الصحراء الليبية الكثير من الملامح الثقافية، هذه الملامح التي استمدت من تاريخ قديم، ولعل من الشواهد على ذلك ما وجد من نقوش ورسومات على الصخور المنتشرة في أرجاء الصحراء والتي يرجع عمرها إلى ألاف السنين أي ما يثبت العمق التاريخي الإنساني لهذه المنطقة، إذ يوجد خيط خفيّ يجمع المظاهر المختلفة للانسان على مر العصور، وهذا كفيل بالمساعدة على فهم الإنسان وتطور أشكال حياته الاجتماعية والثقافية والحضارية.
يعتبر الرسم من الفنون التشكيلية التي تلازمت مع الإنسان منذ أن وطئت قدماه الأرض، فهو الدعامة الأساسية لكل الفنون التشكيلية الأخرى التي عرفها الإنسان الأول في العصور الحجرية، وقد وظف الإنسان في أولى محاولاته الفنية الخطوط بشتى أنواعها تارة مستخدما أصابعه لرسم الخطوط وتارة يستخدم فرشاة صنعها بنفسه من لحاءات الأشجار.
وقد استعمل الإنسان في هذه الرسوم ألوانا استخرجها من الصخور أو الأشجار أو حتى من دماء الحيوانات، كما استخدم أدوات حادة لتحديد الرسوم الملونة في الكهوف أو على بعض اللوحات الصخرية لعمل ماعرف باسم الرسوم الطباشيرية.
والليبيون القدماء كغيرهم من بني البشر قاموا برسم ونحت وتصوير حياتهم على جدران الكهوف والصخور المنتشرة بالصحراء.
ان أول من عثر على هذه النقوش هو احد الرحالة الألمان كان ذلك في وادي الزنقن غربي مدينة مرزق عام 1850 اثر ذلك توالت الاكتشافات واحدة تلو الأخرى.
تعتبر مدينة مرزق من أقدم المدن الليبية حيث يرجع بعض المؤرخين نشأتها إلى زمن الفراعنة، وقد شهدت المدينة قيام عدد من الحضارات التي أعطت مرزق الصفة التاريخية، وتقع المدينة في موقع جغرافي هام جدا حيث تعد نقطة التقاء القوافل التجارية بين أفريقيا وسواحل البحر المتوسط وأيضا جسر عبور بين غرب وشرق شمال أفريقيا، ويرجع ازدهار الحضارة عبر مر العصور فيها إلى كثرة مياهها الجوفية.
من جهة أخرى تم اكتشاف عدد من الرسوم في منطقة وادي الحياة ومكنوسة وجبل زنكيكرة الواقع جنوبي مدينة جرمة هذه المدينة التي بناها الجرمنتيون “الأمازيغ” في القرن الأول للميلاد كعاصمة لدولتهم، وتعد من أهم وأقدم الشواهد والآثار في ليبيا الدالة على تاريخ الليبيين القدماء. وتقع في الجنوب الغربي من ليبيا.
أما في وادي برجوج غربي منطقة فزان وجبل غنيمة شرق فزان وعلى السطوح الصخرية من جبل نفوسة شمالا إلى هضبة تاسيلي جنوبا التي تقع في الشمال الشرقي وتمتد إلى داخل حدود فزان الشرقية، فقد قام العالم الفرنسي “هنري لوث” مؤلف كتاب لوحات تاسيلي برحلة سنة 1956 واستطاع مع زملائه من خلال الفترة التي قضوها هناك أن يعثروا على المئات من الجدران المرسومة التي تصور الأشكال البشرية والحيوانية.
النقوش والرسومات تملأ أرجاء الصحراء الليبية الكبرى، فبالإضافة إلى ما تم ذكره سابقا فقد تم العثور على رسومات أخرى في جبل العوينات جنوب شرق ليبيا حيث يرجع بعضها إلى ما قبل التاريخ والبعض الآخر إلى العصر الحجري، وتحتوي هذه الرسومات والصخور والنقوش على عدة أنواع متفرقة منها ما يمثل صور حيوانات كحيوان الماسيدون والفيل وفرس النهر والتمساح أو الحيوانات المفترسة.
كما يوجد أيضا حيوانات برية كالبقر والنعام - وإن دل ذلك على شيء فإنه يدل على وجود الماء والحشائش خلال فترة ما بهذه المنطقة- بالإضافة إلى وجود مجموعة من الرسوم التي تمثل مجموعة رجال تجرها الخيول أو يركبون الخيول نفسها ومجموعة أخرى تمثل رعاة الجمال، ومن أهم هذه الرسومات لوحة للصيادين في فترة تسمى فترة الثيران ولوحة تصور القوارب لوحة فينوسال، والوعول السوداء وصور للفيل.
كما توجد صورة باللونيين الأحمر والأبيض تمثل بعض القطعان برفقة راعيها، وقد سميت فترات هذه الرسومات بأسماء شتى منها فترة الثيران كما سبق وذكرت، وفترة الرؤوس المستديرة التي تضم مجموعة من اللوحات منها صورة النبالين والشياطين الصغيرة ولوحة الراقصين النحاف.
أما عن صورة القارب التي تحمل القرابين فهي شبيهة لما جاء في الحضارة المصرية إلا أن الفرق بين الصورتين يتضح من خلال بدائية الرسم في حضارة الصحراء الكبرى، وهذا حال مختلف الرسومات لهذه المنطقة ويثبت ذلك أنها تسبق بفترة زمنية غيرها من الحضارات في المناطق المجاورة.
من الملامح الثقافية التي ارتسمت على السكان الصحراويين عبر مر العصور والتي ارتبطت بالتعبير الأدبي والفني بالإضافة إلى الرسوم الرقصات الشعبية التي يمارسها سكان تلك المناطق سواء كانت فردية أو جماعية..

منقول