شبكة عراق الخير
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: الشعر مصدرًا تاريخيًّا

Share/Bookmark

مشاهدة المواضيع

المشاركة السابقة المشاركة السابقة   المشاركة التالية المشاركة التالية
  1. #1

    افتراضي الشعر مصدرًا تاريخيًّا

    لم تكن دراسة الأحداث التاريخية بعيدة عن تراث العرب شعرًا ونثرًا، وإنما غالبًا ما كانوا يستشهدون بهما لتوكيد صحة الحدث، أو الكشف عن جوانب خفية فيه بوصف الشعر العربيّ سجلاًّ لمآثر العرب، فهو موضع علمهم، وموطن بلاغتهم والمفصح عن بينهم في قوة اللفظ ودلالة المعنى. وهو جامع لعناصر ثقافتهم وسموّ أفكارهم،
    والمعبّر عن قوة الحدس ورقيّ الشعور، والكاشف عن اتصال العقل بالعاطفة. فلا غرو أن تحفل كُتُب التاريخ والأدب والفكر والتراجم والفِرَق بالشواهد الشعرية مما يعكس الأهمية الكبيرة للشعر في حياة وسلوك العربي، فهو جزء لا يتجزأ من كيان إنساني ينمو ويتطور فيغرس آثاره وأحاسيسه في كل جانب من جوانب حياة العربي، وفي كل رافد من روافد ثقافته وخبرته؛ ولأن الأحداث التاريخية شكلت مادة رئيسة في قراءة الماضي وكشف أبعاده الحضارية فإن الشعر واكب هذه الأحداث وأثر فيها تأثيرًا واضحًا جعله وثيقة تاريخية مهمة، فلا يخلو مصدر من مصادر التاريخ من استشهاد بالشعر، وموقف لشاعر، أو رجز انطلق من حرارة الحدث فأسهم في تدوينه.

    ولم تكن علاقة العرب بالشعر وليدة ظرفها الآني، وإنما كانت علاقة عميقة الصلات موغلة الجذور؛ لأنه مادة معرفتهم وموطن علمهم، وتراث آبائهم، وموئل سحرهم، وموضع حديثهم، به يتفاخرون، ومن خلاله يتحاورون ويتميزون ويصدرون، فكان للشاعر عندهم منـزلة رفيعة يسمو بها على غيره بوصفه دليل التعبير عن الحسّ الدافق والنبوغ المعرفي، فهو يؤنس الوحشة، ويهذب الذوق، ويثري اللغة، ويعمق المدارك. د
    أما تعريف الشعر فهو كلام منظوم، غلب عليه لشرفه بالوزن والقافية(1). وقيل: هو كلام موزون مُقفّى دالّ على معنى، ويكون أكثر من بيت(2). والدلالة على معنى تعني التعبير عن فهم جليّ للحياة وتهذيب لجانب من جوانبها؛ جاء في الحديث: "إنّ من الشعر لحِكمة، أو لحكمًا(3)، أي قولاً صادقًا مطابقًا للحق، أي إنّ له كلامًا نافعًا يمنع السَّفه(4). فكان موعظة وعبرة تؤثران في الحياة الاجتماعية ومادة ثقافية تثير الأحداث وتكشف عن خفايا الأشياء، فتشكل موقفًا تعتز به الفصاحة بالقوة(5)؛ لأن الشعر ديوان العرب(6). به حفظت الأنساب وعرفت المآثر، وتُعلّمت اللغة، وهو حجّة لما أشكل من غريب كتاب الله، وغريب حديث النبي وصحبه وتابعيه(7)؛
    لأن العرب لم تعرف أنسابها وتواريخها وأيامها ووقائعها إلاّ من جملة أشعارها(8) التي توثّق بها أخبارها؛ فهو ديوان علمهم ومنتهى حكمهم، به يأخذون، وإليه يصيرون(9)، فكان ابن عباس (ت68هـ/687م) يقول: إذا قرأتم شيئًا من كتاب الله فلم تعرفوه فاطلبوه في أشعار العرب؛ فإن الشعر ديوان العرب(10) والديوان في اللغة: مجتمع الصحف، وهو الدفتر الذي يُكتب فيه أسماء الجيش وأهل العطاء(11)
    فهو بالتالي تاريخ وصحيفة توثّق الأيام والأنساب واللغة والأحداث، فكانت القبيلة إذا نبغ فيها شاعر هنّأتها القبائل؛ لأن الشاعر يحمي أعراضهم، ويذبّ عن أحسابهم، ويخلّد مآثرهم، ويشيد بذِكرهم(12). هذا فضلاً عن كون الشعر يقيّد عليهم مآثرهم، ويهوّل على عدوّهم ومن غزاهم، ويهيب من فرسانهم ويخوّف من كثرة عددهم(13).
    لقد صار الشعر أساسًا في توثيق الأحداث التاريخية وحفظها وعدم نسيانها؛ لأنه يثير في السامع أو القارئ لذة المتابعة والمعايشة لتلك الأحداث؛ وبذلك برز الاعتماد على الشعر عند المدوّنين الأوائل في تاريخ العرب والمسلمين الذين بدأوا بتدوين مختلف الأخبار؛ لأنه مورد من الموارد التي تساعد المؤرخ في الوقوف على تاريخ العرب والاطلاع على أحوالها(14).
    فجعلوه مصدرًا من مصادرهم لحفظه الكثير من الأخبار والأحداث؛ لأن حفظه يعني حفظ وتداول الأخبار المتعلقة بذلك الحدث، وهو ما كوّن مادة أساسية لدى الإخباريين أسهمت في تدوين الأحداث وتبويبها، فاندفع المؤرخون نحو الآثار من الاستشهاد بالشعر والاعتماد عليه بوصفه جزءًا مهمًّا من أجزاء المادة التاريخية، ووثيقة بارزة من وثائقها، فأفادت دراسته في كشف الأبعاد الحقيقية لكثير من المواقف والأسرار ذات الصلة بحياة الناس والمجتمع.

    -2-
    كانت الأيام وأخبارها مادة من مواد المؤرخ العربي في حفظ الأحداث التاريخية المتعلقة بها حتى جرى تدوين التاريخ وحساب السنين، فأصبح التاريخ السجل الحافل بما هو خاصّ وعامّ، فكان المؤرخ يبحث باستمرار عما يديم الصلة الحية بالواقع عبر الصورة النقية،
    والكلمة العذبة، والفكرة الصادقة لغرض استنباط جوهر الحقيقة والوقوف على صحة الواقعة ومجرى الأحداث المهمة مع البحث عن الجوانب الثانوية التي تعوّض الباحث عن الوثيقة؛ فقد كان عبيد بن شرية الجرهمي (ت67هـ/686م) يقول: إن الشعر ديوان العرب، والدليل على أحاديثها وأفعالها، والحاكم بينهم في عصر ما قبل الإسلام مشيرًا إلى تاريخ (عاد) وهو يستعين بقول الشاعر(15):
    عجِبْتُ لِعـادٍ وأمثالها تُحاولُ العِزَّ والمكرماتِ
    كما كان وهب بن منبه (ت نحو 116هـ/734م) يجعل المورد الشعري شاهدًا يؤكدحقيقة التميز ويوثّق الأحداث التاريخية، ويحقق صحة الوقائع والأيام(16).
    وقد أجاب أعرابي عن ذلك فقال: إني لأروي المثل والشواهد(17)، يريد بالشاهد الشعر الذي قيل بخصوص المثل يؤكد الاتصال الروحي بين الشعر والتاريخ، لأنهما ينطلقان من بؤرة معرفية واحدة، حتى قيل عن الشعر إنه "تاريخ مخلّق"(18)؛ لأن الشعر كان مادة لوصف الأصقاع والبلدان، والوقائع والأيام، فيسدّ ثغرات كبيرة في دراسة التاريخ؛ لأنه دليل من أدلة تقوية الأخبار وتعميق المضامين بما يسهم في كشف الجوانب الخفية من الأحداث وما واكبها من أخبار، حينما أسهم في كشف الأسباب والمسببات، ووفّر للباحث مادّة غنيّة بالمعلومات التي تجلي الصدأ عن الكثير من المواقف والأحداث.

    كان الشاعر لسان قبيلته والمتحدث باسمها، فإذا قال شعرًا أشاعته وتناقلته وبثّته بين القبائل، وهذا ما جعل القبائل تتسابق في حفظ أيامها وأشعارها فأصبحت تلك الأشعار وعاءً لحفظ الأحداث، ووثيقة يستعان بها، وسجلاًّ يبعدها عن النسيان؛ فكان أن أثّر تأثيرًا واضحًا في تدوين الأخبار والسِّيَر، وانتشار رواية القصص والوقائع، فحفلت كتب التاريخ بالأشعار الكثيرة التي كانت شاهدًا حيًّا، له أهميته في توثيق الأحداث؛ لذا شجّع معاوية بن أبي سفيان (ت60هـ/697م) على تدوين سيرة تبع وأشعاره(19). بوصف الشعر دليلاً على صدق الحدث، فهو كالشاهد والوثيقة اللذين يوضحان الحدث ويفسران ما غمض منه، وهو ما دفع ابن إسحاق (151هـ/768م) أن يكثر من رواية الشعر.

    أسهم الشعر بشكل خاص في تدوين وحفظ الأنساب، فأسهم بالتالي في حفظ الأحداث التاريخية التي وثّقها الشعر والتي تعاون النسابون والمؤرخون على حفظها والاهتمام بروايتها؛ فقد استفاد ابن هشام الكلبي (ت204هـ/819م)، وابن حزم الأندلسي (ت456هـ/1063م)، والهمداني (ت334هـ/945م) من الشعر والإشارات التي وردت فيه عن الأنساب والقبائل، كما استفاد منه ابن إسحاق في السيرة، والبلدانيون في تحديد المواقع وتسميتها ورسم معالمها وطبيعة ظروفها المناخية والاقتصادية، حيث صوّر الشعر مواقع العرب ووقائع حياتهم من خلال تصوير الأمكنة والبقاع، وتعرّض لتصوير المحسوسات المحيطة بالإنسان وبالذات بيئته التي هي وعاء ينبثق من داخله مجتمع استطاع أن يكوّن حضارة عريقة وينشئ مجتمعًا قويًّا استنهض كل جوانب الحياة واستثمرها، فلولا هذه البيئة لما ولد مجتمع عربي إسلامي كانت له مكانته ووجوده وتأثيره، كما أبرز الشعر القيم الاجتماعية والأعراف والمعتقدات التي كانت سائدة في المجتمع فوثّقها وعمل على إيصالها إلى الأجيال اللاحقة؛ فأصبح صورة صادقة لأحاسيس السواد الأعظم بما يكشف عن اللقاء الإنساني والوجداني بين الشعر والمجتمع، حين عرض الشاعر حياة العامة والخاصة معًا. فعكس واقع الأحداث الإنسانية وما تحتويه من مضامين فكرية وشعور إنساني وطبائع اجتماعية ومعتقدات دينية، وقِيَم أخلاقية تكشف عن كيفية التعامل بين الناس والبيئة، كما عكس نتائج هذه الاتجاهات وإفرازاتها العقائدية والسياسية والاقتصادية، وفي ذلك دلالة على وجود ترابط وثيق بين الشعر والتاريخ؛ لأنهما رفيقا درب واحد. وأسهم الشعر في تفسير ما غمض من آيات القرآن الكريم، بوصفه حامل ثقافة العرب ومعجم ألفاظهم والمعبّر عن أحاسيسهم، كما أسهم في شرح غريب الحديث النبوي؛ لأنه يحتوي على مادة لغوية ثرية قادرة على كشف الكثير من غوامض النصوص وبيان أصولها الواقعية الضاربة في أعماق التراث.

    - 3 -
    اهتمّ العرب برواية الشعر وتداوله لأنه يعبّر عن إحساسهم، ويصوّر أحداثهم، ويرسم لهم المعاني التي يرنون إلى إشاعتها؛ فهو سجلّهم الذي يحفظ مآثرهم وأيامهم وما كان لهم من عادات ومعتقدات وأفكار، ومما لا شك فيه أن هذا الاهتمام لدى العرب ارتبط ارتباطًا وثيقًا مع تاريخه الطويل.
    لقد أصبح بالإمكان القول إن توجّه العرب إلى الشعر إنما يرتبط مع بدء تكوينهم الحضاري؛ لأن ثمّة حرصًا واضحًا لحفظ الشعر واستظهاره وتمثّله من خلال سلامة الذاكرة وسرعة الحفظ، بحيث إنه كان لا يدخل شيء إلى مسامع الفرد العربي إلاّ حفظه، فلا نجد قصة من قصص العرب وأيامهم وأحداثهم إلاّ ونجد فيها شعرًا ينسب إلى أحد الأبطال الذين أسهموا فيها حتى عرض تلك الأحداث، ومنها الواردة في القرآن الكريم، فهذا أمية بن أبي الصلت (ت9هـ/630م) الذي كان على جانب كبير من المعرفة الدينية ورغب عن عبادة الأصنام كان يحكي الكثير من قصص الأنبياء(20)، حتى إن الطبري (ت310هـ/923م) استشهد بذبح ابنه، وإن ذلك بشعره عندما بيّن السبب الذي من أجله أمر نبي الله إبراهيم كان من نذر كان قد نذره، فأمره الله بالوفاء به حين قال(21):
    ولإبراهيم الْمُوفي بِالنُّـذُ رِ احتسابًا وحامل الأجزال
    فقد سرد الشاعر حادثة الذبح سردًا يعبّر عن فصيح رواية هذه الحكاية وكثرة تداولها، وعلى تمكن الشاعر في ترتيبها لاطلاعه على مصادر دينية قديمة، استطاع المؤرخ الاستفادة منها في بحث هذا الحدث التاريخي والديني بحثًا معززًا بالشعر.
    ووثّق الأعشى معركة ذي قار كما وثّقها الطبري، كلّ على طريقته الخاصة، بحيث بدا الشعر وثيقة حيّة حملت معها الموقف الاجتماعي، وموقف العربي من الفرس الذين استهانوا بوجود العرب القومي والإنساني والإقليمي بحيث غدا الشعر صورة للواقع وما يعكسه من صراعات ومواقف تشكّل في مجموعها رؤية فاعلة للوعي الإنساني المؤثر في حركة التاريخ وما يعكسه من قدرات على خلق مقوّمات التوثّب والنهوض بوصفها مقدمة من مقدمات ظهور الدين الإسلامي، بوصفه تعبيرًا عن وعي روحي واجتماعي وسياسي بمؤثرات المرحلة التي تبلور وظهر فيها على مَرّ التاريخ. وحمله رسالة الإسلام، حصل صراع قويّ بين بعد مبعث النبي محمد عليه الصلاة والسلام عقائد الماضي والعقيدة الجديدة أدت إلى الهجرة من مكة إلى يثرب، ثم نشوء الدولة العربية الإسلامية التي كانت ثمرة وعي حضاري جديد ظل يتوهج حتى سقوط بغداد على يد هولاكو، فبرزت الحاجة لدى أصحاب الدين الجديد إلى وسيلة إعلامية ليواجهوا بها الإعلام المضاد الذي يشنّه شعراء مشركي قريش بمكة، ولبيان موقف وعقائد الإسلام من الشعر، بوصف الشعر أرقى معارف العرب وأكثرها تأثيرًا؛ فكان التحول في أهمية الشعر وأثره في الظروف السياسية والاجتماعية يعدّ تغييرًا خطيرًا في مسيرة الشعر العربي، ومنعطفًا في أغراضه ومراميه، فكان شعر المشركين واليهود يؤثر في نفوس المسلمين لما يمتلكه من ذيوع واهتمام في أوساط القبائل مما جعل المسلمين يرون فيه سلاحًا فعّالاً في وجه أعدائهم لما يمتلكه من أثر في تدوين الأحداث وفي تعزيز المعنويات والحثّ على القتال والصمود؛ ففي سنة (2هـ/623م) حدثت وقعة بدر فقال حسّان بن ثابت الأنصاري (ت54هـ/673م)(22):
    لقد علمت قريش يوم بدرٍ غداة الأسرِ والقتل الشديد
    إذ يشير الشاعر إلى انتصار المسلمين على خصومهم، بشكل يوضح أن الشعر استطاع أن يوثّق الحدث التاريخي، ويسهم في تدوينه وترسيخه وشيوعه في أوساط العرب، فكان وسيلة إعلامية كبيرة، وسلاحًا لفظيًّا مؤثّرًا، وهو ما قاد مستقبلاً إلى شيوع شعر النقائض والتهاجي بين الطرفين؛ فكانت تلك النقائض وما تلاها بين شعراء العصر الأموي استمرارًا للهجاء القبلي عند شعراء العرب قبل الإسلام، مما جعل النقائض ذات أثر واضح في تدوين الأحداث التاريخية؛ لأنها تقوم على مهاجاة المتناقضين ومحاولة كل جانب إثبات وجهة نظره، وتقويض مبادئ وأهداف الخصم، هذا فضلاً عما حملته من مادة تاريخية ذات اتجاهين متباينين. فعبّرت عن بدء فكرة التناظر والحوار بين عقيدتين متعارضتين.

    كان للخلفاء الراشدين مواقف مع الشعر، وكان بعضهم ينظم الشعر ويرويه، فقد كان عمر بن الخطاب يقول: الشعر علم قوم لم يكن لهم علم أعلم منه. وكان علي بن أبي طالب يقول: الشعر ميزان القول، أو ميزان القوم. بما يعني أن الشعر جزء من ثقافة مرحلة عاشوها، وظلوا يرون فيه علمًا يؤثّر على حياة الناس؛ لأن الشعر كما يعتقد عمر يدل على الأخلاق وصواب الرأي، ومعرفة الأنساب(23). ففي معركة القادسية التي حدثت سنة (14هـ/635م) أسهم الشعر في توثيق الأحداث وبيان طبيعة الالتحام القتالي العنيف، فكان طلحة بن خويلد يقول(24):
    لو كنت يوم القادسية إذ نازلتهم بمهنّـدٍ عَضْبِ
    وفي وقعة الجمل التي حدثت سنة (36هـ/656م) قال أحد الذين أسهموا فيها(25):
    نحنُ بنو ضَبّةَ أصحاب الجمل ننازِلُ الموتَ إذا الموت نَزَلْ
    إذ يفتخر بقومه وقبيلته، ولم يفتخر بدينه كما كان سابقًا، مما يدلل على عودة بعض المفاهيم القديمة نتيجة توثّب نعرة الانتصار للأشخاص والقبائل، ثم نموها تدريجيًّا لتمهّد السبيل أمام ظهور الصراعات القبلية التي ستستفحل في العهد الأموي، حيث أصبح الشعر وسيلة مؤثّرة في كسب ولاء القبائل، وصار الشعراء أدوات إعلامية لنشر الأحداث فيما بين الأمصار، لذا توجّه معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه (ت60هـ/679م) إلى تقريب الشعراء ومنحهم الأعطيات؛
    فكانت السياسة الأموية العامة أنه متى ما صار تباعد بين الشاعر وأحد الولاة فإنه يصار إلى احتضان هذا الشاعر من قِبل والٍ آخر ليبقى ضمن دائرة الولاء الأموي، حتى صار فرار الشعراء من الولاة الأشداء إلى أحد الولاة من بني أمية أو من وجهاء قريش يسهم في حماية الشاعر من غائلة البطش، فيعزز موقف الأسرة الأموية بين القبائل، كما في موقف الفرزدق من زياد، حيث استخدم الفرزدق الشعر مادة يوثّق بها الأحداث التاريخية التي جابهته في صراعه مع زياد، وهي أحداث ذات صلة بمشارة بشخصه وبأسلوب معاوية في مواجهة خصومه، بإكثار البذل والعطاء لهم، فقد وثّق الفرزدق هذه الخصلة في سياسة معاوية مثلما وثّق أسماء بعض الشخصيات؛ فكان يتعامل مع الموقف تعاملاً حيًّا ينبع من قراءة واعية للواقع والتراث في آن واحد لتوسعه في معرفة الشعر وفنونه، بوصفه وسيلة محكمة لتوثيق الأخبار وحفظها من الضياع فضلاً عن سرعة انتشارها.

    وحين سجن عبدالله بن زياد يزيدَ بن مفرغ الحميري وعذّبه تدخّل معاوية رضي الله عنه شخصيًّا وأطلق سراحه، فتنسّم الشاعر رياح الحرية، بعد أن سجّل شعره الأحداث تسجيلاً حيًّا جعلها وثائق تاريخية حملت معها لمحات اجتماعية ونفسية وكشفت عن ظروف السجناء، وأساليب التعذيب، وطرق التأثير على النفوس وكبح قواها لكي ترتضي الذل والخنوع مما يدلل أن الشعر أكد حقائق التاريخ ونفى أن يكون مجرد نفحات وجدانية عابرة.

    الهوامش:

    (1) لسان العرب، (شعر).
    (2) الصاحبي في فقه اللغة، 273.
    (3) صحيح البخاري، 8/62.
    (4) فتح الباري، 2/1236. (5) كتاب الصناعتين، 104.
    (6) أخبار اليمن وأشعارها وأنسابها، 366.
    (7) الصاحبي، 275.
    (8) العمدة، 1/27.
    (9) طبقات فحول الشعراء، 1/24.
    (10) العمدة، 1/3.
    (11) لسان العرب، (دون).
    (12) العمدة، 1/65.
    (13) البيان والتبيين، 1/241.
    (14) المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، 1/67.
    (15) أخبار اليمن، 366.
    (16) تاريخ الطبري، 1/378-379.
    (17) مروج الذهب، 3/136.
    (18) علم التاريخ عند المسلمين، 245.
    (19) الأغاني، 18/182.
    (20) الشعر والشعراء، 1/369.
    (21) الطبري، 1/277-278؛ ينظر: أمية بن أبي الصلت، حياته وشعره، 251-252.
    (22) الطبري، 2/446؛ ديوان حسان، 265.
    (23) العمدة، 2/28.
    (24) الطبري، 3/480؛ فتوح البلدان، 261.
    (25) الطبري، 4/506، 518.

    ******************
    د : قيس كاظم الجنابي
    * المسيب، العراق.
    المصدر :
    مجلة العرب بواسطة موقع حمد الجاسر – العدد 1426- عدد الجماديان –

    http://www.sahab.ws/6785/news/7023.html

    __________________


    التعديل الأخير تم بواسطة عامر العمار ; 07-11-2016 الساعة 06:47 AM

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. مصفف الشعر سراب شيرينيان يكشف عن أحدث صيحات تصفيفات الشعر لعام 2023 للنساء في دبي
    بواسطة rss_net في المنتدى منتدى اخر مواضيع شبكة عراق الخير
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-18-2023, 04:40 PM
  2. تمشيط الشعر يسبب تساقط الشعر
    بواسطة ملكة الاحساس في المنتدى منتدى المرأة العربية
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 11-28-2022, 09:29 AM
  3. موسوعة الشعر العربي(اشعار بالصوت والصورة)لمختلف عصور الشعر
    بواسطة صحفي المنتدى في المنتدى منتدى التاريخ العراقي لمختلف العصور
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 10-28-2020, 10:36 AM
  4. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 03-09-2014, 02:53 AM
  5. طريقة عمل الشعر كيرلى بواسطة مكواة الشعر
    بواسطة نهاد الأورفلي في المنتدى منتدى أستراحة الأعضاء
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-27-2014, 04:33 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
RSS RSS 2.0 XML MAP HTML

جميع آلمشآركآت آلمكتوبه تعبّر عن وجهة نظر صآحبهآ ,, ولا تعبّر بأي شكل من الاشكال عن وجهة نظر إدآرة آلمنتدى