تاريخ كرة القدم العراقية
الصورة ادناه أقدم ماوصلنا من تاريخ الكرة العراقية .. لقطة من وحدة تدريبية لفريق بغدادي سنة 1927لم تبدأ القصة بالمعقل أو في موانىء البصرة الجميلة ، فقد كانت عبارة عن أنظار لشُبان عراقيين تتجه صوب أقدام جيوش الأجانب في فترات استراحة جنودهم ليقوموا بتقليدهم فيما بينهم دون إدراك ومعرفة بقوانين اللعبة .

الولادة الشرعية للـطوبة العراقية جاءت بتاريخ السابع من آذار/ مارس من عام 1918 في مدينة بغداد عبر مباراة بين فريقين مُكوّن كل منهما من أحد عشر لاعبا وهما منتخب دار المعلمين ومنتخب مختلط المدارس الابتدائية الثلاث الفضل والبارودية والحيدرية .

المباراة كانت رسمية وقانونية بمعنى الكلمة ، جاءت بتنظيم بريطاني وبقيادة الحكم الانكليزي "العريف هيوستن" وقد فاز بها المختلط بنتيجة 2/0 وبالوقت المتعارف عليه كرويا 90 دقيقة .
اذا في أيامنا هذه نحتفل بمرور اكثر من تسعين عام من جري أبناء بلاد مابين النهرين وراء الكرة .
تاريخ عريق وأمجاد متواصلة ... فريق عراقي سنة 1956
الكرة العراقية هي من تختزل الوطن بكل أطيافه عبر مايقارب من الـ 30 انسان من لاعبين ومدربين وإداريين يمثلونه في محفل كروي .
الكرة العراقية هي من ضمت بين طياتها الاشوري والكوردي والارمني مثلما ضمت العربي والكلداني والتركماني لتجمع عبر عقودها التسعين كل أطياف الشعب العراقي.

لم يذكر لنا التاريخ ما الذي حصل بعد مباراة المعلمين والمختلط إلا مباريات عشوائية متفرقة هنا وهناك لتُزرع البذرة الرسمية الأولى عبر إنشاء هيئة إدارة شؤون كرة القدم في بغداد في العام 1923 حتى أبصر الاتحاد العراقي لكرة القدم النور في الثامن من تشرين الاول/ أكتوبر من عام 1948 .

قصة الاتحاد الأول

أثناء تواجد الوفد الأولمبي العراقي في لندن عام 1948 للمشاركة في أولومبيادها دارت أحاديث خاصة بين إدارة الوفد حول أهمية تأسيس اتحاد خاص يهتم بشؤون كرة القدم ويخطط لتطوير واقعها، بحيث تتجاوز الحاجز المحلي بإتجاه الميدان الدولي، فنضجت الفكرة بعد عودة الوفد إلى بغداد وتقرر اللجنة الأولمبية الوطنية العراقية التي كانت قد ولدت في العام نفسه أن يتم تشكيل اتحاد كرة القدم العراقي وحُدد يوم الثامن من تشرين الأول/ أكتوبر من العام المذكور كموعد لأول اجتماع .

الجلسة التاريخية الأولى :

الاجتماع حضره ممثلو عشرة فرق وأنتـُخبت الأسماء أدناه لتكون نواة لأول اتحاد كروي في تاريخ العراق وهي :
عبيد عبد الله المضايفي (رئيسا )
سعدي جاسم (سكرتيرا )
ضياء حبيب ( عضوا )
سعيد واصف (عضوا )
وقرر الاتحاد اعتبارا من الخامس من تشرين الثاني 1948 إقامة مسابقات دورية بين الفرق المنضوية تحت رايته والتي كانت كلا من :
النادي الرياضي الملكي
فريق القوة الجوية الملكية العراقية
فريق كلية الشرطة
فريق القوة السيارة
فريق الحرس الملكي
فريق وزارة المعارف
فريق نادي الكاجولز
فريق الكلية العسكرية الملكية
فريق دار المعلمين العالية
فريق كلية الحقوق
كما قرر الاتحاد تشكيل ثلاثة فروع في البصرة والموصل وكركوك مع تكثيف العمل لغرض اجراء بطولة العراق لكرة القدم .
كما تم أيضا فتح باب الانتماء للفرق الأخرى التي تنوي الانتماء اليه .
من جهة أخرى تم الاتفاق على اجراء سحبة المباريات وتوزيعها في الأسبوع التالي لموعد الاجتماع
وقد وجهت الدعوة الى رؤساء فرق كرة القدم ومُحكـّمي اللعبة للحضور الى بناية النادي الرياضي الملكي لغرض التداول في أمور السحبة والسباقات .
وأخيرا انتهت الجلسة وتقرر أجراء جلسة ثانية من الاجتماع يوم الاربعاء المصادف 27/10/1948 لمواصلة العمل الدؤوب لخدمة اللعبة .

الاتحاد الدولي
بعد مسيرة عملية استمرت حتى 23/6/1950تم انضمام الاتحاد العراقي لكرة القدم إلى حضيرة الاتحاد الدولي وبذلك أصبح بإمكان المنتخبات العراقية التنافس في الدورات والبطولات المُعتمدة دوليا وبدأت الكرة مسيرة جديدة بإتجاه التطور فكانت بذرتها الاولى بزيارة الفريق الباكستاني الى بغداد في عام 1950 وخوضه مباراة ودية أمام فريق الحرس الملكي بتاريخ السادس من تشرين الثاني من العام نفسه وانتهى ذلك اللقاء الذي حكمه السيد اسماعيل محمد بالتعادل بهدف لكلا الفريقين .

شهادة للتاريخ

في استقصائه وشهادته يقول الباحث العراقي الكبير سمير الشكرجي أن السنوات التي سبقت مولد اتحاد الكرة وانضمامه الى الاتحاد الدولي لم تشهد لقاءات ومباريات مع فرق خارجية عدا تلك المباريات التي لعبتها الفرق العراقية مع نادي بردى السوري عام 1938 والذي ماوصلنا عنه أنه تعادل في إحدى مبارياته مع منتخب المعارف العراقية بهدف لكلا الفريقين سجل هدف التعادل لمعارف العراق أديب نجيب في الدقيقة العاشرة من الشوط الثاني .. وكذلك المباريات الودية داخل العراق وخارجه مع الفرق السورية واللبنانية بين عامي 1944 و 1945 .

تصويب الشكرجي
يضيف الشكرجي في شهادته قائلا: ان مايتبجج به البعض في إن فرق الثلاثينيات والاربعينيات كانت تلعب ضد المنتخبات البريطانية ماهو الا شيء عارٍ عن الصحة تماماً وفيه الكثير من التهويل والمبالغة، لان الفرق العراقية في تلك الفترة لم تلعب الا ضد فرق الثكنات العسكرية البريطانية المتواجدة بالعراق وهي لا تعد بالفرق الرسمية المحترفة .

لاعبو الزمن السحيق

لاشك أن كل قارىء لهذه السطور يتساءل عن أسماء أول من وطأت أقدامهم سوح الملاعب العراقية لتجيبنا المصادر أن أحد ابرز لاعبي العراق في عشرينيات القرن الماضي اسمه جليل كردي وقد لعب لعقدين من الزمن (العشرينيات والثلاثينيات) وقد كان متعدد المراكز، فتارة يلعب مهاجما وأخرى مدافعا وقد ذاع صيته في محلات بغداد وحواريها .
تقول الروايات أن جليل كردي كان يمتاز بقوة جسمانية هائلة تبث الرعب في صفوف خصومه ناهيك عن إجادته ضرب الكرة بقوة ومن مختلف الاتجاهات اضافة الى ادراكه لاصول اللعبة جيدا عبر حسن ادائه في المطاولة وإيصال المناولات الى أماكنها الصحيحة
بعدها وفي أواخر الثلاثنييات ذاع صيت الرياضي "متعدد الالعاب" اسماعيل حمودي لكن المذكور لم يحدد نفسه بلعبة مُعينة فكانت كرة القدم واحدة ضمن ألعاب مارسها .

لكل جيل حكاية
الحديث عن الكرة العراقية يفوق بحثا واحدا لكن من مسلماتها المعروفة أنها معين لا ينضب وولاّدة مواهب فذة
فمنذ الاستقرار الكروي نحو الطريق الصحيح بالعراق أوائل أربعينيات القرن الماضي ظهرت أسماء ناصر جكو وناصر حسين وتوما عبد الأحد ووفيق علي وودود فرج وحميد قادر وطه عبد الجليل ومحمود شاكر وسعدون حسين وعبد الهادي عواد وطالب جاسم وهادي عباس وغازي أحمد ومعروف عبد الله وحمه بشكة وحارس الاربعينيات الفذ اسماعيل حمودي
تلاه جيل الخمسينيات وأوائل الستينيات من جمولي وكريم فندي وعمو بابا وأديسون ويورا إيشايا وشامل فليح وعباس حمادي وعادل عبد الله وقاسم زوية
الزعيم عبد الكريم قاسم في لقطة تاريخية نادرة يُكرم بها عمو بابا
ليأتي جيل الستينيات الرائع الذي حصل قبل انتصاف العقد المذكور بعام على أول كأس بطولة خارجية بإسم المنتخب الوطني العراقي في بطولة كاس العرب في الكويت عام 1964 فاتحا الطريق أمام أجيال أخرى لنيل البطولات والالقاب .
ومن أبرز لاعبي جيل العقد الستيني هم: هشام عطا عجاج وكوركيس اسماعيل وحامد فوزي ولطيف شندل وشدراك يوسف وحسن بله وجبار رشك وصاحب خزعل وطارق عزيز،، ليُسلم الراية الى أجيال السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات وعقدنا الالفيني الأول الذي نال كأس الأمم الآسيوية وحصل على رابع دورة أثينا الأولمبية .
بعد كل غفوة تنهض العنقاء
كسرنا جدار المستحيل وخرجنا من ركام الفوضى لنفوز بكأس آسيا
الكرة العراقية لاتموت.. لم أجد وصفا أدق من هذه الجملة للتعبير عن حال هذه اللعبة بالعراق.. نعم فحالها حال كرات العالم، فمثلما عرفت الأفراح والبطولات فقد عرفت الهزائم والخسارات لكنها ماعرفت الموت والاستكانة والانحناء لتلك الكبوات التي رافقتها في تاريخها .

إن أي مُطلع على تاريخ اللعبة بالعراق يلاحظ حجم المعاناة التي رافقت روادها والقائمين عليها وفي مختلف العصور أي أن لكل عصر مشكلة لكن بالوقت نفسه نجد أن من رحم هذه المعاناة غالبا ما يولد الانجاز بل كثيرا ماشكلت الهزائم الكروية حافزا للنهوض من جديد بإنتصارات تعيد اليها توازنها
رغم الثلوج التي غطت الملعب الا أنهم أصروا على اللعب.. منتخبنا في تركيا أواسط الستينيات
فما رافق الاخفاق هذه الكرة لاكثر من عامين أو ثلاث حتى ظهر جيل يعيد اليها هيبتها ماسحا كل شائبة عن صورتها الجميلة
فالكرة العراقية هي المكسيك وموسكو ولوس أنجلوس،، والكرة العراقية تعني أن كيفية النهوض من ركام الخراب لتحصل على رابع الدورة الاولمبية،، الكرة العراقية هي وقف شلال الدماء الهادر بإحراز اللقب الاسيوي الغالي.. الكرة العراقية هي كأس العالم العسكرية وكأس العرب وكأس الخليج وغرب آسيا وكأس العالم للشباب وغرب آسيا .