عيون السوريين، عرباً وكرداً، تتركّز هذه الأيام على مدينة «عين العرب» (كوباني) الكردية في شمال سوريا. مقاتلو «داعش» اخترقوا دفاعاتها، وأهاليها يستميتون في الدفاع عنها. اجتياحها ليس ضربة مؤلمة لسوريا العربية فحسب بل للشعب الكردي في كل مكان ايضاً. حزب العمال الكردستاني أعلن النفير العام مستنفراً الأكراد في تركيا وسوريا والعراق لنصرة «عين العرب» وانقاذها. زعيمه عبد الله اوجلان أكد في بيان من سجنه في جزيرة ايمرالي « انه إذا نجحت محاولات تنظيم «داعش» في الاستيلاء على المدينة وارتكاب مجزرة فيها فان ذلك يعني انتهاء محادثات السلام مع تركيا».
إذا كانت عيون السوريين والأكراد مركّزة على «عين العرب» فان عين رجب طيب اردوغان مركّزة على سوريا ولاسيما على أكرادها في شمالها الشرقي المتعاطفين مع أكراد ديار بكر في جنوب شرق تركيا . اردوغان لم يخفِ يوماً عداءه لبشار الأسد ورغبته في إزاحته. السبب؟ لان الرئيس التركي «إخواني» متعاطف مع الإخوان المسلمين السوريين ، انصاره المفترضين في تحقيق حلمه العثماني، ولان أكراد سوريا يناصرون النظام في وجه المعارضة السورية المسلحة التي فتح لها اردوغان حدود بلاده لدعمها بالرجال والسلاح والعتاد.
مع صعود تنظيم «داعش» وإعلانه «دولة الخلافة الإسلامية» بين نهري دجلة والفرات في سوريا والعراق، وقيام الولايات المتحدة بحشد حلفائها في «تحالف دولي» لمواجهة «الإرهاب»، أدرك اردوغان ان واشنطن جادة في إعادة رسم الخريطة السياسية للمشرق العربي وان الفرصة حانت ليشارك فيها بغية انهاء المشكلة الكردية في بلاده على حساب سوريا والعراق.
زعيم حزب الشعب الجمهوري التركي كمال كاليتشدار أدرك مبكراً اغراض غريمه اردوغان . فقد رفض تأييد «مذكرة الحرب» بشان تفويض الجيش التركي دخول أراضي دولٍ اجنبية . قال ان هذا التفويض يُراد من ورائه النظام السوري، وان لا منطق في إدخال جنودنا إلى أراضي دول في الشرق الاوسط نعرف سلفاً انه مستنقع …
«داعش» لم يعبأ بإجازة البرلمان التركي دخول جيش اردوغان إلى سوريا ربما لانه متأكد من انه لن يتدخل ضده.
لو كان يخشى فعلاً من تدخل تركيا ضده لما هاجم «عين العرب» . حتى لو تدخّل الجيش التركي فان ذلك سيكون بالتنسيق معه. لمإذا ؟ لان لتركيا كما لـِ «داعش» عدواً مشتركاً هو «وحدات حماية الشعب الكردي»، حليفة النظام السوري في مقاومة المعارضة المسلحة بمعتدليها ومتطرفيها ، أو ربما من أجل تبرير إقامة المنطقة العازلة التي يريدها.
ثمة تواطؤ ،إذا، بين انقرة و»داعش» . تواطؤهما يشمل ، على ما يبدو، الولايات المتحدة ايضاً . ذلك ان غاراتها الجوية على قوات «داعش» المدرعة التي تهاجم «عين العرب» غير مؤثرة البتة. ناطق باسم أكراد المدينة المدافعين عنها وصفها بانها «غارات استعراضية». من الواضح ان واشنطن ليست ضد انقرة في تعاطيها السلبي، واحياناً الوحشي، مع أكراد تركيا. هي فقط ضد المسّ بأكراد كردستان العراق حيث لها استثمارات ومصالح كبرى. ألم تبقَ ساكنة طوال ثلاث سنوات من الحرب في سوريا وعليها، حتى بعد سقوط الموصل في أيدي مقاتلي «داعش»، ولم تتحرك إلاّ بعد ان توجّه هؤلاء نحو اربيل، عاصمة كردستان العراق؟
استهداف سوريا يبدأ بمحاولة اقتطاع منطقة عازلة في شمالها الشرقي بغية ضرب أكرادها ومنعهم من إقامة حكم ذاتي في محافظة الحسكة مخافةَ ان تنتقل عداوه إلى منطقة ديار بكر التركية المجاورة . خطوة كهذه خطيرة وغير مأمونة العواقب:
- سوريا ستعتبرها عدواناً ومسّاً بسيادتها وقد تردّ بعنف .
- ايران ستعتبرها عدواناً ايضاً وقد تردّ في العراق أو على الحدود الشرقية لتركيا.
- روسيا سترفضها بالتأكيد وقد تبادر إلى الإعلان عن تزويد سوريا بأسلحةً متطورة للدفاع الجوي من طـــراز 300-s قـــادرة عــلى إسقاط اكثر الطـــائرات الأمريكية تــــوراً التي تملـــكها تركيا و»اسرائيل».
إلى ذلك ، سيُضطر أكراد العراق ، ازاء انفجار الأزمة الكردية مجدداً داخل تركيا ، إلى دعم أخوتهم الأكراد في تركيا وسوريا . موقفهم المنتظر هذا يقرّبهم من عرب العراق ما يؤدي إلى ابتعاد حكومة بغداد عن الولايات المتحدة والتقرّب من روسيا.
أكثر من ذلك ان تدخل اردوغان «الاخواني» في سوريا سيستفز مصر السيسي المعادية للإخوان المسلمين، وقد تجرّ معها السعودية ودول أخرى في الخليج إلى مواقف سلبية من تركيا.
باختصار، الولايات المتحدة ستكون محرجة بالتأكيد إذا ما ركب اردوغان رأسه وقام بتحركات مؤذية لسوريا مباشرةً ولإيران وروسيا مداورةً . لذلك ستحسب واشنطن خطواتها بدقة متناهية لان من شان أي «دعسة ناقصة» ان تؤجج حرباً باردة قابلة للتحوّل ساخنة مع روسيا وايران، وربما تؤدي لاحقاً إلى خروج مصر من مدار واشنطن ناهيك عن خروج العراق ايضاً …

٭ سياسي وكاتب لبناني

د. عصام نعمان
منقوول