تشاد .. تاريخ مضطرب و استقرار منشود :

تعتبر تشاد إحدى الدول الافريقية التي عانت من ويلات الحروب الأهلية , شأنها شأن الكثير من دول تلك القارة , و السبب الرئيسي هو أن تشاد بحد ذاتها تعتبر بشكلها الحالي كياناً مصطنعاً ، يحمل في تركيبته بذور الحرب الأهلية بشكل مستمر , وقد شهدت تلك المنطقة الواقعة في أرض تشاد ( الحاليـة ) قيام عدد من الممالك الإسلامية ، ابتداءً من القرن الحادي عشر الميلادي ، وقيل أن أهلها قد تعاونوا مع القائد عقبة بن نافع دون حرب , ومن أبرز الممالك الإسلامية التي قامت في أرض تشاد مملكة غانم , ومملكة باجوري , ومملكة بورتو , و في العصر الحديث , بسط الفرنسيون كامل نفوذهم عليها عام 1913, و في بدايات الثلاثينات من القرن العشرين , ظهرت حركات تحرر في تشاد خاصة المناطق الشمالية , ذات الأغلبية المسلمة والعربية ، ظلت تقارع الاستعمار الفرنسي للحصول على الاستقلال , ثم أصبحت تشاد عضواً بالمجموعة الفرنسية في تشرين الثاني عام 1958, تمهيداً لنيل الاستقلال التام الذي حصل في 11 آب 1960, وانتخب فرانسوا تومبلباي أول رئيس للجمهورية , و سرعان ما قضى الرئيس تومبلباي على التعددية السياسية , واعتمد سياسة الحزب الواحد , وبقي الاستقلال شكلياً , لأنه كان في الحقيقة موالياً للسياسة الفرنسية , و ذا دور واضح في إبقاء الهيمنة الفرنسية على مقدرات تشاد ، و قمع الثورات التشادية التي اندلعت ضد حكمه عام 1965, بعنف , حيث قتل قائد حركة الفرولينا ابراهيم حباجة عام 1966، فخلفه أبا الصديق الذي حاول الانقلاب ضد الرئيس تومبلباي عام 1971, و لكن محاولته فشلت , وصمد تومبلباي في وجه المعارضة التي كان في حال حرب ضدها , و أخيراً تمت تصفيته شخصياً باغتياله في 13 نيسان عام 1975, عقب انقلاب عسكري , قاده الجنرال فيلكس مالوم الذي كان هو الآخر مرتبطاً بالفرنسيين ارتباطاً وثيقاً , فاستعان بهم لدحر حركة فرولينا الثورية , وحاول عام 1979, شق صفوف الثوار بدعم من فرنسا ، حيث تم استقطاب المنشقين عن الحركة , ومنهم حسين حبري وعينه رئيساً للوزراء , ومع كل ذلك فقد عجز عن صد القوات الزاحفة من الشمال , فانهارت حكومته عام 1979, وانقسمت البلاد إلى أربعة مناطق ، ثم تسلم غوكوني وداي رئاسة الحكومة في كانون الثاني 1980, وعانت البلاد من الفوضى , وانحصر النزاع أخيراً بين وداي , وبين وزير الدفاع في حكومته حسين حبري الذي تمكن من فرض السيطرة , واستولى على السلطة في البلاد في حزيران عام 1982, وفي عام 1989 , ظهرت حركة مناوئة لحكم الرئيس حبري بقيادة الجنرال إدريس ديبي , الذي استطاع – و بدعم من ليبيا و السودان - إسقاط نظام حبري , والاستيلاء على السلطة في 2 كانون الأول عام 1990م , فعمل على ترسيخ سلطته و على إنهاء الفوضى في البلاد , و تم صياغة دستور جديد , تم اعتماده باستفتاء عام , ثم أجريت انتخابات رئاسية ونيابية متعددة الأحزاب عام 1996, والتي كان الفوز فيها من نصيبه , كما فازت حركة الخلاص الوطني التي يتزعمها بمعظم مقاعد المجلس النيابي , كما عمل الرئيس ديبي على تطوير الاقتصاد , وظهرت بوادر التحسن الاقتصادي في عهده , من خلال تنمية حقول النفط في المناطق الشمالية الشرقية , وأعيد انتخابه في أيار عام 2001, لكن البلاد لم تسلم من الأزمات , فقد تعرض الرئيس ديبي لمحاولة اغتيال ومؤامرة لقلب نظام حكمه في17 أيار عام 2004, و تعرض لمحاولة انقلابية أخرى في15 آذار عام 2006 , عندما كان خارج البلاد , أعيد انتخابه لولاية جديدة العام ذاته , وتواصلت هجمات المتمردين على العاصمة , و كادوا أن يطيحوا بحكمه في2 شباط عام 2008, بعد اجتياح العاصمة خلال هجوم كاسح , ومحاصرتهم لقصر الرئاسة , ولكن تدخل الفرنسيين في هذه المواجهة , أدى إلى طرد المتمردين خارج العاصمة , و إبعاد خطرهم , و اتهم الرئيس ديبي السودان بدعم المتمردين , ومساعدتهم في شق طريقهم نحو عاصمته , و قد عرض المتمردون على الحكومة في حزيران من العام ذاته , إقامة حوار لحل مشاكل البلاد سلمياً , إلا أن الحكومة لم ترد على هذه الدعوة

منقول