ ووسع أرصفتها على نهر الفرات ؛ وجعل الماء يحميها من ثلاث جهات ؛ وكانت معابده مقامة في ساحة واسعة داخل المدينة ؛ كما بقيت الأجزاء من هذه المعابد حتى الآن ؛ ولأهمية سور أور فقد سمى أورنمو ؛ العام الذي شيد فيه بهذا المعنى . دائماً ما يقترن اسم أور بزقورتها العالية في بلاد النهرين حيث أقام أورنمو العديد منها في الوركاء وأريدو ونيبور . وتعتبر زقورة أور أكثرها حفاظاً وقد شيدت باللبن ، وكسيت من الخارج بطبقة سميكة من الآجر الأحمر المفخور المثبت بالقار ؛ وتبلغ قاعدة الزقورة ( 62.50 × 43 م ) ؛ وكانت تضم ثلاثة طوابق يعلو الطبقة الثالثة المعبد العلوي ؛ وتكون الطبقة الأولى أكبر هذه الطبقات ؛ أما الطبقة الثانية فتكون أصغر من الطبقة الأولى وأكبر من الطبقة الثالثة ؛ أما الطبقة الثالثة فتكون أصغر من الأولى والثانية وأكبر من المعبد العلوي(11) . وتحتوي على سُلم رئيس واحد وسُلمين جانبيين ( ثانويين ) ، يؤدي الرئيس منها إلى المعبد العلوي ؛ وتميل جدرانها إلى الداخل كلما ارتفعنا نحو الأعلى ؛ وتختلف الزقورة عن الإهرامات لكزن الأخيرة بناء مجوف في حين أن الزقورة بناء صلد غير مجوف ؛ كذلك استخدمت الإهرامات كمقابر للملوك في حين أن الزقورات استخدمت كمعابد للآلهة . ولم يتبق من زقورة أور سوى الطبقة الأولى وأجزاء من الطبقة الثانية ؛ وترتفع الآن حوالي عشرين متراً(12) .



ثانياً :- ملوك سلالة أور الثالثة .

حكم في هذه السلالة خمسة ملوك وهم :-

1- أورنمو ( 2112 – 2096 ق.م ) .
2- شولجي ( 2095 – 2048 ق.م ) .
3- أمار – سن ( 2047 – 2039 ق.م ) .
4- شو – سن ( 2038 – 2030 ق.م ) .
5- أبي – سن ( 2029 – 6/2004 ق.م )(13) .



1- أورنمو :-

تمكن أورنمو من حكم سلالة أور الثالثة بعد القضاء على ( أوتو – حيجال ) – يعني أسمه محارب الإلهة نمو – أستطاع إخضاع الكثير من المدن السومرية والأكدية ، فلقبوا أنفسهم بلقب ( ملك سومر وأكد ) و ( ملك الجهات الأربعة ) ؛ وإن ظل الأخير شرفياً ؛ وليس فعلياً بالرغم من جهودهم في سبيل توسيع حدودهم ؛ واعتراف أشور في الشمال بنفوذهم ؛ كما أقام أهل ( أشنونا ) معبداً في مدينتهم نسبوه لملك أور ( شو – سن ) . قام أورنمو في السنوات الأولى من حكمه ببسط سيطرته على جنوب بلاد النهرين ، وأعاد العلاقات التجارية مع مجان ( عمان ) عبر الخليج العربي . وهكذا حكم أورنمو مدينة أور وأريدو و الوركاء وأقام عدة مبانٍ في نيبور ولارسا وكيش ، ولا يوجد دليل واضح على أنه شن حرباً ضد جيرانه ؛ ويبدو أنه استقطبهم بالوسائل الدبلوماسية . وأهتم أورنمو بالعاصمة أور وأقام المعابد فيها وعلى وجه الخصوص معبد الإله ( ننا = سن ) وزوجته ( نينجال ) ، كما اقترن اسمه ببناء الزقورات ؛ إضافة إلى اهتمامه إلى إعادة بناء ما تهدم من معابد الآلهة الأخرى . وأنصب اهتمامه بشق القنوات . كما سنن التشريعات أو ما يعرف بإصلاحات أورنمو ، والتي اعتمدت على مبدأ التعويض وليس القصاص وعلى وجه الخصوص على الجروح التي لا تفضي إلى الموت . كما سعى إلى توحيد المكاييل والأوزان ، رغبة في تخليص المواطنين ممن يستغلون ماشيتهم وأغنامهم .
وفي النهاية فقد تعددت أنشطة الملك أورنمو في شتى المجالات ، وقد ترك عدة لوحات منحوتة من الحجر تظهر الملك بانياً للمعابد . وقد وصل فن النحت إلى مستوى جيد من التنفيذ التقني ، غير أنه افتقر إلى التنوع إذا ما قورن بالنحت في العصر الأكدي . وفي مجال الأدب فق أوجد أورنمو وخلفاؤه صدى كبير في الأدب ، وكان من إنتاجه الأدبي ( رحلة أورنمو إلى العالم الأسفل ) ، وهو نص أدبي يصف دخول الحاكم المتوفى إلى العالم الأسفل ؛ ويوصف فيه بأنه أخو جلجامش ؛ الذي يطيب خاطره مع آلهة ذلك العالم بالهدايا . وأخيراً فقد مات أورنمو في معركة لا توجد عنها معلومات ، حيث يذكر نص أحد الألواح أن هذا الملك " نبذ في ميدان المعركة مثل قارب محطم " مما يشير إلى مصرعه .

2- شولجي :-

قد خلف والده على عرش أور الثالثة – ويعني اسمه الشاب النبيل – قضى معظم النصف الأول من حكمه في إقامة عدة مشاريع ، وفي مقدمتها إكمال مجموعة معابد و زقورات لم يستطع أبوه استكمالها ؛ مثل زقورة أور و الوركاء ؛ كما جدد بناء حارة ( تُمال ) ؛ مقر عبادة الإلهة ( ننليل ) في مدينة نفر ( نيبور ) . وأصلح التقويم ووحد قيم الموازين والمكاييل ؛ وهناك نماذج من هذه الموازين المنقوشة باسم الملك شولجي ومقدار الوزن ؛ وهي مُشكلة من الحجر غالباً على هيئة بطة ؛ تلف رؤوسها إلى الخلف ؛ وتزخر بهذه النماذج المتاحف العالمية وعلى رأسها المتحف العراقي(14) .
وقد أوجد شولجي نظاماً إدارياً موحداً سومر وأكد مركز مملكته بتعيين حكام مدربين من قبله وإن كانوا من الأسرة الحاكمة في تلك المدن . كما استعان بالقواد العسكريين ( الحكام العسكريين ) والذين كانوا يكتبون تقاريرهم للملك مباشرةً ، وقد تولى إدارة الأقاليم البعيدة عن سومر وأكد قواد عسكريين أيضاً . كما أحكم قبضته على أراضي المعابد ، وأوجد نظماً ضريبية جديدة . وهذا النظام الإداري كان يلزمه عدد غير محدود من الكتبة ، وهو ما أفرز هذا الكم الهائل من الألواح ذات الطابع الاقتصادي ؛ وكان لابد من إقامة المدارس لهذا الغرض ؛ وقد وصف نفسه بأنه محباً للأدب السومري ؛ ووصف شبابه في المدرسة وأنه حاز كل العلوم ؛ وصار كاتباً ماهراً . واهتم شولجي بطرق الموصلات وراحة المسافرين عليها ، حيث وسع الطرق وجعلها مستقيمة ؛ وعمل على تأمينها ؛ وبنى عليها استراحات كبيرة زرع حولها الحدائق ليستريح المسافرين في ظلها ؛ وهو أمر هام لكثرة الطرق وانتشارها ؛ والتي كانت تشكل تهديداً كبيراً للتجار المسافرين عليها . كما ربط شولجي الأقاليم بعضها ببعض بتنظيم حاملي البريد من العدائين ، مع تجهيز محطات لضمان وصول تعليماته إلى حكامه عليها . وأتبع شولجي سياسة الملك الأكدي ( نرام – سن ) ، وحمل لقب ملك الجهات الأربع . وهناك دلائل كثيرة على تقديس هذا الملك إلى حد العبادة في حياته وبعد مماته ، فقدمت له القرابين في أنحاء الإمبراطورية مرتين في الشهر ؛ وسمى أحد شهور السنة في التقويم السومري باسم ( شولجي المقدس ) ؛ وبعد موته شيد معبد فوق قبره الفخم في أور لتقدم له فيه القرابين ؛ وهناك أكثر من ثلاثين ترتيلة دينية خصصت لهذا الملك خوطب فيها كواحد من الآلهة ؛ وقد تميزت تلك التراتيل بأسلوبها الأدبي الرفيع(15) . كما سمى البعض أولاده باسم ( شولجي إيلي ) بمعنى ( شولجي إلهي ) ، ( شولجي باني ) بمعنى ( شولجي الخالق ) ؛ ( شولجي آبي ) بمعنى ( شولجي أبي )(16) .
وبعد حوالي عشرين سنة من حكمه ، تبدأ الاضطرابات في الأقاليم مما دفعه إلى توجيه حملات ضد هذه الأقاليم ؛ وفي العام الرابع والثلاثين ؛ وجه حملة ضد ( اشنان ) وهي أهم الولايات العيلامية ؛ وحملة ضد القبائل اللوبية(17) .

3- أمار – سن :-

خلف أبوه شولجي في الحكم – يعني اسمه بالسومرية ( عجل الإله سن ) ، ويُلاحظ أن هذا الملك وخليفته ذوي أسماء جزرية(18) . ومثل أبيه فقد قضى وقته ما بين أعمار المعابد والمنشآت الدينية والحملات الحربية وخاصة في الشمال الشرقي للعراق ، كما قدس أيضاً مثل أبيه ونعت بأنه ( الإله الذي يحي البلاد ) أو ( الإله الشمسي الذي يقضي في الأرض ) . وقد ذكر أنه دفن جنباً إلى جنب مع أبيه . ركز ( أمار – سن ) اهتمامه السياسي والعسكري على المنطقة الشرقية دائمة التهديد لحضارة بلاد ما بين النهرين ، وكذلك المنطقة الشمالية الشرقية ؛ والتي لم تخضع خضوعاً تاماً لسلطان إمبراطورية أور . فأرسل حملة إليها من بداية حكمه ، حيث عرف العامين السادس والسابع حيث خرجت الحملات إلى شمشارة ونوزي التي وصفت بأنها مزلاج أرض أنشان أي المدخل إليها ؛ وتقع إلى الشرق من سوسة . وقد حرص الملك على حكم المنطقة الشرقية عن طرق أتباعه المخلصين الذين عينهم في حكم سوسة . وقد بذل ( أمار – سن ) جهوداً كبيرة في اعمار العاصمة أور ونيبور كما أقام معبداً في أريدو للإله ( أيا = إنكي )(19) . توفي ( أمار – سن ) بسبب مرض تعرض له ، وأنه توفي بعد سنوات من توليه العرش .

4- شو – سن :-

خلف أخيه على عرش أور وحكم تسع سنوات قضاها في البناء والحملات الحربية – يعني اسمه ( هو يخص المعبود سن ) – وقد أقام ببناء معبد للإله ( شارا ) في مدينة أوما ، واستغرق بناؤه سبع سنوات ؛ استخدمت فيه تسع ملايين آجرة كبيرة وسبعة وعشرين مليون آجرة صغيرة . كما شيد الحاكم له معبداً في أشنونا والمدعو ( إيتوريا ) كرس لعبادة الملك(20) . وقد واجهت هذا الملك عدة قلاقل في الشمال الشرقي لبلاد النهرين ، فقام بمعاقبة مناطق ( سيمانوم ) – شمال مردين جنوب تركيا – ويعتبر هذا أول معسكر لأسرى الحرب في بلاد ما بين النهرين . كما حمل ( شو – سن ) على قبائل ( سو ) في جبال زاجروس مرتين ، مرتين ؛ الأولى لطلب الغنائم من رصاص ونحاس وبرونز حملها الحكام الآخرون(21) .
أما عن الشرق فقد عمد ( شو – سن ) على توثيق علاقته بعيلام كأسلافه ، فقام في العام الثاني من حكمه بتزويج واحدة من بناته لحاكم انشان(22) . وهناك ما يشير إلى أن ( شو – سن) قد عهد بتأمين المنطقة الشرقية إلى حاكم لجش ، كما عينه حاكماً عسكرياً على مدن الشمال الشرقي والشرق وشعب ( سو ) ؛ وكانوا يعيشون شرقي الموصل الحالية . وقد أمتد نفوذ هذا الحاكم على المنطقة من أربيل في الشمال حتى الخليج العربي في الجنوب(23) . عُرفت السنة الرابعة من حكم ( شو – سن ) بأنها السنة التي شيد فيها سور الأموريين وسمي هذا الجدار ( مورق تدنم ) أي الذي يصد جموع الأموريين ، وكان التدفق الأموري قد لوحظ منذ العصر الأكدي .


5- أبي – سن :-

خلف أباه ( شو – سن ) على عرش أور – يعني اسمه ( سن الذي سماه ) – وحكم أربعة وعشرين عاماً . وما أن تولى العرش حتى بدأت الإمبراطورية في التبعثر ، حيث أعلنت دويلات المدن الغربية استقلالها الواحدة تلو الأخرى وانفصلت عن أور ؛ كانت مدينة أشنونا أولها في السنة الثانية من حكم هذا الملك ؛ تلتها مدينة سوسة عاصمة عيلام في الشرق في السنة الثالثة . وفي نفس الوقت شكل الأموريون ضغطاً متزايداً على حدود المملكة(24) . وقد واجهته القلاقل في السنوات الخمس الأولى من حكمه في الشمال الشرقي ، فقام بإصلاح تحصينات مدينتي أور ونيبور . ثم وجه ( أبي – سن ) آخر حملاته في الشرق في العام الرابع عشر من حكمه ؛ والذي عُرف بأنه العام الذي سار فيه ملك أور مع جيش ضخم إلى أرض انشان ؛ واكتسحها كالإعصار والطوفان . وكان من إمارات انهيار وتفكك الجبهة الداخلية للملكة وبالتالي فقدان سيطرة الملك المركزية على الأجزاء المختلفة من البلاد ، أن الكثير منها لم يلتزم باستخدام الحوادث الرسمية المستعملة في التاريخ ؛ بل لجأوا إلى حوادث خاصة بهم ؛ مما يعني عدم الاعتراف بالسلطة المركزية . كما تهاون حكام الأقاليم في إرسال حيوانات القرابين إلى معبد ( ننا ) في أور من العام السادس من حكم هذا الملك ؛ وكان ذلك من العوامل التي ساعدت على سقوط أور بسبب الحاجة الاقتصادية والفقر الذي ترتب على تلك المقاطعة ؛ وقد برزت تلك المشاكل إلى السطح في منتصف العام السادس من حكم ( أبي – سن )(25) . ثم جاءت الضربة الأخيرة لسلالة أور الثالثة في العام الرابع والعشرين من حكم ( أبي – سن ) ، على يد جيش من أعداءها الجبليين في الشرق ، من أرض عيلام . وقد ظل هذا الملك يقاوم العيلاميين حوالي عشر سنوات ، حتى سقطت أور وحل بها الخراب والمجاعة ؛ وأخذ الملك أسيراً إلى عيلام حتى مات هناك . وبهذا تنتهي المحاولات الأخيرة للسيادة السومرية في بلاد ما بين النهرين . حيث اندمجوا مع غيرهم من الجزريين ، وإن ظلت لغتهم وآدابهم ذات أثر واضح في العراق القديم حتى آخر عصوره الحضارية .

المراجع :-

1- فرج بصمة جي ، كنوز المتحف العراقي ، بغداد – 1972 ، ص ص 32 – 34 .
2- ل . ديلابورت ، بلاد ما بين النهرين ( الحضارتان البابلية والآشورية ) ترجمة محرم كمال ، مراجعة عبد المنعم أبو بكر ، الهيئة المصرية للكتاب – 1997 ، ص ص 40 – 41 .
3- ل . ديلابورت ، المرجع نفسه ، ص 38 .
4- طه باقر ، مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة ، بغداد – 1986 ، ص 312 .
5- أنطوان مورتكات ، تاريخ الشرق الأدنى القديم ، ترجمة توفيق سليمان وآخرون ، دمشق – 1967 ، ص ص 107 – 108 .
6- فوزي رشيد ، قواعد اللغة السومرية ، بغداد – 1972 ، ص 29 .
7- رضا جواد الهاشمي ، " الملاحة النهرية في بلاد الرافدين " ، مجلة سومر ، العدد 37 ، بغداد – 1981 ، ص ص 36 – 56 .
8- للمزيد من المعلومات عن تشريعات أورنمو يُنظر :-
عامر سليمان ، القانون في العراق القديم ، جامعة الموصل – 1977 . ؛ فوزي رشيد ، الشرائع العراقية القديم ، بغداد – 1979 .
9- صموئيل كريمر ، من ألواح سومر ، ترجمة طه باقر ، تقديم ومراجعة أحمد فخري ، بغداد – 1957 ، ص ص 120 – 121 .
10- صموئيل كريمر ، المرجع نفسه ، ص 119 .
11- شريف يوسف ، تطور فن العمارة العراقية في مختلف العصور ، بغداد – 1982 ، ص 77 .
12- شريف يوسف ، المرجع نفسه ، ص 78 .
13- هاري ساكز ، عظمة بابل ( الملحق ) ، ترجمة عامر سليمان ، الموصل ، ص 6 .
14- طه باقر ، مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة ، المرجع السابق ، ص 387 .
15- طه باقر ، المرجع نفسه ، ص ص 387 – 388 .
16- ل . ديلابورت ، بلاد ما بين النهرين ، المرجع السابق ، ص 41 .
17- طه باقر ، المرجع السابق ، ص ص 388 – 389 .
18- طه باقر ، المرجع نفسه ، ص 389 .
19- طه باقر ، المرجع السابق ، ص 390 .
20- طه باقر ، المرجع السابق ، ص ص 390 – 391 .
21- سامي سعيد الأحمد ، العراق القديم ، ج 2 ، جامعة بغداد – 1983 ، ص ص 121 – 122 .
22- سامي سعيد الأحمد ، المرجع نفسه ، ص 121 .
23- طه باقر ، المرجع السابق ، ص ص 390 – 392 .
24- سامي سعيد الأحمد ، المرجع السابق ، ص ص 122 – 123 .
25- طه باقر ، المرجع السابق ، ص ص 393 – 394 .