يسُود في الجزءِ الأعظم من بلاد العرب صنفٌ منَ النباتِ المقاوِم للجفاف يُعْرف علميّاً باسم الكسِروفيت (Xerophytes )، وهي نباتاتٌ تتمتّعُ بقدرة خاصّة على تنظيم دوراتِ حياتِها لكي تتناسبَ مع ظروف الجفاف(1). أمّا الواحات والأودية الخصبة التي تكثر فيها مياه العيون والآبار، فتقومُ فيها زراعةٌ مكثفةٌ، ويُغرس فيها النخيل وأشجار الفاكهة والثمار، وتُـتَّخذ بها الحوائطُ والبساتين.
وإذا شِئنا إحصاءَ بعضِ ما اشتهر من نبات الصحراء العربية وشجرها وزرعها، وجَبَ أنْ نبدأ بذكرِ أكثرِ تلك النباتاتِ فائدةً وأبعدَها شهرةً، وفي مقدّمتها النخلة التي كانت العربُ تَنْتفعُ بكلِّ جُزءٍ منها، وبكلّ عنصرٍ منْ عناصرِها، إذْ هيَ التي تحمِل التّمرَ، وهو أكثرُ الفواكهِ شيوعاً وتنوّعاً في الانتفاعِ عند العرب، فقد رُوِيَ عنِ ابنِ عُمرَ أنَّ النّبيَّ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ شبَّهَ شجرةَ النّخلة بالرَّجل المُسلِم لا يسقُط ورقُها، وذهبَ ابنُ الجوزيّة في تفسير هذا الحديث « أنَّ سبب تشبيهِ النّخلةِ بالرّجل المسلمِ هوَ كثرةُ خيْرِها، ودوامُ ظِلّها، وطيبُ ثمرِها، ووُجودُهُ على الدّوامِ. وأنَّ ثمرَها يُؤكلُ رطْباً ويابِساً، وبلَحاً(2) ويانِعاً، وهو غذاءٌ ودواءٌ، وقُوتٌ وحَلْوى، وشرابٌ وفاكِهةٌ. وجُذوعُها للبناءِ والآلاتِ والأواني، ويُتّخذُ من خُوصِها الحُصرُ والمكاتِلُ(3)، والأواني والمراوح وغيرِ ذلك. ومن ليفِها الحبالُ والحشَايا وغيرِها، ثمَّ آخرُ شيء نواها علْفٌ للإبل، ويدخلُ في الأدوية والأكحالِ ... فلا شيءَ أشْبَه بها من الرَّجُل المؤمنِ، إذْ هو خيرٌ كلُّهُ، ونفْعٌ ظاهِرٌ وباطِنٌ»(4)
وممّا استخرجوه أيضاً من النخلة الخمور، وهو معروفٌ في المصادر الكلاسيكية(5)، وظلت هذه العادة معروفةً عندَ العربِ حتّى جاء الإسلام، ففي التّنزيل: «ومنْ ثمراتِ النّخيلِ والأعنابِ تتّخِذونَ منْه سكَراً»(6). والحديثُ عن النخيلِ والتّمرِ عند العرب يسُوقُنا حتماً إلى ذِكرِ نخيلِ يثربَ وتمورها الشهيرة، فلكثرةِ نخيلها صارتْ يثرب تُعرف بذاتِ نخلٍ، وأصبح ذلك اسماً من أسمائها المعروفة(7). أمّا أنواع تمرِها فكثيرة، إذْ يتجاوزُ عددُها مائةً وثلاثينَ نوعاً حسبَ روايةِ السمهودي، مؤرخ المدينة وعالِمِها(8)، وأشهرُها الصيْحاني والعجوة والرطب، ويقالُ إن العجوة ضربٌ من تمرِ المدينة غرسه النّبيّ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ بيدهِ(9)، أمّا الرطبُ ففيه أنواعٌ كثيرةٌ أجودُه الأصفرُ الكثيرُ اللحم الرّقيق القشر الصّادق الحلاوة، وأردَأه الأسود، وأعدَلُه الأحمر(10). والعربُ تزعم أن هذه الشجرة هي أكثر عطاءً في مواسم الجفاف والشديد والسنين المُجدبة، فقد فقد أورد الجاحظ من روايةِ الأصمَعي: «كان يُقال: إذا ظهر البياض قَلَّ السوادُ، وإذا ظهر السّوادُ قلّ البياض، قال: يعْني بالسوادِ التّمرَ، وبالبياضِ اللَّبَنَ»(11).


الهوامش:
(1) كنيث والطون، الأراضي الجافة، ترجمة الدكتور علي عبد الوهاب شاهين، الإسكندرية، 1976، ص 147.
(2) ويقالُ لهُ الخلال، وهو حمل النّخل ما دام أخضر صغاراً ، انظر لسان العرب ، مادة (بلح).
(3) جمعُ مكتل، وهو القُفّةُ والزّنبِيلُ، انظر: أبو زكريا يحيى بن شرف النووي، شرح النّووي على صحيح مسلم ، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الثانية بيروت، 1392، ج9 ص224.
(4) زاد المعاد في هدي خير العباد، المؤسسة العربية للطباعة والنشر، بيروت ، بدون تاريخ، ج3 ص193.
(5) تحدث هيرودوت عن هذه المسألة في الكتاب الثاني من تواريخه، انظر مادة (Οινοσ) في :
Bailly (A.), Dictionnaire Grec-Français, Paris, 1950, p. 2089.
(6) النخل، 67.
(7) نور الدين علي بن أحمد السمهودي، وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، بيروت، الطبعة الثالثة، ج1 ص15.
(8) المصدر نفسه، ص 70-73.
(9) اللسان، مادة (عجا).
(10) الجواهر الثمينة في محاسن الجزيرة، مخطوط بخزانة تطوان، رقم 324، ص 275.
(11) كتاب الحيوان، تحقيق عبد السلام هارون، 1965، ج3ص18.